يخطئ البعض عندما يضعون القضاء في موقع الصراع أو المواجهة مع باقي السلطات الدستورية، أي مع السلطة التشريعية وبصورة خاصة مع السلطة التنفيذية، فالقضاء دوره يتحدد في حل المنازعات وتحقيق العدالة من خلال تطبيق القانون.
وحقيقة الأمر أن دور السلطات الدستورية الثلاث يتكامل من أجل تحقيق هدف أساسي وهو ترسيخ قواعد دولة القانون، أي تلك الدولة التي تحترم القانون وتخضع له ويتصرف أعضاؤها بوحي من أحكامه ومبادئه، إذ في هذه الحال لا تكون السلطات في مواجهة بعضها بعضا ولا في صراع أو تنافس مع بعضها بعضا، بل تسير جنبا إلى جنب وفي خط واحد، بحيث يقوم كل منها، وفي اطار من التعاون، بأداء دوره المرسوم المحدد وممارسة الصلاحيات المنوطة به، بحيث تنتظم هذه السلطات ومؤسسات الدولة في اطار الشرعية، فتأخذ العدالة مجراها ودورها الكامل ويطمئن المواطن إلى حقوقه وتحفظ كرامته الإنسانية.
فالسلطة التشريعية أو البرلمان دوره هو في اقرار القوانين ومراقبة السلطة التنفيذية، ودوره أساسي في سن القوانين التي تنطبق على أحكام الدستور وعدم مخالفته لأنه لا يجوز للبرلمان وهو الذي يمثل الشعب أي الإرادة العامة أن يأتي بقوانين تتعارض مع هذه الإرادة ومع القواعد الأساسية التي ارتضاها الشعب وكرسها في القانون الأسمي أي في الدستور، وهنا يبرز الدور المهم الذي تلعبه المحاكم الدستورية العليا أو المجالس الدستورية في رد الأمور إلى نصابها أي يلعب دور الضامن لاحترام السيادة الشعبية.
والمشكلة هنا تبرز من خلال المفهوم التقليدي للديمقراطية القائم على فكرة التبعية، أي تبعية المحكومين للحاكمين والخلط أو التماهي بين الشعب وممثليه أي بين الإرادة العامة وإرادة البرلمان أو ممثلي الشعب وحلول إرادة هؤلاء محل إرادة الشعب. والواقع أن إرادة البرلمان لا يمكن أن تكون ممثلة لإرادة الشعب عندما لا تحترم هذه الإرادة أحكام الدستور، فالمحكمة الدستورية عندما تبطل قانونا إنما تعيد إلى الدستور احترامه وتعيد إلى الشعب سيادته فيلعب المجلس الدستوري هنا دور مؤسسة المجتمع المدني والضامن للحقوق، ويظهر بمظهر الوجه الحديث للديمقراطية.
ويفترض بالحكومة أن تأتي أعمالها متفقة مع أحكام الدستور والقوانين الصادرة عن السلطة التشريعية وأن تلتزم بمبدأ الشرعية أي بالخضوع في كل أعمالها لأحكام القانون وللأنظمة التي تصدرها تطبيقا لأحكام القانون، وعندما تخرج عن هذا المبدأ ينبري القضاء الإداري ليلعب دوره في ابطال أعمال الإدارة المخالفة لمبدأ الشرعية، كما يلعب القاضي العدلي دوره الكامل والتقليدي كحام للملكية الفردية والحرية الشخصية وخصوصا في اطار الدعوى الجزائية ويعمل القضاء في هذه الحالات جميعها على تطبيق القانون في كل وجوهه ومراتبه، وبذلك تتكامل حلقات دولة القانون وتنتظم في عقد واحد لتؤمن الانسجام والتعاون والتكامل بين السلطات ومهماتها ووظائفها، وهذا ما يؤدي بالنتيجة إلى كفالة حقوق الانسانٍ وضمان كرامته الانسانية. ومع ذلك فإن القاضي يبقى معرضا لمواجهة الكثير من المشكلات والتعقيدات سواء على صعيد تطبيق النصوص الدولية المتعلقة بحقوق الانسان أو على صعيد المعوقات التي تقف في وجه هذا التطبيق
العدد 427 - الخميس 06 نوفمبر 2003م الموافق 11 رمضان 1424هـ
مشكوووووررر