العدد 410 - الإثنين 20 أكتوبر 2003م الموافق 23 شعبان 1424هـ

«عفطة عنز»

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

اتصل بي أمس الاول احد الاصدقاء وكان مستاء جدا لانه سمع عن شيء قاله احد الاشخاص في جلسة ورد فيها ذكر اسمي. بعد ذكر المقدمات قال صديقي ان أحدهم قال «إن منصور الجمري حصل على ثلاثة ملايين دولار من الحكومة أخيرا ... الخ».

لم اتمالك نفسي من الضحك ولم استطع سوى تقديم الشكر الى الصديق الذي استاء من المقولة التي سمعها وبادر بإيصالها إلي. على انني انتبهت من النوم لاحقا وانا اردد «ثلاثة ملايين دولار مرة واحدة!» و«لماذا 3 ملايين وليس 6 ملايين؟»... على الاقل ستة ملايين دولار ستجعلني منافسا للرجل الحديدي «ستيف أوستن» الذي مثل في المسلسل الاميركي الذي كان يبث في السبعينات بعنوان «رجل بستة ملايين دولار». على انني اكتشفت اننا لايمكننا ان ننافس ستيف اوستن لعدة اسباب.

قصة «رجل بستة ملايين دولار» تتحدث عن طائرة مقاتلة سقطت وجرح قائدها، وبدلا من استسلام العلماء والاطباء اشتركوا (حسب القصة) وبنوا رجلا نصفه انسان ونصفه كمبيوتر ولديه قدرات خارقة. وقيل ان المسلسل الذي بدأ بثه في 1974 انما هو تقليد لقصة طيار ياباني سبقت المسلسل الاميركي بعشر سنوات.

على اي حال فأن المخيلة الاميركية واليابانية تتحدث عن امور مستقبلية لها اسس علمية. وفعلا فان العلماء يتوقعون ان الكمبيوتر البيولوجي الذي تسعى كل من اميركا واليابان إلى تطويره منذ عقود ومازالتا سيكون شيئا خارقا. ذلك لان ذاكرة الخلايا البيولوجية تفوق بمليارات المرات الذاكرة السيلكونية المستخدمة في عالم الكمبيوتر اليوم. بل ان مخزون ذاكرة الخلايا لكمبيوتر بيولوجي واحد سيعادل كل المخزونات الحالية بما في ذلك مخزون كمبيوترات وكالة الفضاء الاميركية (ناسا).

توقفت افكاري قليلا وانا استذكر ان ثلاثة ملايين دولار هي نصف ستة ملايين دولار، وتساءلت: هل وصل خيالنا العلمي والانساني الى نصف ما لدى الاميركان واليابانيين الذين تحدثوا عن ذلك طويلا؟

غير اني عاودت نفسي ووجدت ان لدينا اكثر من نصف مخيلة الاميركان واليابانيين، بل ان مخيلتنا تفوق ذلك بمئات المرات. الا انه وللأسف فان المخيلة في الاتجاه المعاكس لكل ما له علاقة بالذوق الانساني او التطور الانساني او الفهم الانساني او المعنى الاخلاقي للوجود الانساني.

حاولت ان اتوجه للنوم وانسى ماقاله الصديق لي على الهاتف، ولكني استحضرت حالات اخرى في بلدان اخرى. في بريطانيا هناك سياسيون من اليسار ومن اليمين والناس يختلفون معهم في كثير مما يقولون ولكن لايوجد احد يتجرأ عليهم ابدا بهذا الكلام. فالسياسي اليساري جدا «طوني بن» يتحدث في البرلمان وفي خارج البرلمان بما يزعج الكثيرين ولكن لايوجد احد في بريطانيا يصدق انه يمكن شراء «طوني بن». وهنا استذكرت تاريخنا الاسلامي وكيف ان علي بن ابي طالب قال: ان الدنيا وامارتها بالنسبة اليه «عفطة عنز»، وفهمت لماذا نحن على هامش الزمن وكيف ان مخيلتنا ما هي الا انعكاس لخروجنا من الزمن (= السياسة) وضياعنا في عالم العفن (= الغوغائية). فالمخيلة عندنا فعلا «عفطة عنز»

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 410 - الإثنين 20 أكتوبر 2003م الموافق 23 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً