العدد 2658 - الثلثاء 15 ديسمبر 2009م الموافق 28 ذي الحجة 1430هـ

أحاديث كبار السن... عروق شجرة الوطن

لو توجهنا الى الآباء والأجداد من كبار السن، من قرى البحرين ومدنها ومختلف مناطقها وضواحيها... خصوصا أولئك الذين شاركوا في استفتاء الأمم المتحدة التاريخي حول عروبة البحرين في العام 1970، وطرحنا عليهم سؤالا حول مشاعرهم تجاه وطنهم وحقيقة تلك المشاعر وذلك الانتماء الأصيل، لن تجد في الإجابات اختلافا! فكلهم يجمعون على أن تراب البلد لا يقدر بثمن، وأن البحرين... هذا الوطن الغالي، بيت للجميع.

كبار السن من الآباء والأجداد، وهم عروق شجرة الوطن السامقة، يقدمون لمن أراد، درسا في الوطنية والانتماء قلما تجد مثيلا لصدقه وعمقه بين الكثير من الناس اليوم، ممن لا يعرفون الا منطق الشعارات... الحاج «يوسف»، واحد من كبار السن عاش طوال حياته في مدينة المحرق، يتحدث مبتسما عن معنى الوطن وهو اليوم يبلغ من العمر 83 عاما، ويقضي ما تبقى من عمره لا يعرف أثمن من الوطن... وعلى رغم تجاعيد السنين ورعشة التعب في جسد مرهق وصعوبة الاستذكار، لكنه يكتفي بالقول :»يا بوك.. البحرين تاج الراس.. عزنا وفخرنا.. عاش فيها آباؤنا وأجدادنا، وعشنا فيها ويعيش فيها أبناؤنا وأحفادنا، ولو شرقت أو غربت، لن تجد مثل هذا الوطن بيتا يضمك».

ولا يشك الحاج «يوسف» في أن أهل البحرين، منذ القدم، بذلوا النفيس من أجل بلادهم، فعمروها، وعاشوا معا، سنة وشيعة.. يجمعهم الدين تحت مظلة الوطن، وشيوخه، وكانوا يدا واحدة لم تفرقهم خلافات أو عداوات، حتى مع تبدل الزمن، بقي الناس في محبة... صديق عمري كان من سكنة قرية عراد... الحاج علي بن راشد... توفي منذ سنين رحمه الله، لكنه كان لي نعم الأخ والصديق... عملنا معا في المنطقة الشرقية... في البواخر... والعيال، حتى اليوم، على علاقة وثيقة بعيال المرحوم الحاج راشد... ليس هناك أروع من علاقة الأخوة.

أتذكر يوم الاستفتاء... قال لي الحاج راشد بعظمة لسانه: «ما لنا الا البحرين وشيوخ البحرين، ولا نريد الا الموت في ترابها»، وهؤلاء يا ولدي أهل البحرين... لو اختلفوا في المذهب، لكنهم اخوة... الجيب واحد واللقمة واحدة».

ولا ينسى الحاج عبدالرضا الشيخ، وهو من أهالي سترة، يوم الاستفتاء، بل يتذكر أنه كان في تلك الفترة، يعمل في بلدية جدحفص، ويقول إن والده المرحوم الحاج عبدالكريم، قال حينها إن الناس سيوقعون على ورقة تثبت أننا ننتمي الى البحرين لا الى إيران مع التأكيد على أن أهل البحرين يحترمون كل الشعوب، لكن البحرين عربية تعتز بعروبتها وبإسلامها وبعلاقات الحاكم والمحكوم، وأقول إننا كبحرينيين، لا فرق بيننا كمواطنين مع اختلاف المذاهب، حتى لو كان هناك من يثير المشاكل والخلافات المذهبية، فهذه الأمور مآلها الفشل، وسنبقى على هذه العلاقة القوية، واذا كان هناك من يطالب بحقوقه من المواطنين، فهذا شأن بين الشعب وحكومته.

غالبية كبار السن، يحملون في قلوبهم حبا كبيرا لوطنهم ولقيادتهم ولبعضهم البعض، وهذه الفئة، تمثل أساسا ومرجعا كفيلا بالتصدي للممارسات التي يشهدها المجتمع البحريني من بعض الفئات التي تشكك في الانتماء والولاء، وتظهر – أي مدرسة كبار السن - المعدن الأصيل لهذا الشعب الكريم.

وتواصلا مع حديث كبار السن، نشير الى أن «الوسط» نشرت يوم 25 ديسمبر كانون الأول من العام 2006، تقريرا كان عنوانه :»الشيخ الضرير الذي أبصر عروبة البحرين تاريخا ومستقبلا»، وهو تقرير تناوله أيضا الكاتب بالصحيفة عبدالحسن بوحسين في العاشر من شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام ذاته، حيث كان التقرير ينطلق من إشارة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء عن أصالة أهل البحرين في المواقف الوطنية، مستشهدا سموه بمواقف حصلت قبل أكثر من ربع قرن في سترة وتحديدا في العام 1970 عندما جاء المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة فيتوريو وينسبير جويشاردي للتعرف على آراء شعب البحرين فيما يتعلق بمستقبله، والتقى أهالي منطقة سترة في مجلس المرحوم الحاج الملا رضي بن طوق رحمه الله الذي عبر بشكل قاطع نيابة عن أهالي المنطقة عن أن عروبة البحرين ليست محل تساؤل، وأن الحكم الخليفي هو الحكم الشرعي الذي ارتضاه أهل البحرين منذ أمد طويل... حينها كان كاتب المقال حاضرا عندما عبر المرحوم الملا رضي بهدوئه وحبكته المعهودة أن عروبة البحرين وحكمها الشرعي هو قدرنا الذي لا نحيد عنه مهما كانت الظروف، ومهما كان المصير مستجيبا لدعابة المبعوث الشخصي بمداعبة أخرى تؤكد الولاء لهذه الأرض وحكامها العرب الشرعيين.

إن ملاحظة سمو رئيس الوزراء لها مدلولاتها المهمة التي يجب علينا التوقف عندها وخصوصا في هذه الأوقات وفي ظل التطورات من حولنا لنستوعب من دروس الماضي ما يفيد حاضرنا ويرسم مستقبلنا ويجنبنا ما يعاني منه غيرنا، فموقف المرحوم الملا رضي آل طوق إنما جسد شعور وعقيدة أهل البحرين منذ الاستقلال الأول لهذه الجزيرة على يد المؤسسين الأوائل بدءا من الشيخ أحمد آل خليفة وابنيه: الشيخ سلمان والشيخ عبدالله، إذ التسامح والتعايش، إلى عهد الشيخ عيسى بن علي الذي ارتضاه أهل البحرين حاكما، مرورا بمرحلة الاستقلال الثاني عهد الشيخ عيسى بن سلمان طيب الله ثراه حيث أكد أهل البحرين عروبة وطنهم واستقلاله من التبعية الأجنبية، حتى مرحلة مشروع الإصلاح والتصويت على ميثاق العمل الوطني بغالبية ساحقة، إذ رد شعب البحرين التحية بأحسن منها متفاعلا مع مبادرات جلاله الملك الإصلاحية التصالحية... هذه جميعها تشكل مراحل تاريخية حاسمة تعكس الرغبة الجامحة للحفاظ على الوطن من خلال الوحدة الوطنية والوئام والتعايش على أساس من القواسم والمصالح المشتركة والثوابت الوطنية.

العدد 2658 - الثلثاء 15 ديسمبر 2009م الموافق 28 ذي الحجة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 10:33 ص

      تعليق

      ممكن تبحثونلي احايث و ايات عن كبار السن باسرع وقت

اقرأ ايضاً