العدد 2662 - السبت 19 ديسمبر 2009م الموافق 02 محرم 1431هـ

تخبط القيادة الإيرانية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

دخول قوات إيرانية الأراضي العراقية وسيطرتها على البئر رقم 4 في حقل «الفكة» النفطي شرق مدينة العمارة يؤشر إلى حال التخبط التي تمر بها القيادة السياسية في طهران بعد تولي محمود أحمدي نجاد السلطة قبل خمس سنوات. فالحادث الذي أثار استياء حكومة بغداد «الصديقة» لإيران يؤكد وجود فوضى في نظام الأولويات تعطل إمكانات ترتيب علاقات متوازنة مع دول الجوار العربية.

الحكومات العراقية التي تشكلت بعد الاحتلال الأميركي اشتهرت بالفساد والسرقة ولكنها نجحت في تحييد الجانب الإيراني وتحسين العلاقات معه لضمان الاستقرار وضبط الأمن على الحدود المشتركة التي شهدت أعنف المواجهات العسكرية في عهد الرئيس الراحل صدام حسين.

هذه السياسة المستحدثة لم تشفع وأعطت نتائج غير مثمرة بسبب وجود قيادة في طهران تعيش حالات من الزهو وتحلق في عالم آخر تتحكم في آلياته إيديولوجية تجنح نحو «عسكريتاريا» تقودها شريحة من الطفيليات الطامحة والطامعة بالإمساك بمفاصل الثروة. ودخول قوات إيرانية إلى حقل نفطي في محافظة ميسان الجنوبية (يقدر المخزون بـ 155 مليون برميل) جاء في سياق تحركات سابقة أدت إلى قضم تلال ومناطق زراعية ومرافئ صغيرة وتحويل نهر كارون وتجفيف روافد وينابيع لتغيير خريطة شط العرب وتعديل خط الحدود في المياه الدولية والمعابر التجارية النهرية.

كل هذه التصرفات تدل على ضعف في الرؤية السياسية وحال الاضطراب والقلق والفوضى التي تعيشها قيادة أيديولوجية تفتقد إلى عقلانية في التعامل مع الداخل والمحيط الجغرافي والمجال السياسي. فالمشكلة التي افتعلتها طهران في منطقة العمارة قد لا تعطي قيمة اقتصادية إضافية في المعادلة الإقليمية إلا أن وظيفتها المباشرة تثير حساسية طائفية وتحرج حكومة عراقية تعتبر صديقة لطهران وتقلق جماعات سياسية متعاطفة ذهنيا مع إيران.

النتائج السلبية للفعل تبدو أكثر من الفوائد الاقتصادية ومع ذلك لم تتردد القيادة الايديولوجية في ارتكاب خطوتها من دون تقدير للخسائر المعنوية التي يمكن أن تترتب من جرائها. فالايديولوجي عادة قليل التفكير ومشبع بالأوهام وينزلق بسرعة نحو توهمات تنتجها المخيلة لأنه أساسا لا ينطلق من حسابات الواقع وينساق دائما نحو قراءات ضبابية لا صلة لها بموازين القوى ولا تحترم ترتيب نظام أولويات للمهمات الرئيسية والثانوية.

هناك فوضى تعيشها القيادة السياسية الإيرانية وهي تبدو مرشحة للتضخم والانتشار في الداخل والتمدد منه إلى الخارج ما يرجح احتمال حصول فائض من الأخطاء ضد الجيل الأول (المؤسس) للثورة والدولة وضد منظومة العلاقات الإقليمية التي تضبط الاستقرار بين دول الجوار. وما حصل على الحدود العراقية كان بإمكان القيادة السياسية تجنبه أو تأجيله للتخفيف من الخصومات في فترة حرجة تمر بها إلا أن الانتفاخ الايديولوجي لا يساعد العقل على التفكير والتحليل وترتيب برنامج للأولويات يضع المهم قبل الأقل أهمية. فالايديولوجي متهور سياسيا وغير قادر على قراءة التفاعلات والانفعالات والمخاوف التي يثيرها حتى في دائرة الأصدقاء أو تلك العصبيات القريبة منه. والايديولوجي الذي يتوهم أنه يقود العالم يسقط دائما في معارك صغيرة ضد أهله (الشارع الإيراني) وجيرانه (المحيط الجغرافي) معتبرا أنه يسجل انتصارات ضد الأعداء بينما يكون بالفعل يخدم الأعداء ويقدم لهم الذرائع لمحاصرته وتطويقه ومنعه من التواصل والانفتاح في مجاله الحيوي.

انهيار نظام الأولويات

هذا المتغير الايديولوجي في نظام الأولويات لا يمكن عزله عن التحولات البنيوية التي يشهدها النظام وصعود شريحة من الطفيليات (العلق السياسي) وتحكمها بمصادر الثروة وتحديدا تلك القطاعات الاقتصادية الحديثة (النفط والغاز والتصنيع الحربي والاتصالات) حتى تسيطر على القرار وتعزل القوى التي قادت الثورة وأسست الدولة.

المعركة ايديولوجية في مشهدها المرئي ولكنها اقتصادية في كواليسها الخفية وهي أخذت تتطور منذ فوز أحمدي نجاد في معركة الرئاسة في الدورة الأولى وانكشفت بوضوح بعد حفل تدوير نتائج انتخابات الدورة الثانية في يونيو/ حزيران الماضي. فالتدوير الذي حصل جاء محصلة تحولات بنيوية بدأت تتحكم بمفاصل القرار السياسي اعتمادا على قنوات السلطة (أجهزة ومخابرات) وروافدها المالية (استخدام المال العام وتوظيفه لمصالح الزعامة وخواصها).

الآن وبفضل تحكم هذه الشريحة من الطفيليات تتخبط القيادة السياسية الإيرانية في مجموعة معارك ايديولوجية دفعة واحدة ومن دون انتباه لخطورتها في تجويف الثورة وتفريغ الدولة من عصبها وحيويتها ونموذجيتها. فالطفيليات لا تقرأ عادة السياسة وإنما تنجرف إلى عالم متخيل من المعارك الجزئية والصغيرة والثانوية للتغطية على الضعف الداخلي وعدم القدرة على ضبط التوازن بين القوى التي تتشكل منها الثورة والدولة. وبسبب هذا الانغلاق الذهني تتضخم الأوهام وتتفاعل أفقيا وعموديا وتضطرب في تعاملها اليومي مع التطورات الداخلية والمتغيرات الخارجية.

المشهد الإيراني بدأ ينكشف على احتمالات ارتدادية وأخذ يوسع دائرة الخصوم والعداوات ويتدحرج نحو زوايا ضيقة تعطل لاحقا إمكانات التراجع أو المناورة كما حصل أمس الأول في حادث منطقة العمارة وما أنتجه من ردود فعل كان بالإمكان تجنب الوقوع بها. فما حصل يمكن تبويبه تحت لائحة الهروب إلى الأمام وافتعال معارك تتوهم الكسب السريع للتغطية على فجوات أخذت تمتد دوائرها في الداخل.

محصلة الوضع الإيراني ستكون بائسة على الأمد الطويل في حال استمرت الطفيليات الايديولوجية في إدارة السلطة باتجاهات متخالفة ومتقاطعة. فالقيادة السياسية الآن تخوض معارك متنوعة وعلى أكثر من صعيد وضد كل المستويات من دون نظام أولويات. هناك أولا معركة وهمية ضد «إسرائيل» والولايات المتحدة يتم تفعيلها بالمناورات العسكرية وتجارب منظومة الصواريخ. وهناك ثانيا معركة حقيقية ضد الشارع الإيراني ومطاردات وملاحقات لكسر شوكة الجيل الأول وتحطيم عصبه وقوته الحية. وهناك ثالثا معارك مصطنعة للتذكير بالنفوذ الإقليمي واستعراض قدرات دبلوماسية في مجالات جغرافية قريبة (حقل الفكة في عمارة) أو بعيدة (جبال صعدة). وهناك رابعا معارك الهروب إلى الأمام من خلال تضخيم قدرات ذاتية تحتاج إلى أدلة دامغة لإثبات صحتها.

حتى الآن لا يعرف كيف ستدير القيادة السياسية الإيرانية تلك المشكلة النفطية التي افتعلتها مع جارها العراقي وحكومته الصديقة لطهران، إلا أن المؤشر يدل على تفاقم الفوضى الايديولوجية وتضخم الأوهام واضطراب المخيلة واتساع الصعوبات التي تعاني منها شريحة الطفيليات الطامحة والطامعة.

هناك تخبط سياسي لا وظيفة له سوى إنتاج آليات لا واعية تخترع بطولات وتسجل انتصارات (بئر رقم 4 مثالا) وترسم توهمات لا قيمة لها في المعادلة الإقليمية. النتيجة الواقعية الوحيدة التي يمكن تصورها من مختلف المعارك الوهمية ستكون محصلتها القبول بشروط الغرب بشأن الملف النووي مقابل سكوت الغرب على تداعيات الأزمة المتدحرجة في الداخل الإيراني

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2662 - السبت 19 ديسمبر 2009م الموافق 02 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 26 | 3:34 م

      رد على زائر11

      بس حبيت اعرف من اولا الطباله!!
      جواب: اللي ينصبون خيمه ويمشون على أربع وطبلون ويتناططون هلا عاشو اولاد شحله

    • زائر 25 | 3:01 م

      زائر 15 و 17

      أنا أعرف أشكالك وايد... من الحين اتصورك في مخي.. لحية خفيفة و خواتم و موبايل في صورة خامنئي أو نصر الله. سيارة يابانية مكتوب عليها اللهم صلي على محمد و آل محمد. أشكالك مو حاسين بالنعمة العايشين فيها في الخليج و لو ملكوا القصور. بظلون بعد مظلومين و مضطهدين! افادي بس حكومات الخليج تحجز لكم طيارة كل اسبوع تفرغكم في المدينة الفاضلة طهران حتى تشوفون العز و الرفاهية هناك.

    • زائر 24 | 2:18 م

      اريد الكاتب يكتب لي عن خسائر الخليج في سيتي بنك

      كان يا مكان دولة خليجية اشترت 7.5 مليار من أسهم سيتي بنك و خسرت اليوم 90% من استثمارها و قاعدة الحين تعيط و تعيط... هل الدول الخليجية طفيليين أم ماذا؟؟؟؟

    • زائر 23 | 1:24 م

      زائر 15

      أقول يا الحبيب الأستاذ وليد نويهض تكلم عن الفقر و الجهل و الأمية في الوطن العربي (و الموجود طبعا في حبيبة قلبك ايران بالمناسبة) ... و لكن ذلك لن يمنعه عن الحديث عن احتلال ايران لأراضي عراقية و سياساتها التوسعية في المنطقة. قديمة العب غيرها, و ذيك اللعبة اسرائيل عدونا و تركوا ايران في حالها بعد هم قديمة و صار ما حد يشتريها بخياش البصل. بالمناسبة - مجرد فضول - هل انت ايراني؟ هل تتمنى أن تكون ايراني يوما؟ الباب ترى يفوت جمل .. ايران عندها نووي و فيها علماء و و و و الخ

    • زائر 22 | 12:46 م

      140 مليون عربي يعيشون تحت خط الفقر

      ما يحتاج كلام .. خل الإستاذ وليد يتكلم عن 140 مليون تحت خط الفقر 

    • زائر 21 | 11:23 ص

      تابع جنوساني

      ياجماعة الخير ياللي عايشين في البلد والله نصيحة لله للوعي والحذر لاتجرون وتنجرون وراء سراب يحسبه الضمان ماء (( يعني اذا ماتبعتون ولاية الفقيه بكون دينكم ناقص عملكم مو مقبول عند الله سبحانه وتعالى ارحم الراحمين,, اذا جماعة ولاية الفقيه يشوفون عملهم باطل بدون ولاء للولي الفقيه فمعناته ان كل الفقهاء بعد غيبة الامام الحجة (عج) عملهم باطل او انهم لمتتوفر لهم القدرة الاجتهادية لمعرفة هذه النظرية الخارقة التي سوف تنقد البشرية من الاوبئة والامراض والكوارث والازمات الاقتصادية ( لاعزاء لمن لا وعي له)

    • زائر 20 | 10:20 ص

      يجب وضع حد لسياسة هذا الكيان المارق

      فهو هدفه اخضاع دول الخليج و ليس هدفه لا محاربة اسرائيل و لا محاربة امريكا. هذا النظام يدغدغ مشاعر البسطاء و يلعب على وتر الطائفية للوصول لأهدافه الخسيسة و اقامة و إعادة أمجاد الامبراطورية الفارسية الفانية و لكن هيهات. العرب دائما لهم بالمرصاد. و حرب الثمانييات أعطتهم دروس نسوها في القادسية و ذي قار.

    • زائر 19 | 8:28 ص

      استاذ جنوساني كالعادة تعليقات في الصميم

      و أنا أشدد على "بس العتب مو عليهم بس على الاوادم الي عندنا في البحرين يتحكم في مصيرهم كم معمم ما عنده حتى شهادة ثانوية".. و الله طرطرة قادة أميين.. يعني يكفيك تشوف عدد الجامعيين في الحزب التابع لولاية الفقيه عندنا في البحرين و بتعرف المصيبة اللي حنه فيها. المصيبة الفئة اللي راحت ايران في التسعينات و اغترت بولاية الفقيه مستواها الديني. يا دوب كملو سطوح ما ادري دبلوم ما ادري شسمه. لكن ماذا نقول غير هالباب على هالخرابة.

    • زائر 18 | 8:23 ص

      يا سيد وليد كيف تجرؤ على انتقاد "فلاية فغيه"

      حرام حرام ثم حرام. الطبالة بعدين يزعلون. انت ما تدري ان ايران مع الحق و الحق مع ايران. اي شيء تسوي ايران صح. عساها لو تر*بنا باسم محاربة اسرائيل و الامبريالية و الصهيونية و الاستكبار العالمي بعد صح, نصيحة لوجه الله يا وليد حتى يرضون عنك الجماعة المغرر بهم هني في البحرين انت لازم تنضم لجوقة المطبلين لنظام "فلاية فغيه" و شكرا للوسط على اتاحة الفرصة.

    • زائر 17 | 7:26 ص

      ابو قحصة

      ستبدي لك الايام ما كُنت جهلا وستاتيك بالاخبار ان لم تزودوا,, بتشوفون اكثر بتنصدمون ايران بدت تكشر عن انيابها بضراوة

    • زائر 15 | 6:54 ص

      جنوساني

      كتابتك دائما تصيب كبد الحقيقة,, النظام الايران محكوم بمن هم يريدون يبدلوا حتى السنن التاريخية با نتفخات وجنون العظمة وما يجري انعكاس لما يحملون من افكار قروسطية ,, لو ما روسيا حتى جراخيات ما بعرفون يسون ,, بس العتب مو عليهم بس على الاوادم الي عندنا في البحرين يتحكم في مصيرهم كم معمم ما عنده حتى شهادة ثانوية ويصورن ليهم ايران ناصرة الدين والامام الحجة (عح)ومنقدة للمستضعفين وحاملة لواء امير المؤمنين وان ايران ما تنام تحتيكم ياشيعة وتحمل همكم ,,

    • زائر 14 | 6:20 ص

      السالفة مافيها عصمة

      السياسة مافيها عصمة و ايران تبحث عن مصالحها مثل أية دولة اخرى .. المقال فيه اخطاء بحسب قراءتي للموضوع .. الهرم السياسي الإيراني ماتسمح فيه بوصول طفيليات .. القافلة تسير و الكلاب تنبح و ايران مب محتاجة احد يدافع عنها فهي واضحة للعيان و ليست هناك غمامة على العيون

    • زائر 13 | 6:14 ص

      ياوليد يا الطيب لاتنتقد ايران هذي معصومه

      تحركات ايران من كله تحت امرت المرشد ولمرشد معصوم لش الانتقاد للفرس ممنوع الجماعه ايموتون على ايران رغم انه اهل الاهواز شيعه او عرب لاكن ماتحبهم ايران او الجماعه مو راضيه تفهم انه ايران تبيهم مثل الدمى الاطفال تحركهم يمين يمين يسار يسار لاكن الله المستعان

    • زائر 10 | 4:43 ص

      سياسة

      أنا أتوقع كانت تريد التسبب في رفع أسعار البترول رغم وجود خلاف على الحدود منذ عهد صدام المقبور

    • زائر 7 | 2:42 ص

      ***

      رد على ما كتبه الاخ علي احمد فان نفس هذه الدولة الخليجية قد استولت بشكل او باخر على منطقة البحرين الغربية الغنية بالنفط و لكن الكتابات ضد البعض غير مقبول و لايمت بالعروبة و الحس الوطني بصلة و البعض مرفوع عنه القلم ! عجبي

    • زائر 4 | 2:33 ص

      علي احمد

      الحكومة العراقية تعرض الإمتيازات النفطية للشركات الأجنبية حاليا و هذه المنطقة كما قرأنا هي منطقة نزاع بين البلدين و بالتالي تقوم ايران بوضع بعض النقاط على الحروف ... لم نسمع ان أحد وصف إحدى الحكومات الخليجية بالطفيلية على الرغم من إحتلالها لبئر نفط ضخم من ابوظبي ..

    • زائر 3 | 2:21 ص

      رأي

      على الرغم من اتفاقي بعدم تأييد جميع سياساتهم الى ان المقال مكتوب باسلوب كتابي رخيص ، و كأن الكاتب يكن حقدا شديدا على من يكتب !

    • زائر 2 | 2:19 ص

      الاوهام المتواصلة

      يبدو ان الكاتب هو المصاب بانتفاخ الاوهام فاليرجع الى اتفاقية الجزائر واليطلع عليها قبل ان يتكلم

    • زائر 1 | 12:35 ص

      هل اتطلعت علي الخبابا السباسبه الايرانيه

      ربما ما تفعله ايران هو اهون الامور و اقلها ايداء فهي محاصره من اعدائها و اعداء الاسلام واهل مكه ادرى بشعابها

اقرأ ايضاً