العدد 447 - الأربعاء 26 نوفمبر 2003م الموافق 01 شوال 1424هـ

بوتشيني... حتى أبعد الحدود

يتمتع ساحر السينما الاسترالي باز لهرمان، بقوة الاقناع بشكل واضح. وكانت آخر مكاسبه ملك المغرب، اذ طلب منه ان يعيره جيشه لفيلمه المقبل ووافق الملك على ذلك. وسيكون تحت تصرفه 5000 جندي من القوات المسلحة المغربية ليستخدمها في التمثيل في صحراء شمال افريقيا لمدة ستة أشهر.

ولا يتمتع لهرمان بخاصية مهيبة، اذ انه لا يبدو وسيما أو شابا عندما ننظر الى شعره الرمادي الاشعث وعينيه الصغيرتين.

كذلك فإن لهرمان مُنكب على المخاطر الجديدة، اذ يقوم دائما بمعالجة المشروعات التي تنطوي على مخاطرة لا يستطيع أحد، حتى المستثمرين الاقتراب منها.

واذا ما درسنا سيرة حياته نجد ان أول مشروع فيلم له العام 1992 كان قصة رومانسية كوميدية ساخرة مقارنة بمسابقة رقص في أحد ضواحي استراليا. وان كل ما كان يحتاج اليه مليوني دولار ولكنه استغرق فترة طويلة لجمع هذا المبلغ.

من كان يسمع عن السينما الاسترالية آنذاك وأين كان النجوم؟ واذا جاز القول فان اسلوب لهرمان قد اتخذ مسارا غريبا بعد ذلك.

وقدم لنا لهرمان بعد ذلك اسلوب شيكسبير ببنادق يدوية بدلا من السيوف قبل ان يسير ويعيد احياء الفيلم الموسيقي.

ان الافلام الثلاثة التي نتحدث عنها هي افلام راقصة بالمعنى الدقيق للكلمة والتي بلغ ايرادها في شباك التذاكر 80 مليون دولار ونالت اعجاب شريحة من المجتمع البريطاني على وجه الخصوص.

وبعد ذلك جاءت قصة روميو وجوليت التي تم تصويرها في المكسيك مع دي كابريو وكلير دينز. وأخيرا فيلمه الموسيقي الرائع مولين روج العام 2001 الذي احدث انقساما بين النقاد ولكنه اظهر ان كلا من ايوان ماك جريجور ونيكول كيدمان يمكنهما الغناء.

ولربما تفسر قوة الشخصية جزئيا وجود مثل هذه الاعمال الجريئة التي انتجها لهرمان. وعندما نتقابل في فندق رويالتون بمنهاتن ألمس بأنه شخص مهذار.

هل يجرؤ احد القول انني اتكلم باسراف؟ يقول لهرمان بنوع من الدعابة بعد الدقائق الخمس الاولى التي يعبر فيها عن نوع من الاعتراض، حسنا، ان الامر ليس مجرد ثرثرة ولكن هناك شيئ ما يريد لهرمان ان يقوله ولا يمكن ايقافه عن ذلك.

ويتميز لهرمان بالثقة بالنفس التي قد تفسر على انها نوع من الغطرسة، ولكن الأهم من ذلك ان لديه خاصية الاقناع لأنه يقوم بالقاء محاضرات في الكثير من المناسبات. ان النجاح الذي فاق التوقعات لأفلامه الراقصة قد أسس فرقة باز للانتاج الجريء الذي اعطاه القوة للمحافظة على ما يسميه «صندوق الحرية الابداعي». وقد استطاع بمساعدة زوجته وشريكته المبدعة كاثرين مارتن - العين الفنية للمتعة البصرية لأفلامه - ان يثبت ان المستحيل يمكن ان يصبح مربحيا.

وأصبح المستثمرون الآن يتسابقون للحصول على شيء من أعماله وفرقته «بزمارك المتحدة» وكان من اكبر مؤيديه على مدى سنوات كثيرة صديقه الاسترالي ورئيس مجلس إدارة هيئة الاذاعة روبرت ميردوك.

ويروي لهرمان كيف استمال في بادئ الامر المديرين التنفذيين لهيئة الاذاعة الاسترالية عندما وضع دي كابريو ودينز في مكان حديث للغيت (هي الاقليات) يدعى فيرونا بيتش وجعل قصة غرامهم تحيط بها خلفية حرب رجال العصابات.

وقال احد المديرين آنذاك: انها فكرة رائعة ولكن يجد عدم ذكر اللغة وعدم ذكر انها فكرة شيكسبير.

يقول لهرمان: لقد خلقنا لانفسنا سمعة جيدة، يقول الناس اننا غير عقلاء وان اعمالنا لن تنجح، ولكن جميع افلامي قد حققت ارباحا وكسبت جوائز.

وفي الواقع فان لهرمان لا يكذب فقد تحدى المتشكلين بفيلمه «مولين روج» الذي حقق ارباحا وصلت الى 170 مليون دولار وحصدت زوجته كاثرين جائزتي اوسكار من وراء هذا الفيلم.

أما فيلم روميو وجوليت R+J فقد حوّل السيرة السينمائية لديكابريو ونال اعجابا كبيرا في بريطانيا، إذ رشح لتسع جوائز بفتا Bafta حصل على اربع منها.

ويريد لهرمان ان يتحدث عن الفرق النوعي بين رد الفعل الجماهيري لاعماله في بريطانيا وأميركا. وهو محبوب في بريطانيا اكثر من الولايات المتحدة. ويدافع لهرمان قائلا ان عمله كان ناجحا على الصعيد التجاري ومفهوما في انجلترا اكثر من اي مكان آخر في العالم.

ولا توجد في أميركا كوميديا متحررة أو تراجيديا سامية بمعنى الكلمة. ان فهم الاميركيين لعملي ضحل ولكنهم لا يعترفون بذلك.

وعلى أية حال فان لهرمان قد شرع في أرقى مشروعاته حتى الآن «اوبرا ان برودوي» وهو اسلوب جديد لم يطرق من قبل.

وقد تم عرض لا بوهيمي، القصة الغرامية الكلاسيكية لبوتشيني في مسرح برودوي. ويقول لهرمان بعمل المخرج ومدير الفرقة، بينما تقوم زوجته كاثرين باعطاء المادة لتخيلاته.

ان خطر الفشل بديهي ويحتاج لهرمان الى سحره المقنع بصورة عاجلة أكثر من أي وقت آخر. هل سيتمكن من ضمان الحصول على المشاهدين لملء الصالة التي تتسع لألف وثمان مئة شخص الليلة تلو الاخرى والحفلة النهاريه تلو الحفلة الأخرى لاسترجاع المكلفة وضمان العرض لمدة طويلة؟

وقد قام لهرمان الذي قدم «لا بوهيمي» للجمهور لصالح شركة الاوبرا الاسترالية العام 1990 بتحديث القطعة الموسيقية لبوتشيني ولكن الموسيقى لم تتأثر بايقاع موسيقى الروك او الالحان الحديثة.

أما كلمات الاوبرا التي عرضت كحواشي سينمائية على المسرح فقد تم تحديثها الى اللغة العامية الحديثة التي تبدو سخيفة أحيانا.

ويبدو جليا ان الانتاج والعرض والزي المستخدم في التمثيل من تصور لهرمان مارتن. ان ما تشاهده في الحقيقة هو تكرار واضح للعرض في مولين روج. انك تتوقع جزئيا ان يقوم كيدمان باحتلال الحجرة التي توجد على سطح المبنى التي يوجد عليها لافتة نيونية حمراء كتب عليها «العلاقة الغرامية»، ولربما تكون ميمي وساتين قد استخدمتا خزانة الثياب نفسها. انهن يشتركن في المصير نفسه طبعا. ويبدو ان لهرمان لديه اعجاب بالنساء الجميلات اللاتي يمتن وهن يسعلن. ومن المقرر ان يقوم لهرمان بعمل 32 مقابلة تلفزيونية في فترة متواصلة ويتم التخطيط كذلك لاقامة حفلة لرجال الاعلام الذين يعملون في برامج التسلية. ويرى لهرمان ان مهمته تنصب على جلب جميع انواع الزبائن الى المسرح لأن هذا ما كان يقوم به الفنان بوتشيني.

ويقول لهرمان ان بوتشيني لم يكتب لأية نخبة مختارة فعندما ظهرت الاوبرا التي كتبها اول مرة لم ترق حتى الى مستوى فيلم ناجح بل كانت على مستوى الاوبرا الصابونية التلفزيونية التي تعالج مشكلات الحياة المنزلية بين العامة من الناس.

ويعترف لهرمان ان هناك الكثير من اعدائه يتمنون رؤية اليوم الذي ينهار فيه. ولا يهتم اذا كانت شهرته نتيجة لعمل جريء في مجال الفن لأن هدفه البعيد هو جذب المشاهدين من فئات مختلفة.

ويقول لهرمان إن السمة التي تميزه هي قيامه بمجموعة من الاعمال قامت بدورها باعادة فحص الاعمال الكلاسيكية وجعلت الاعمال التي تبدو بعيدة ومحافظة في متناول شريحة كبيرة من الجمهور.

وقد تحدث لهرمان أخيرا عن انجاب اطفال والتقاعد عن العمل في الوسط الفني بحلول العام 2008 ولكنه لا يشعر بالاكتئاب لدخوله العقد الخامس من العمر. ويصر ان عيد ميلاه الاربعين كان لحظة سعادة بالنسبة إليه لانها تعتبر بمثابة اليوم الاول من رحلة الانسان الروحية. ويقول لهرمان انه لأمر جيد الا يطلق عليّ لقب الطفل العبقري الذي ظهر عندما نشر «بول روم» في سن الثانية والثلاثين. لقد امضيت حياتي كطفل ذكي أما الآن وقد ناهزت الاربعين فلديّ الحق ان أقول انني انسان عاقل كبير.

وفي الماضي كان لهرمان يستغل اوقات الفراغ بين مشروعاته ويضع على ظهره حقيبة ظهر ويسافر بمفرده. فقد قام بعد انجاز روميو وجوليت برحلة من اسبانيا الى سريلانكا. ويقول ان مثل هذه الرحلات تعيده الى عالم الواقع.

وقام لهرمان بعقد صفقة مع مؤسسة فوكس آند يونيفيرسال يكتشترز لاخراج فيلم ملحمي بعنوان «الاسكندر العظيم» بلعب فيه دي كابريو دور الفاتح المقدوني. وتبلغ الموازنة التي تم رصدها لهذا الفيلم 160 مليون دولار.

ولكن ماذا عن فيلم لا بوهيمي في الوقت الحاضر؟ لقد تم عرضه في أميركا وهناك تفكير في عرضه في مدن أخرى مثل لندن وطوكيو. ويقول لهرمان انه من الممكن عرض هذا الفيلم قريبا في وست اند ولكنه لم يعط مزيدا من التفاصيل.

(خدمة الاندبندنت - خاص بـ«الوسط»

العدد 447 - الأربعاء 26 نوفمبر 2003م الموافق 01 شوال 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً