العدد 476 - الخميس 25 ديسمبر 2003م الموافق 01 ذي القعدة 1424هـ

شعب جائع تحت الحصار الستاليني

بينما نجهز ثلاجاتنا بالاطعمة احتفالا بعيد الميلاد يكون الأمر مبتذلا ان نذكركم بوجود كثير من الجياع. فالكل يعلم بوجود إخوانٍ لنا في الانسانية يعانون من الفاقة المستوطنة في افريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ولكن هناك مجاعة كبرى واحدة أشك أنكم قد سمعتم بها.

أكثر من 13 مليون شخص (من بين 20 مليون نسمة) يعانون من سوء التغذية، وتتوقع الأمم المتحدة مجاعة في الشتاء على نحو شاسع. فنصف اطفال هذه الدولة يعانون من مجاعة حادة وتخلف نموهم الجسدي والعقلي بسببها. هذا المشهد لم يكن في افريقيا وانما في كوريا الشمالية، ولم يتمكن القراء من قراءة تقارير كثيرة عنها لوجود مصالح خاصة تجد من الملائم للعالم ان ينسى شأن الشعب الكوري الشمالي.

ولم يرغب الكوريون الجنوبيون بالتحدث عن هذا الوضع، لخوفهم من الكلفة العالية لاعادة التوحيد. ولا ترغب الحكومات الغربية في التحدث عن ذلك، لأنها مشغولة للغاية بالمساومة بشأن اسلحة كيم جونغ الثاني.

وكثير من وكالات الاغاثة لا تنوي التحدث عن الوضع لأنه ليس في مقدورها ان تفعل شيئا، لأن كمية المساعدات الضخمة التي ضخت إلى كوريا الشمالية خلال العقد الماضي يبدو ان النظام سرقها، ولم تنفع إلا في إحداث خفض طفيف للغاية في معدلات سوء التغذية والجوع المزمنين. وأنهت منظمة المساعدة الفرنسية (أطباء بلا حدود) ارتباطاتها بالبلاد للسبب ذاته، كما ان حركة السلام العالمية لا تريد ان تتحدث عن الموضوع، لأن الولايات المتحدة تعارض ذلك بدكتاتورية شنيعة لأنه لا يلائم خططها.

من الصعوبة بمكان ان نعثر على معلومات معتمدة من كوريا الشمالية. فمنذ انتهاء الحرب الكورية في العام 1952 حكمت كوريا الشمالية باستبداد ستاليني، ومع ذلك تظهر من حين لآخر بعض اللمحات عما يجري بالداخل. إحدى هذه الروايات المقنعة من الطبيب الألماني نوربيرت فولرتسين، الذي أقام في كوريا الشمالية لعام ونصف العام حتى ديسمبر/ كانون الاول 2000، إذ كان يعمل في إحدى منظمات الاغاثة العاملة هناك، وهو الغربي الوحيد على الاطلاق الذي منحه النظام «ميدالية الحرية» بعد ان تبرع ببعض جلده لضحية تعرض لحروق، واصبح الغربي الوحيد الذي يسمح له بالسفر بحرية في جميع ارجاء الدولة من دون حارس.

بطل الشباب!

اكتشف فولرتسين ان الاطفال ما بين ثماني وتسع سنوات أجبروا على بناء طريق واسع يسمى «طريق بطل الشباب»، ووجد ان المجاعة تستغل كأداة للسيطرة السياسية فيما يتم تجويع المناطق المتمردة، ورأى نساء يغتصبن في المعتقلات واطفال يعذبون هناك.

كما وجد عمليات غسيل ادمغة بالكامل، فلا تصل إليهم معلومات من العالم الخارجي على الاطلاق. ويجمع السكان لعبادة كيم سونغ وأبيه كيم جونغ. ويعتقدون ان العالم برمته يفعل الشيء نفسه. اذا ماذا باستطاعتنا ان نفعل لكي نساعد 20 مليون انسان محاصر في كوريا الشمالية؟

ومع أني دعوت قبل ستة أشهر من أجل التدخل، فإن من الواضح انه لن يتم غزو البلاد، لأن الكلفة البشرية ستكون ضخمة مثل ترك النظام الحالي وشأنه. وعندما سئل غور فايدال عمّا بوسعه ان يفعل أجاب: «ألا تعتقدون ان تلك مشكلتهم؟ فهي ليست مشكلتي ولا مشكلتك»!

أحد الخيارات هو الاستمرار في اغراق البلاد بمواد الاغاثة، ولكن ذلك هو الخيار الذي اتبع خلال العقد الماضي، ومع ذلك يبدو ان الاوضاع المادية تدهورت فعلا. الخيار الآخر هو الانتظار حتى يحدث اصلاح داخلي.

كرس فولرتسين حياته الآن لمحاربة المجاعة «المتعمدة» من صنع الانسان ومعسكرات الاعتقال التي أقامها كيم جونغ، اذ كان يقوم هو وزملاؤه بمساعدة اللاجئين الشماليين للهروب في المواقع الحدودية. ويوضح فولرتسين قائلا: «لا يعلم الكوريون الشماليون اي شيء عن المجتمعات الغربية لأنه ليست لديهم امكانية الحصول على وسائل اعلام أجنبية، إذ تعرضوا لغسل ادمغتهم وافهامهم أننا (في الغرب) مشردون، ومدمنو مخدرات ومفسدون. ولعدم وجود المعلومات والتضليل المتعمد لم تحدث انتفاضات كالتي حدثت في الدول الأوروبية الشرقية سابقا، ولا تحولات على نحو شامل».

في هذه الاثناء تضخ الأمم المتحدة مبالغ ضخمة في شكل مساعدات غذائية، ما يطيل فقط المجاعة على المدى الطويل من خلال اسناد النظام. فهل هناك اي سبب وجيه لتوحد دول العالم لإعلام الشعب الكوري الشمالي بأنه اذا ثار ضد من اجاعهم وهددنا بالقنبلة النووية فاننا سندعمه؟

الساسة الغربيون يتحدثون عن كوريا الشمالية «كقضية أمنية». لا تفكروا فقط في أمنكم من أسلحة الدمار الشامل، ولكن فكروا بشأن الشعب الكوري الشمالي غير الآمن طالما ستالين - كيم جونغ باق في السلطة

العدد 476 - الخميس 25 ديسمبر 2003م الموافق 01 ذي القعدة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً