العدد 423 - الأحد 02 نوفمبر 2003م الموافق 07 رمضان 1424هـ

القوى السياسية العراقية في المنعطف التاريخي

بعد الاحتلال وانهيار نظام صدام

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

من ضمن ما ترتب على سقوط نظام صدام حسين، الذي حكم العراق منذ 17 يوليو/ تموز 1968 ولمدة 35 عاما، على يد القوات الأميركية البريطانية واحتلال العراق، هو السقوط المدوي لحزب البعث وما يعرف بالجبهة القومية التقدمية، وانزاح الستار عن عشرات من التنظيمات السياسية بعضها راسخ في التربة العراقية، وبعضها طارئ، وبعضها مفتعل.

تحمل لنا التطورات العاصفة التي يمر بها العراق منذ سقوط نظام صدام حسين في 9 ابريل/ نيسان بروز قوى وشخصيات بعضها كان على الهامش، وبعضها غير معروف لنا وبعضها عاش ظلام العمل السري، أو المنافي البعيدة.

لعل المظاهرات الاجتماعية اليومية، ومسيرات الجمعة، ومسيرة الاربعة ملايين، وصحف الرصيف والعشرات من مقرات أحزاب الأمر الواقع تحمل لنا ملامح مشهد متناقض تماما للمشهد الذي ساد طوال 35 عاما إذ لم يكن هناك إلا الحزب القائد والقائد الرمز.

سنحاول في هذا الزمن العاصف أن نقدم عرضا بالقوى السياسية الحاضرة في الساحة العراقية، وطبعا فإن بعض هذه القوى كما في التجارب العاصفة السابقة، سيختفي عن الساحة وستظهر قوى جديدة، وان قوى ستنقسم وستشكل قوى جديدة من تحالفات.

منهج تصنيف القوى

يتشكل العراق من غالبية عربية كقومية أولى والاكراد ثانية وأقليات تركمانية آشورية ويزيدية. ويتركز الأكراد والاقليات القومية في الشمال والشمال الغربي بينما يتوزع العرب على باقي رقعة العراق. وطبعا دمج الحراك الاقتصادي والاجتماعي والسياسي فئات المجتمع. فالأكراد والاقليات منتشرون في كل المدن من بغداد حتى زاخو، ويقل كثيرا وجودهم في جنوب وشرق الفرات والفرات الأوسط.

ويمكن تصنيف الأحزاب كالآتي:

1- الأحزاب العربية المختلفة وتلاوينها المحافظة، والوطنية، والديمقراطية، والقومية.

2- الأحزاب الاسلامية.

3- الأحزاب المتفرعة من الحركة الوطنية الكردية.

4- الأحزاب والاقليات التركمانية والآشورية.

5- الأحزاب اليسارية التي ضمت عراقيين من مختلف القوميات (عرب وأكراد وأقليات). أما التصنيف الذي يمكننا اعتماده فهو كالآتي:

- الأحزاب المتجذرة في التربة العراقية التي استمرت وأقامت تنظيماتها في المناطق الكردية المحمية بمنطقة حظر الطيران الذي فرضته الولايات المتحدة منذ 1991.

- التيارات المستترة والسرية في ظل الدكتاتورية.

- التنظيمات العراقية في الجوار (المنافي).

أولا: القوى السياسية العربية:

1- حزب البعث العربي الاشتراكي

شارك حزب البعث في الانقلاب الذي قاده اللواء عبدالسلام عارف ضد الزعيم عبدالكريم قاسم في يونيو/حزيران 1963، لكن عبدالسلام عارف انقلبت مرة أخرى على حلفائه البعثيين في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني لينفرد بالحكم. واستجمع الحزب قواه مرة أخرى ليقود انقلابا مدعوما بكتلة عبدالرزاق النايف العسكرية ضد حكم عبدالرحمن عارف في 17 يوليو 1968.

طوال 35 عاما جرى تحول جذري في بنية الحزب والدولة والمجتمع العراقي باتجاه اقامة نظام استبدادي. لقد أكلت الدولة القمعية الحزب وأصبح ملحقا بها ولذلك فإن سقوطه لم يكن مفاجئا للمطلعين.

2- الحزب الاشتراكي

هذا التنظيم هو أحد افرازات الحركة الناصرية في العراق، ويقتصر على نخبة من المثقفين والمهنيين الموجودين في المنفى وأمينه العام مبدر الويس (المقيم في لندن) ولا يتمتع بقاعدة جماهيرية في العراق.

3- الحركة الاشتراكية العربية

هذا التنظيم هو أحد افرازات حركة القوميين العرب التي اتخذت منحى يساريا، وقد كان للحزب حضور حتى صعود صدام إلى السلطة، ولا يعتقد ان له قواعد في العراق، ومن قياداته عبدالاله النصراوي المقيم في بيروت.

4- حزب العمل العربي الاشتراكي

هذا الحزب هو أحد فصائل حزب العمل التي انبثقت من حركة القوميين العرب وتبنت النهج الماركسي. وقد كان له حضور في سورية ولبنان في أوساط المنفيين العراقيين وبموت زعيمه هاشم علي محسن تلاشى الحزب.

ثانيا: الأحزاب الكردية:

تعتبر الحركة الوطنية الكردية حركة قديمة نظرا لخصوصية القضة الكردية وقاد ملا مصطفى البرازاني هذه الحركة منذ الأربعينات وبلورها في الحزب الديمقراطي الكردستاني لكنها وكأية حركة تحرر وطنية طالتها الخلافات والانشقاقات، وأبرز التنظيمات الكردية:

1- الحزب الديمقراطي الكردستاني

أسسه مصطفى البرازاني ولعب دورا قياديا في حركة التحرر الوطني الكردية في ظل مختلف عهود الحكم في العراق من الحكم الملكي حتى سقوط صدام ويغلب عليه الطابع العشائري، إذ ان المواقع القيادية هي من نصيب المنتمين الى عشيرة البرازاني. ويسيطر الحزب الذي يرأسه مسعود البرازاني على المنطقة الكردية المحاذية لتركيا وعاصمتها اربيل.

2- الاتحاد الوطني الكردستاني

على اثر الهزيمة النكراء للحركة الوطنية الكردستانية اثر توقيع اتفاق الجزائر بين شاه ايران وصدام حسين في يوليو 1975، واجتياج القوات العراقية كردستان، تمرد على قيادة البرازاني جلال الطالباني، فأسس الاتحاد الوطني الكردستاني وطرح برنامجا وطنيا واجتماعيا أكثر تقدما من الحزب الديمقراطي ودعا الى اصلاح جذري للحركة الكردية وتحديثها. وقد فعل الفرز العشائري فعله في المجتمع التقليدي الكردي حين انحازت المناطق والقبائل في شرق كردستان المحاذية لايران وعاصمتها السليمانية إلى الطالباني.

يتقاسم الحزبان النفوذ في المنطقة الكردية ويترتب على العلاقات بينهما موقع الحركة الكردية في النظام الجديد لانهما أكثر حزبين منظمين في العراق ولهما قاعدة جغرافية وجماهيرية راسخة، وقوة مسلحة يعتد بها.

وقف الحزبان موقف المؤيد للغزو الأميركي وشاركا الى جانب الولايات المتحدة في قتال القوات العراقية واسقاط مدينتي الموصل وكركوك. لكن التنافس بينهما يتسم بصراع دموي على مواقع النفوذ في المدينتين وأوساط الأكراد وخصوصا في العاصمة بغداد وتوزيع الحصص في الحكم الجديد.

3- حزب كادحي كردستان

هو تنظم يساري صغير يستند إلى المثقفين والمهنيين، ذي اتجاه نقدي للطابع العشائري المحافظ للحزبين الكبيرين.

4- الحزب الشيوعي في كردستان

تأسس الحزب الشيوعي العراقي في يوليو 1935 واصدار أول صحيفة مركزية باسم «كفاح الشعب» وتضمن أول برنامج للحزب حق استقلال كردستان. وكان من بين المؤسسين شخصيات كردية من بغداد وهو أول حزب بل أهم حزب عراقي يضم عربا وأكرادا وأبناء القوميات والاقليات الأخرى، إذ كانت المساواة بين القوميات، في قلب برنامجه. لكنه وبسبب الطبيعة القومية والنزعة العشائرية للعمل السياسي في كردستان ظل وجود الحزب في كردستان محدودا على رغم أنها شكلت ملجأ الحزب خلال الحملات التي تفرض عليه وخصوصا في 1978. ظل الحزب الشيوعي في كردستان يعمل في اطار الحزب الشيوعي (اقليم كردستان) لكنه وبعد اقامة المنطقة «المحررة» عن المركز في بغداد بدءا من العام 1991، ظهرت المزيد من الاستقلالية للفرع الكردي عن الحزب الأب. فقد تشكلت في البداية لجنة مركزية ومكتب سياسي خاص بالفرع. ومع الدعوة إلى انتخابات نيابية وتشكيل حكومة كردستان ظهرت الحاجة الى استقلال التنظيم في كردستان ليعامل كتنظيم كردي. وهكذا انبثق من مؤتمر 1996 للحزب الشيوعي قرار استقلال الفرع ليتأسس الحزب الشيوعي في 1996 الذي خاض الانتخابات النيابية ولم يفز بأي مقعد، ولكنه يشارك في الائتلاف الكردي الحاكم بقيادة الحزبين وله مؤسسات ومقرات وصحيفة «صوت كردستان» وإذاعة. ومن قيادات الحزب سكرتير اللجنة المركزية كريم أحمد بير داوود.

ثالثا: تنظيمات الأقليات:

توجد غالبية الأقليات من تركمان وآشوريين في كردستان العراق والمدن الكبيرة في الشمال والعاصمة ويوجد اليزيديون في بغداد والبصرة. وعانت الاقليات من قمع النظام الحاكم وتهميش القوى الكردية الحاكمة. ولكن وضمن ترتيبات غزو العراق واسقاط النظام دخلت تركيا طرفا في ترتيب الوضع لما بعد صدام حين طرحت نفسها حامية للتركمان.

واشترطت تركيا عدم دخول قوات كردية مدينة كركوك التي تعتبرها ذات غالبية تركمانية بينها يعتبرها الأكراد كردية.

ومن أهم تنظيمات الاقليات:

1- الجبهة الديمقراطية التركمانية، وهي قريبة من تركيا وشاركت في مفاوضات انقرة.

2- الاتحاد الاسلامي لتركمان العراق ويصدر بياناته من لندن.

3- الاتحاد الديمقراطي الآشوري ومقره لندن.

رابعا: القوى الإسلامية

أ- القوى الإسلامية الشيعية

يشكل الشيعة غالبية سكان العراق ويقدرهم البعض بـ 60 في المئة ويسكنون بغداد ومنطقة الجنوب. كما يوجدون كأقليات في المدن العربية شمال بغداد ومنطقة مثل الموصل. ومنذ سقوط حكم عبدالكريم قاسم في 17 يوليو 1963 بدأت معاناة الشيعة مع الانظمة المتعاقبة. وحتى حزب البعث الذي يعتبر نفسه حزبا علمانيا غير طائفي تعامل مع الشيعة تمييزيا. ولم يكن من بين اعضاء القيادة القطرية إلا عدد محدود (سعدون حمادي، ونعيم حداد) وأعدم معظمهم في 1979 فيما يدعى بالمؤامرة الانقلابية اثر توقيع ميثاق العمل القومي في مارس/ آذار 1978. ظل الشيعة يمثلون قواعد معظم الاحزاب العراقية (باستثناء الكردية) ولكن من دون أدوار قيادية إذ أن غالبية النخب السياسية والثقافية هي من السنة. كما إن التركيبة السياسية التي بناها الأتراك وورثتها الدولة العراقية مؤسسة على قيادة سنية للدولة والمؤسسات الأمنية إذ أضحى للمعسكر دور طاغ منذ ثورة 1958. ويمكن اعتبار دعوة المرجع الديني المجدد محمد باقر الصدر حاسمة في انتقال الشيعة إلى فاعلين في الحياة السياسية. ولعبت كتبه مثل «اقتصادنا» و«فلسفتنا» دورا حاسما في بلورة افكار التنظيمات السياسية الشيعية لاحقا، وقد اعدمه صدام مع اخته بنت الهدى في مارس 1980.

1- حزب الدعوة الإسلامية

يعتبر الحزب اقدم الأحزاب الاسلامية. ويعود تأسيسه بحسب بعض المصادر إلى أكتوبر/ تشرين الاول 1957. واتخذ منذ البداية خط المعارضة لما يعتبره حكما علمانيا وطالب بتغيير المجتمع جذريا لاقامة المجتمع الاسلامي الفاضل بجميع ابعاده السياسية والاقتصادية والثقافية، تستند اليه الدولة الاسلامية الموعودة بقيمها وتنظيمها ومؤسساتها. لكن حزب الدعوة تغير بتغير الظروف والتحالفات في ظل الاحتلال الأميركي.

يعتبر حزب الدعوة، حزبا اسلاميا شيعيا عربيا بمعنى ان قيادته عربية ذات منطلقات اسلامية عراقية. وعلى رغم التنكيل الذي طال الحزب، واضراره للانكفاء، وخروج غالبية قياداته وكوادره الى المنافي ظل محتفظا بقاعدة راسخة من خلال المؤسسات الدينية. وفي ظل الوضع الحالي يتوقع أن يستعيد الحزب زخمه وهو مؤهل إلى أن يكون القوة الثانية إن لم يكن الأولى في الوسط الشيعي. فهو يتفق مع باقي القوى الاسلامية في رفض الاحتلال الاميركي واقامة حكم وطني ديمقراطي مع تأكيد ان يستمد الدستور من الشريعة الاسلامية.

2- منظمة العمل الاسلامية

تقول بعض المصادر ان تأسيس المنظمة جرى في 1967، ولكننا لا نلحظ نشاطا لها حتى 1978. استندت المنظمة في منطلقاتها إلى الفكر الشيعي المجاهد أكثر من تركيزها على رؤية للدولة الاسلامية كما هو الأمر في فكر الصدر وحزب الدعوة. وتعرضت المنظمة الى ضربة بعد سنة من تأسيسها بوصول حزب البعث الى السلطة في 1968، ما تسبب في موجات من الهجرات لعلماء الدين القياديين وكوادر المنظمة. وتبنت المنظمة الكفاح المسلح في 1975 ودربت عناصرها في لبنان، كما شاركت في انتفاضتي 10 محرم وصفر 1977 في النجف وكربلاء وأعدم الكثيرون من كوادرها.

يعتبر انتصار الثورة الاسلامية في ايران في فبراير/شباط 1979، تحولا مهما في مسيرة المنظمة، ووقفت المنظمة من دون تحفظ الى جانب النظام الاسلامي، الذي بادلها الدعم ولو الى حين. وتنتمي المنظمة الى الخط الفقهي لآية الله الشيرازي المنتمي لولاية الفقيه المشروطة.

3- المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق

تشكل المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق في اوساط مئات الألوف من العراقيين الذين هجرهم النظام قبل اندلاع الحرب أو الذين هاجروا في سياق الحرب والظروف القاسية التي رافقتها وتبعتها. يعتبر آية الله محمد باقر الحكيم وهو ان آية الله العظمى محسن الحكيم مؤسس المجلس الاعلى للثورة الاسلامية. وتنبع أهمية المجلس في أنه أقام «قوات بدر» التي تضم عشرات الألوف من الضباط والجنود الفارين من العراق ومن جرى تدريبهم من المهجرين. وبعد توقف الحرب في 1987 ظلت «قوات بدر» منتشرة، وتقوم بعمليات عسكرية عبر الحدود وداخل العراق. ومع انهيار نظام صدام سنحت الفرصة لدخول «قوات بدر» العراق لتشكل قاعدة مهمة للمجلس الأعلى.

- الحوزات العلمية

على رغم أن الحوزات العلمية ليست منظمات سياسية فإنها ظلت تلعب دورا سياسيا مؤثرا وخصوصا في هذا المنعطف التاريخي إذ تنشط الحوزات العلمية في النجف وكربلاء وبغداد في طرح الشعارات والمطالب التي تتبناها جماهير الشيعة. وهناك اجماع لهذه الحوزات والمراجع الدينية الشيعية على رفض الاحتلال الأميركي وضرورة الانسحاب السريع

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 423 - الأحد 02 نوفمبر 2003م الموافق 07 رمضان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً