العدد 429 - السبت 08 نوفمبر 2003م الموافق 13 رمضان 1424هـ

الانتصار الذي تحول إلى هزيمة

بعد أكثر من عامين على حرب أفغانستان

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

حين وصل وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد قبل قرابة شهرين إلى مطار كابول في أفغانستان، كان قد نفذت من جعبته كمية البارود التي حملها معه من واشنطن ولم يكن لديه الكثير ليقوله للقادة الأفغان. قبل ساعات على وصوله إلى هذا البلد الذي تعتبر لغة البنادق اللغة الرسمية الثانية فيه، كان رامسفلد في بغداد التي ترد منها يوميا أنباء سقوط جنود أميركيين نتيجة الهجمات المتواصلة للمقاومة العراقية المتعددة الأطراف وزيادة الخوف في نفوس الجنود الأميركيين وكذلك نقمتهم بسبب بقائهم فترة أطول في العراق واتهام وزير الدفاع الأميركي بالكذب على الأميركيين حين قال قبل الحرب إن الجنود سيعودون إلى عائلاتهم في وقت قصير. وأصبحت وسائل الإعلام الألمانية تراقب تصريحات رامسفيلد جيدا. في مواجهة الانتقادات الموجهة إليه وعد رامسفلد باتخاذ خطوات عاجلة لمواجهة عمليات المقاومة العراقية منها تقديم مساعدات مالية جديدة مجزية للجنود وللأميركيين العاملين في إعادة بناء العراق. في نهاية الجولة التي حملته إلى البلدين اللذين حولهما الأميركيون إلى ساحتي حرب، لم يجد رامسفيلد في جعبته ما يقدمه لرئيس الحكومة الانتقالية في أفغانستان، حميد قرضاي، سوى بعض الفستق. ويريد الأفغان مساعدات مالية عاجلة من الولايات المتحدة قدرها 1,2 مليار دولار لكن الرئيس الأميركي جورج بوش لا يجد ضرورة لتقديم مساعدات لأفغانستان قيمتها ثمانمئة مليون دولار على رغم موافقة مجلس الشيوخ على منحه 87 مليار دولار لمواصلة ما يسمى الحرب المناهضة للإرهاب التي هي من أولويات مهمات الرئيس بوش والتي يعتمد عليها كثيرا في مسعاه للفوز بولاية ثانية في البيت الأبيض في نهاية العام المقبل. عموما سيتم تخصيص 11 مليارا لساحة الحرب في أفغانستان وسيستخدم هذا المبلغ بكامله لتغطية نفقات النشاطات العسكرية الأميركية في هذا البلد.

الرسالة التي صدرت عن واشنطن عند تقسيم أموال الحرب المناهضة للإرهاب مفادها أن أفغانستان أصبحت بعد عامين على بدء الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على رأس تحالف دولي وعادت أفغانستان نتيجة الحرب إلى خريطة العالم، مشكلة ثانوية بالنسبة إلى القوة العظمى التي تركز اهتمامها على العراق الغني بالنفط. إنها السرعة نفسها التي تعرف فيها العالم على هذا البلد بعد هجوم (القاعدة) على الولايات المتحدة في 11 سبتمبر/ أيلول 2001، تلك التي تراجع فيها الاهتمام العالمي وخصوصا من قبل القوة العظمى وعادت أفغانستان للوضع الذي كانت عليه قبل الحرب وربما زادت الأمور سوءا ويجمع المراقبون على أن هذا البلد يواجه الآن خطر التقسيم والغرق في حرب أهلية جديدة. لكن ليست الولايات المتحدة وحدها أدارت ظهرها لأفغانستان وإنما سائر دول العالم وخصوصا مجموعة الدول التي ساندت القوة العظمى في الحرب ضد الطالبان و(القاعدة). حتى اليوم لم تحصل الحكومة الأفغانية الانتقالية سوى على مليار دولار من قيمة الوعود المالية التي حصل عليها الأفغان في مؤتمر طوكيو وبلغت قيمتها 4,5 مليارات دولار. بعد نهاية الحرب وضعت الأمم المتحدة دراسة بينت قيمة إعادة الإعمار من 13 إلى 19 مليار دولار. ويقول دبلوماسي غربي إنه ينبغي على الولايات المتحدة ومجموعة الدول التي انساقت في ركابها أن تعرف مدى سذاجة التصورات التي وضعتها حين انضمت لقافلة المحاربين.

منذ أن صرفت الولايات المتحدة النظر عن الاهتمام بأفغانستان ترد باستمرار أنباء تشير إلى أن الطالبان و(القاعدة) يعيدان صف طاقاتهما العسكرية في مناطق تقع على الحدود الطويلة مع باكستان، وأن خطر نشوب حرب أهلية يتزايد وهذا ما يذكره المراقبون الغربيون في كابول في تقاريرهم إلى حكوماتهم. ويرى البعض أن مشروع بناء نظام ديمقراطي في أفغانستان بالصورة التي عرضتها الولايات المتحدة إذ من المقرر إجراء انتخابات عامة في العام المقبل، قد مني بالفشل. ويراقب الكثيرون الوضع في أفغانستان جيدا وخصوصا الطالبان و(القاعدة) ذلك أن عودة انتشار الفوضى في هذا البلد سيمهد لاستعادة السلطة. لكن الآراء تلتقي على أن عودة الطالبان ليست وشيكة لكن احتمالها يزداد كلما زادت الأخطاء التكتيكية للعسكريين الأميركيين وكذلك الذين وضعوا استراتيجية مرحلة ما بعد الحرب. بعد إعلان نهاية المعارك التي أودت أيضا بحيات عدد كبير من المدنيين نتيجة الغارات الخاطئة إذ كان متناحرون محليون يرشدون الأميركيين لمهاجمة أهداف لـ (الطالبان) بينما هي في الواقع كانت قرى فيها منافسون لهم، قامت الدول الأعضاء التي شكلت قوات الحماية الدولية بخمسة آلاف جندي، في المرابطة فقط في العاصمة كابول وبعد مضي العام الأول على نهاية الحرب تحقق الأمن في كابول بعد ثلاثين عاما من النزاعات المسلحة ويمكن القول بعد مضي العام الثاني على عمر الحرب أن الوضع الأمني في كابول مستقر. لكن كابول اليوم عبارة عن جزيرة في محيط هائج.

وحكومة قرضاي الانتقالية بعيدة كل البعد عن كونها حكومة مؤثرة في أفغانستان. وخارج حدود كابول يملك لوردات الحرب النفوذ. الجنرال ومجرم الحرب دوستوم وكذلك اسماعيل خان في الشمال وكلاهما ساندا الأميركيين في الحرب بعد أن ساندا الطالبان في السابق وهما منشغلان بصفقات بيع الأفيون وزراعته التي تفشت بصورة أكبر من السابق وكل منهما يحوز على جيش خاص به. إن النجاح الوحيد الذي حققه قرضاي هو أنه كسب تقدير عالمي بوصفه الوجه القيادي الجديد لأفغانستان وقد نجا من أكثر من محاولة لاغتياله وقبل وقت قصير استغل هذه الورقة بيده. فمنذ نهاية المعارك لم يقدم له لوردات الحرب سنتا واحدا من الضرائب التي يحصلون عليها عند تصريف البضائع على الحدود بين أفغانستان وجيرانها ويفترض أن يحولوها إلى خزينة الحكومة في كابول. وهدد قرضاي بالاستقالة من منصبه الأمر الذي دفع لوردات الحرب إلى السفر على الفور إلى كابول وإبداء استعدادهم لدفع المترتب عليهم لأن مصالحهم تقضي حاليا بمواصلة عمل حكومة قرضاي. بعد عامين هناك من يطالب بجلاء الجنود الغرباء عن أفغانستان وهناك أيضا من يرغب في زيادة عدد هؤلاء الجنود. وتشير مقارنة سريعة إلى قلة اهتمام المجتمع الدولي بأفغانستان. منذ نهاية حرب البوسنة يعمل ستون ألف جندي دولي في حفظ الأمن والاستقرار في البوسنة. في أفغانستان التي تزيد مساحة أراضيها اثنتي عشرة مرة عن مساحة البوسنة ويبلغ عدد سكانها سبعة أضعاف سكان البوسنة، يقوم خمسة آلاف جندي دولي فقط بمهمة فرض الأمن والاستقرار بالإضافة إلى اثني عشر ألف جندي أميركي منتشرون في جنوب البلاد يعملون في البحث عن أسامة بن لادن والملا عمر. واتفقت دول حملة إعادة الإعمار على أن يجري توزيع فرق الخبراء العاملين في بناء المشروعات المدنية من مدارس ومستشفيات في مناطق خارج كابول وتحت حماية عسكرية إلا أن المثال البريطاني يكشف سوء تقدير المخاطر ففي مظهر الشريف يقوم 74 جنديا بريطانيا بتوفير الحماية في منطقة تعادل مساحتها مساحة لبنان ثم من الصعب بل من المستحيل أن تنجح مهمات فرق دولية صغيرة في تنفيذ المسائل الصعبة رغما عن لوردات الحرب الأشداء مثل إجراء انتخابات حرة أو القضاء على زراعة وتجارة الأفيون.

الوضع في الجنوب أكثر سوءا. ثلث أراضي أفغانستان تواجه خطر أن تصبح مرة ثانية بعد عامين على نهاية الحرب، ساحة لعمليات الطالبان و(القاعدة). ويقول مراقبون غربيون أنه يجري تدريب مقاتلين في المناطق القريبة من قندهار وإذ تدرب الأشخاص الذين نفذوا هجوم 1 سبتمبر العام 2001 ويشاع أن المخابرات الباكستانية تساند هذه الجماعات والشعب الأفغاني في هذه المناطق يواجه الخيار الصعب في تأييد الطالبان من جديد أو عشرة آلاف جندي أميركي يعملون في مراقبة المنطقة. ويستخدم الطالبان استراتيجية سهلة، إذ كلما قاموا بقتل الخبراء الدوليين كلما خشيت المنظمات الدولية العمل في هذه المناطق. بأي حال لا يريد الطالبان تحقيق أي نجاح في حملة إعادة الإعمار كي لا تحصل الولايات المتحدة على تأييد الشعب الأفغاني.

من الصعب القول إن انتخابات العام المقبل ستجري حسبما مقرر فالوضع الأمني يزداد سوءا حتى الأمم المتحدة تعرف أنها لا تستطيع الحلول مكان الولايات المتحدة كما ليس هناك ما يشير إلى ظهور نظام تعدد الأحزاب. في الواقع كل المشروعات مجمدة مثل مشروع بناء شارع يمتد من كابول إلى قندهار ويقول البعض إن المشروعات ستظل مجمدة حتى يعاد انتخاب بوش. كل يوم يصغر حجم النافذة الدولية المطلة على أفغانستان ويتضاءل اهتمام الولايات المتحدة بهذا البلد على رغم أن القانون الدولي يفرض على قوى الاحتلال تحمل كلف إعادة الإعمار لكن الفستق القليل الذي حمله رامسفليد في جعبته حين جاء إلى كابول لا يكفي لتحقيق الوعود التي قطعتها واشنطن حين أمر بوش قواته بمهاجمة أفغانستان انتقاما لضحايا الهجوم على نيويورك وواشنطن

العدد 429 - السبت 08 نوفمبر 2003م الموافق 13 رمضان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً