العدد 2666 - الأربعاء 23 ديسمبر 2009م الموافق 06 محرم 1431هـ

عباس يوسف يقدم تحيته بألوان شفافة لناصر اليوسف

في معرض «كليم اللون» بدار البارح

على غير عادته هذه المرة يقف الفنان عباس يوسف أمام ألوان الأكرليك شفافة فاتحة تماما على أسطح لوحاته العشرين في معرضه الأخير «كليم اللون» بدار البارح، والذي أهداه كتحية وفاء لصديقه الفنان البحريني الراحل ناصر اليوسف، (1940 - 2006) حيث تم افتتاح المعرض يوم الثلاثاء 21 ديسمبر/ كانون الأول 2009 والذي يستمر إلى 3 يناير/ كانون الثاني 2010م

ولعل المجاوزة الجديدة التي تجترحها ريشة الفنان عباس يوسف في هذا المعرض هي الميل لألوان لم يعهدها من قبل، ربما هذا ما لفت نظري في لوحاته العشرين، فثمة ألوان فاتحة شفافة بهية حيث لا يظهر الأصفر إلا مائلا للبياض وكذلك الأخضر والأزرق السماوي، وحتى البني وغيره لا يستقرون على اللوحة في مأمنهم حتى يمازجهم الأبيض ببهائه وشفافيته وكشفه، ولا أدري ربما ثمة كشف جديد، أو طيف بهي لاح للفنان عباس يوسف خصوصا بعد مفارقة الهم اليومي الذي رافقه سنين طويلة وأخذ منه مأخذه، وقد آن له للرجل يرتاح ويريح نفسه من هم العيال والقيل والقال إذ فرَّ من مقصورته الصباحية ومن بين طلابه الذين ربما رحلوا عنه، أو رحل هو عنهم، غير مأسوف على ذلك الزمن الذي كان دائما ينقضي بالهم والمحن على طريقة ابن هانيء، أو هكذا ربما ثمة أمل لدى هذا المتشائم الكبير الذي اعتادت سنحته أن تترصد منشمها الخاص في كل حدث بنبوءة عهدته لا يذهب إليها إلى هو.

وعلى غير عادته أيضا، يميل الفنان يوسف هذه المرة للحجم الكبير شيئا ما في لوحاته، فقد كان من المعتاد أن ينمنم ألوانه وتنقيطات ريشته أو مطبوعاته كمنمنمات دقيقة جدا، وكأنما لا يلذ له العمل إلا في تلك العتمات الضيقة كعينيه حينما كانت متشائمة في حينها، أما هذه المرة فعادت اللوحة لاتساعها عما سبق، وأضحت الألوان تأخذ مكانها في اللوحة في سعة جميلة من غير ضيق ولا مزاحمة، وها هو يقتنص هذه اللحظة في فسحة من اللون إذ أصبحت الآمال تُرى واضحة متفتّحة كتفتّح وردة قبل أن تغتالها الريح وقبل أن تغلقها العتمة.

ولعل من هذا أيضا ما جعله يقف لحظةَ وفاءٍ للفنان ناصر اليوسف؛ ليقدِّم له تحية وَجَدَهُ جديرا بها، وَوَجَدَ نفسه مكلفا بإلقائها حتى هذه الساعة بهذه الألوان البهية، فتحية لمن رأى في الرحيل كل هذا البياض؛ ليوائم بين الموت والحياة؛ وليأخذا من الأول للأخر، وليجمع بينهما كما شاءت اللحظة في ساعة بصيرة اقتنصها عباس يوسف فكان هذا المعرض، وتحية لمن رأى بعيني ناصر اليوسف وببياضهما كل هذه الأضواء وهذا الإشراق والأمل.

وها هو عباس يوسف هاهنا يمتح من الماء ألوانه ومن السماء نديف الغيم ليتعالق مع استعارة الوفاء تحية لصديقه وما اللون الفاتح والتحية والوفاء إلا من مصدر واحد هي الشفافية حين تجمع بين الاثنين فثمة تحية شفافة وثمة ألوان شفافة وهما هاهنا ليسا سوى استعارة مائية شفافة وسماوية، وفية كقيمة الوفاء للصديق بعد الرحيل وللذات حين تقع على الذات فتتوق لوصلها متجاوزة العوالم البهية بكامل الشفافية ولا يكون التجاوز للعوالم إلا بشفافية خالصة بين الاثنين حين يتمحضان للقاء.

وحينما يتعلق الأمر بالروح لا يبدو غريبا أبدا أن تتشابه الأسماء والمسميات وأن يجتمع الفنانان في يوسف الاسم الثاني لكليهما، ولا يتوه التأويل مثقال ذرة، وما يوسف إلا آية للجمال، وما يوسف وناصر سوى فنانين ربما اشتبكت روحيهما في لحظة ما فكان هذا الوصل، وليس غريبا أن يجتمع الاثنان في يوسف أية للجمال كما اشتركا في الفن وهو الآية الأخرى للجمال أيضا، وأن يكون عباس تواقا للفن يقيمه معرضا إثر معرض ليس غريبا أن يبحث عن الذوات التي تشبهه من قريب أقصى في عالم الشهود أو بعيد أدنى من عالم اللحود فالفن لا حدود له خصوصا حين يتجرد ويسافر بين العوالم المختلفة.

ولا ينسى الفنان حرفته حيث تستجمع بقع اللون بقايا الحروف التي لها ما لها في نفسه ووراءها ما وراءها، مما لا نجد إجابته إلا عند الفنان أو المتلقي لحظة التأويل حين تستخبره نفسه عن المعنى الذي ربما ينقدح في النفس كطيف عابر فجأة ودفعة واحدة من غير الإلحاح في التأويل أو البحث عن المعنى سوى أن في الحرف ما يحمل المعنى الذي تنشحن به النفس ساعة الكشف والحنين للوصل الذي يظل أمرها خفيا دائما.

العدد 2666 - الأربعاء 23 ديسمبر 2009م الموافق 06 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً