وهي في بداية العقد الثالث، تكتب الشاعرة العمانية، عائشة السيفي، بحكمة وخبرة ودراية الشيوخ. أنَّى تأتَّى لها كل ذلك؟ هذه لغة ومعمار في النص لم أعهده في تجارب كثيرة وبهذه الإيقاعية الملفتة، في منطقتنا، وخصوصا لدى من يكبرونها سنا وتجربة.
شعر - عائشة السيفي
أقُول الذيْ لم يقلهُ الغريبُونَ قبليْ/
الصّدى فتنَة اللّيل
والرّيحُ سادنةُ البحرِ
والموتُ طفلٌ تمرَّدَ عن حُزنهِ
والكمَانُ هوَ الحلّ حينَ تشيخُ العوَاطفُ في زمنِ الأغنيَاتْ
أقُولُ الذيْ لمْ يقُلهُ نُوَاسُ
عن الجسدِ البضّ إذْ يتوحَّدُ بالرّوحِ
إذ يتفصَّدُ نهرا من الفقدِ فوقَ سريرٍ وحيدٍ بلا عاشقٍ أو طريقٍ جديدٍ
إلى شهوةٍ غيرِ عاديَّةٍ
لا يريدُ سوَى أن يفكَّ غريبٌ ضفيرَةَ عاشقةٍ ويرشّ الكولونيَا على شعرهَا
وحدهُ يملكُ الحقّ فيْ أن يمشّط شعرَ الغريبَةِ
ألا يقُولَ سوَى ما يبيحُ الهوَى للهوَى
دونَ أن يتشَاغلَ عن حُزنهِ بالصّدَى..
هكذَا فيْ نبيذِ عبَاراتهِ لا يضيعُ الغناءُ سدَى
هكذَا لا يرمّم بالحُزنِ مَا تَهـْدِمُ الذّكريـَاتْ
أقُولُ الذيْ لم يقلهُ الصّبي الأخيرُ الذيْ فرَّ من رحلةِ التّيهِ
من أرضِ سينَاءَ
قالَ الكلامَ الذيْ عادة لا يقَالُ سوَى للتّوابيتِ
حتّى تكُونَ لأصحَابهَا خضرةٌ في الطّريقِ إلى الموتِ
حتّى تعيشَ هنَا فكرةٌ
لا يعيقُ الجفَافُ موَاوِيلهَا وهْيَ تبصرُ طرفَ السّماءِ يعلِّقُ سلَّمَهُ
والغيُوم تهذِّبُ أشكَالهَا لاحتفالٍ بدِيعٍ بموتٍ جديدٍ وحيدِ الصّفاتْ
أقُولُ الذيْ لمْ يقُلهُ صديقٌ قديمٌ رأى حُلمهُ
فيْ انتظَارِ قطَارٍ بمترُو .. وهبَّ ليتبعهُ
لمْ يجدهُ ولكنّهُ أبصَر الموتَ مختبئا في الحقَائبِ
فاجأهُ كمْ قريبٌ هوَ الحُلمُ للموتِ
فاجأهُ كيفَ يستحضرُ الموتُ أحلامهُ العَابراتْ
أقُولُ الذيْ لمْ يُقـَلْ
ليتنيْ خيمةٌ فيْ الصّحاري تسَافرُ
لا أرضَ تحتكرُ الحبّ فيهَا ولا تمتطيْ بالقبيلَة خيلَ هزَائمها
ليتنيْ غيمة ٌ
قبرهَا واسعٌ لا تخَافُ من الرّملِ يأكُلُها قطعة قطعة
لا تخافُ من اللّيلِ / وحشَتِهِ
حينَ يعشقُها الموتُ تختَارُ أفقـا بأكملهِ لابتكَارِ رثَائيَّةٍ
لا تليقُ سوَى بابتعَاثِ حيَاةٍ موَازيَةٍ للحيـَاةْ
أقُولُ الذيْ لم تقلهُ البلادُ لأبنَائها
رتّبُوا أبجديّا بقَايا المنَافيْ التيْ سوفَ يعمُرُ أطفَالكمْ من سنَابِلِهَا أرضهُمْ
واكتبُوا كيفَ تصبحُ هذي الفضَاءاتُ أوسَع
حينَ تضيقُ بأبنَائها المدنُ الحَالمَاتُ وكيفَ يبَاهيْ بخيبَاتهِمْ
شعرَاءُ الظّلالِ ... ولا تشتهيْ الشّعرَ غير خليلاتهِ المَارقاتْ
أقُولُ الذيْ لمْ يقلْ فيْ زمَان العصَافير
حينَ تصيرُ الجهَاتُ موَاويلَ نسكبهَا فيْ كُؤوسِ الهزيمَةِ
حينَ تصيرُ البيُوتُ مقَابرَ نفرِشهَا فيْ جنَاحِ العصَافيرِ
نحمِلُها باحثينَ عنِ البَلَدِ الحُلْمِ
حيثُ المذكّر ينفيْ المؤنَّثَ
حيثُ تصيرُ الأغَانيْ ضرُوريَّة للحيَاةِ
وأسمَاؤنَا لا تشَابهنَا
والرّوائحُ واحدة
حينهَا سنقُولُ الذيْ لمْ يُقـَلْ
حكمَة كبرَتْ فيْ موَاويلنا
وتعَاويذَ للحَالمينَ
وأقمَارَ تسطعُ فيْ ليلِ أروَاحنَا البَائساتْ
العدد 2666 - الأربعاء 23 ديسمبر 2009م الموافق 06 محرم 1431هـ