لا يعرف احد كيف استطاع بعض الاشخاص القيام بهذا العمل، ولكن سارية الهاتف المحمول - التي يلقى عليها اللوم في انتشار السرطان بين السكان المحليين - تم قطعها من قبل المخربين.
وقام المحتجون على الفور بمحاصرة الموقع الكائن في ويشو بستون كولدفيلد مانعين نقل السارية.
وأصر المحتجون، الذين ينامون في خيام ويستخدمون مجمرة للدفء، على عدم مغادرة المكان الا اذا وعدت شركة الاتصالات التي تمتلك السارية بوضع البديل لها في مكان آخر.
وبدأت رسائل تأييد تصل إلى المحتجين من المناهضين للسارية حول العالم بالاضافة إلى الطعام والشراب وحتى الزهور.
وعندما وصل هذا المقال إلى الصحافة كانت المجموعة في اليوم السابع من الاحتجاج.
وقال احد منظمي الاحتجاج «ان المحتجين مازالوا متشبثين بمواقعهم وقد يبقوا في مكانهم حتى عيد الميلاد».
وتقول ايلين أو كونر انها مستعدة لأن تعتقل. فمنذ عامين تم فحص هذه الفتاة واتضح أنها مصابة بسرطان الثدي.
وتمضي أو كونر قائلة: بدأت اتساءل عن سبب اصابتي بهذا السرطان في سن الثامنة والثلاثين (وقد تمت ازالة ثدي أو كونر وعلاجها بالمواد الكيماوية وعلاج بالاشعة). ان احدا في اسرتي لم يصب قط بسرطان الثدي باستثناء جدتي التي اصيبت به في الثمانينات من العمر. كنت اتمتع باللياقة وأتدرب لماراثون لندن. وتوجد السارية على بعد حوالي مئة متر من منزلي واتساءل اذا ما كانت هي السبب إذ انني التقيت بعض الجيران في المستشفى يعانون جميعا من السرطان أيضا.
وعندما بدأت في التحدث إلى علماء في جامعات في جميع انحاء المملكة المتحدة وقراءه البحوث العالمية عن العناقيد السرطانية الأخرى شعرت بالذعر. ولا يوجد أي مجال للتراجع الآن.
وتقول أو كونر - التي ساعدت فيما بعد في تأسيس مجموعة «قاطني ستون كولدفيلد المناهضة للساريات» انه منذ اقامة هذه السارية منذ سبع سنوات تم تسجيل تسع حالات اصابة بالسرطان في عشرين منزلا تبعد 500 متر فقط عنها. كما ان ثلاث من اربع نساء اخريات اصبن بسرطان الثدي في الاربعينات من العمر والمرض لا يوجد بين العائلة.
اما المرأة الأخرى فهي في الخمسينات من العمر. وتلقت ثلاث نساء في العشرينات من العمر علاجا لخلايا عنق الرحم قبل التسرطن كما تمت ازالة اورام حميدة من الثدي لاثنتين من النساء في العشرينات من العمر. وتم تسجيل ثلاث حالات من الطفح الجلدي الحاد بالاضافة إلى بعض الآلام البسيطة مثل النوم المتقطع.
اذا هل توجد علاقة بين وجود السارية وانتشار مرض السرطان؟ يوجد في بريطانيا حاليا حوالي 50 مليون هاتف نقال و35,000 سارية. ويمتص رأس الانسان نسبة كبيرة من التردد اللاسلكي المنبعث من الهاتف المحمول. وبعد ان تصدرت المخاوف من احتمال المخاطر الصحية الناجمة عن الهواتف النقالة عناوين الصحف في التسعينات طلب وزير الصحة قيام لجنة مستقلة بالتحقيق في الأمر.
وقامت مجموعة الخبراء المستقلة للهواتف المحمول بدراسة مئات الاوراق العلمية وعقدت خمسة اجتماعات مفتوحة واستمعت إلى أدلة من عشرات الشهود. وذكر التقرير الذي اعدته المجموعة والذي نشر في مايو/أيار العام 2000 ان التعرض للاشعاع المنبعث من الهواتف المحمولة والسواري - اذا كان أقل من التعليمات الموصى بها - لا يسبب آثارا صحية عكسية على السكان. ومع ذلك ذكر التقرير ان الادلة العلمية تشير إلى احتمال حدوث تأثيرت بيولوجية عند التعرض لنسب قليلة من هذه الترددات اللاسلكية.
ويحث تقرير ستيوارت على اتباع طريقة احتراسية في استخدام تكنولوجيا الهاتف المحمول إلى ان يتم الحصول على المزيد من الأدلة، ويوصي التقرير بعدم تشجيع الاطفال على المكالمات غير الضرورية ويدعو إلى انشاء برنامج بحوث قومي.
ونتيجة لذلك تم اطلاق برنامج البحوث الصحية لاتصالات الهاتف المحمول (MTHRP) في فبراير/شباط العام 2001 بتمويل من الحكومة وادارة التجارة والصناعة إذ تم رصد مبلغ 7,4 ملايين جنيه لهذا البرنامج.
وقدمت إدارة التجارة والصناعة ووزارة الداخلية دعما ماليا بمقدار مليون جنيه للبرنامج. ويشمل البحث دراسة تركز على حالات سرطان الدم (اللوكيميا) المبكر عند الاطفال وانواع أخرى من السرطان تنتشر بالقرب من المحطات الرئيسية للهاتف المحمول والتأثيرات المحتملة على ضغط دم وسمع المتطوعين وتأثير الاشارات التي تصدر عن الهاتف المحمول على وظيفة المخ وسلوك الناس الذين يتعرضون للترددات الناجمة عن الهاتف المحمول واذا ما كان استخدام الهواتف المحمولة يؤدي إلى خطر الاصابة بسرطان المخ أو سرطان الدم (اللوكيميا).
ويزعم كتاب نشر الشهر الماضي (اكتوبر/تشرين الأول) من قبل اكاديمي يعمل في جامعة باث، ان القلق الجماهيري بالنسبة إلى الهواتف المحمولة يزداد بشكل رئيسي بسبب ما ينشر في وسائل الاعلام.
ويجادل المحاضر في علم الاجتماع آدم بيرجس بأن المخاطر افتراضية محضة. ويقول بيرجس انه لا يوجد بالتأكيد سبب مقنع يشير إلى ان الاشعاع الصادر عن الهواتف المحمولة والسواري يضر بصحة الانسان. ان ما يجب دراسته للتأكد من وجود هذه المخاطر هو مجموعة من الأدلة.
ويعتقد بيرجس ان التحقيق المستقل ونشر التقرير بخصوص توصيات احتراسية كان عقيما.
ان قيام الحكومة فقط بإجراء التحقيق هو الذي جعل من اعتراضات الناس شيئا يصعب التعامل معه.
إن أي عالم لم يقل ان الهاتف المحمول والسواري ليسا ضارين لأنه لا يوجد أي شخص يستطيع ان يثبت عكس ذلك.
تم تشكيل لجنة التحقيق بسبب السياسات التي تلت انتشار مرض جنون البقر في بريطانيا. وأصبحت لدى الحكومة الآن فرصة لاظهار اهتمامها باتخاذ الإجراءات الاحتراسية اللازمة.
وتقول تسا جول ان على الحكومة ان تستجيب إلى قلق وسائل الاعلام كما لو كان القلق نفسه الذي يبديه الجمهور.
ويتم حاليا انفاق أكثر من 60 مليون جنيه على البحوث التي تجرى على هذا النوع من الاشعاعات في اوروبا. ويعتقد بيرجس ان هذا هدر للاموال بكل تأكيد.
ومع ذلك يعتقد، رئيس MTHRP تشالس ان اجراء المزيد من الدراسة عن هذا الموضوع أمر حيوي. فعندما يستخدم بليون شخص حول العالم الهاتف المحمول يبدو من المعقول ان يستكشف المرء المخاطر المحتملة.
ويعتقد تشالس (استاذ الفيزياء الفخري بجامعة نوتنغهام) انه اذا كانت هناك مخاطر فمن المرجح انها تأتي من الهواتف وليس من السواري.
إن التعرض للسارية لا يتعدى 1000 ذبذبة وأقل بمليون مرة من التعرض للهاتف المحمول. ففي الهاتف المحمول يتعرض المرء إلى ما يصل إلى 50 في المئة من مستويات الاشعاع المنصوص عليها في المعايير العالمية. اما التعرض العادي لسارية الهاتف المحمول فأقل من المعايير العالمية بعشرة آلاف مرة.
اذا ما سبب انتشار السرطانات في وشو؟
يقول تشالس: ان السرطان يحدث لأسباب كثيرة. فاذا عملنا رسما بيانيا لحالات السرطان في بريطانيا فإنها لن تكون متساوية. ويوجد في بريطانيا 35000 سارية. وقد نجد في بعض مناطق هذه السواري عدم وجود حالات سرطان تقريبا بينما نجد متوسط العدد المتوقع للسرطان في اماكن أخرى، والكثير من حالات السرطان في مواقع ثالثة. لذلك فإن حقيقة وجود بعض امراض السرطان في المنطقة القريبة من السارية في وشو وعدم وجودها على بعد ميل من هذه المنطقة، قد يكون مثالا على الطريقة التي تمت بها الاحصاءات.
وتحدث تشالس في يوليو/ حزيران الماضي في اجتماع للسكان المعنيين نظمته أو كونر، واعترف في حديثه بوجود تأثيرات بيولوجية مرتبطة ببعض السواري، ولكنها لا تشكل بالضرورة خطرا على الصحة. وبالنظر إلى ما يحدث في وشو فإن عددا من الحاضرين لم يقتنع بشكل واضح.
(خدمة الإندبندنت - خاص بـ «الوسط»
العدد 446 - الثلثاء 25 نوفمبر 2003م الموافق 30 رمضان 1424هـ