العدد 429 - السبت 08 نوفمبر 2003م الموافق 13 رمضان 1424هـ

الديمقراطية «ممارسة» قبل أن تكون «نصوصا»

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

البعض يركز على النصوص القانونية والدستورية لضمان الديمقراطية، وهذا التركيز له مبرراته، إذ لا يمكن الاستهانة بما للنصوص من دور في المحافظة على العملية السياسية. ولكن الديمقراطية لا يمكن اختزالها في نصوص أو شعارات بل إنها ثقافة وممارسة قبل أن تكون أي شيء آخر.

ففي كثير من البلدان تقرأ الدستور والتشريعات وتجد أفضل النصوص التي ابتكرتها الانسانية متوافرة فيها ولكن لا شيء على أرض الواقع يثبت أن أيا منها يجد له مجالا للتطبيق.

الحكومات تمكنت عبر السنين من اختراع الوسائل للالتفاف على النصوص بحيث يمكن لأية حكومة - اذا شاءت - اثبات أنها افضل دولة ديمقراطية من خلال نصوص المواد الدستورية والتشريعية. ولكن فيما لو حاول أحد المراقبين مساءلة الواقع فإنه لن يجد الا أسوأ نماذج الدكتاتورية تسير على الأرض.

في بلدان أخرى لا توجد نصوص كثيرة، وحتى بريطانيا وهي اقدم دولة لديها برلمان متواصل العمل لسبعة قرون فانها مازالت من دون دستور مكتوب. غير ان انعدام الدستور المكتوب لم يؤثر على مسيرة الديمقراطية في شئون بريطانيا، لأن الديمقراطية ثقافة وممارسة وعادات وتقاليد وتسامح وتنازل وتداول للسلطات والقرارات والثروات بشكل مقبول لأكثرية الناس المتأثرين بها.

الحديث عن الدستور وتعديلاته حديث مشروع ولكن التركيز عليه بأسلوب الشعارات «الاختزالية» من شأنه تأجيج الحال وتحويله من حوار عما يجب وما ينبغي وكيف نصل إلى ما نسعى إليه، إلى «صراع إرادات» يتمحور حول مصطلحات تثير الأطراف ضد بعضها بعضا بدلا من فتح المجالات بينها للتفاهم. فكثيرا ما نسمع ترديد مصطلحات، مثل: «دستور العقد» و«دستور المنحة»، و«الحل في دستور 73» وغيرها من المصطلحات والشعارات التي أصبح تكرارها وسيلة لتأجيج المشاعر واثارة الجهات الرسمية بأسلوب يغلق المجال أمام من يحاول تطوير التجربة السياسية إلى الأفضل.

وبعيدا عن النصوص الدستورية، فإن الممارسة الحالية من قِبَل عدد من الأطراف الرسمية وغير الرسمية ليست مشجعة. فالبرلمان الذي من المفترض ان يدفع باتجاه المزيد من الحريات وتنمية الاقتصاد ينشغل بأمور صغيرة (بل تافهة) وفي بعض الأحيان مثيرة للمشكلات، مثل اثارة موضوع «نانسي عجرم» أو موضوع حصر المواكب الدينية داخل المؤسسات. الحكومة من جانبها أخرت وتؤخر عددا من الاصلاحات، وأكبر دليل على ذلك ما يجري بالنسبة إلى قانون الصحافة والنشر الحالي الذي لا يتناسب بأي شكل من الأشكال مع الاصلاح السياسي. ولحد الآن فإن هناك ثلاثة مقترحات لتغيير القانون الحالي ولكن العملية البرلمانية «سلحفاتية» وبالإمكان الانتظار سنوات (لو شاءت الحكومة) من دون أن تتقدم الأمور إلى الأمام.

على الجانب الآخر فإن الجمعيات السياسية لم تعزز الديمقراطية داخل صفوفها، بل على العكس. فبشكل عام احتكر البعض عملية صنع القرار، ولم توفر الجمعيات نماذج يحتذى بها. بل ان محاولات اخراس الأصوات داخلها ازدادت سوءا على ممارسات الجهات الرسمية. وانتهى الأمر إلى اختفاء التعددية داخل معظم الاتجاهات الرئيسية في الساحة، وإمساك مجموعة صغيرة هنا وهناك بالأجندة السياسية وفرضها عبر وسائل بعيدة كل البعد عن الديمقراطية أو التسامح أو احترام الرأي الآخر وبعيدة أيضا عن الذوق الانساني والاسلامي.

وهذا يطرح الحديث ذاته الذي يتكرر دائما وأبدا، وهو ما تعبر عنه الآية الكريمة «إِنَّ اللّه لا يُغَيِّرُ مَا بِقَومٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ» (الرعد/11)، فالذي يطالب بالديمقراطية عليه ان يمارسها وينشرها باعتبارها «ثقافة عملية» في اوساطه. اما اذا كانت الديمقراطية «شعارات اختزالية» لإحراج الجهات الرسمية فإننا بهذه الاساليب نبتعد ببلادنا عن الديمقراطية ونشحن أنفسنا بالكراهية لبعضنا الآخر وبتنفير الناس عن العمل السياسي بشكل عام

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 429 - السبت 08 نوفمبر 2003م الموافق 13 رمضان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً