العدد 2669 - السبت 26 ديسمبر 2009م الموافق 09 محرم 1431هـ

كربلاء... مدينة الشهداء والأمجاد والتاريخ المضرج بالدماء

كل شيء في هذه المدينة يذكرك بالشهادة والشهداء. الحوانيت القديمة. الفنادق التي تعود إلى مئة عام. الأزقة الضيقة. الشوراع التي تملأها الأخاديد وتغطيها طبقاتٌ من الغبار. المكتبات الصغيرة التي تغصّ بالكتب ذات الطبعات الرخيصة. وأخيرا... المآذن الذهبية الحزينة والقباب.

قبل عام 61 هجرية لم تكن شيئا مذكورا. كانت مجرد كُوَرٍ (قرى) صغيرة في بابل، فتحوّر اسمها مع الأيام من كور بابل إلى كربلاء كما يذهب إلى ذلك بعض المؤرخين.

لم يكن ذلك اسمها الوحيد، بل لها أسماء أخرى كالنواويس، الطف أو الطفوف، نينوى، الغاضرية أو الغاضريات، التي تحوّرت مع الأيام إلى الغادرية لما جرى على أرضها من جرائم قتل وغدر. طاف بها الإمام علي (ع) في منقلبه من صفين (وفي روايات أخرى في ذهابه إليها)، وتذكر ما أخبره ابن عمه رسول الله (ص) عن هذه الأرض، وما سيجري فيها على عائلته، فقبض قبضة من ترابها وشمّها، ثم بكى وقال: «هاهنا موضع رحالهم ومحط ركابهم»، وأشار إلى موضع آخر وقال: «وهنا مهراق دمائهم. ثِقْلٌ من آل محمد ينزل ها هنا»... ولم يفهم مرافقوه ما كان يقول. احتاج الأمر إلى مرور عشرين عاما، حتى تتحقّق تلك النبوءة التي تلقاها من الصادق الأمين، حيث حطّ الحسين (ع) رحاله في تلك الأرض القاحلة، وحيث سيراق دماء خير البيوت من بني هاشمٍ، وخير وأبرّ الأصحاب.

هذه المدينة اختارها الله مستقرا لثلةٍ من عباده الصالحين، شهد لهم عليٌّ (ع) بأنهم سيدخلون الجنة بغير حساب. هنا ستجد الكثير من الأمور على حالها. لا شيء يتغير في هذه المدن العتيقة. أهل المدينة ربما كانوا متشبثين بكل شيء يذكّرهم بذلك اليوم الأسود. مازالوا يحتفظون بموقع مخيم الحسين (ع)، الذي فرغ من رجاله في مثل هذا اليوم قبل 1370 عاما، إلا من شابٍ مريضٍ لم يبلغ العشرين؛ وإلا من نساءٍ ترمّلن في ظهيرة العاشر من المحرّم؛ وإلا من أطفال مذعورين. هؤلاء هم الذين نجوا من المذبحة، ولكن الجيش الأموي المتغلب تتبّعهم فحرق خيامهم فلاذوا بالخيمة الوحيدة التي كان فيها مريض كربلاء. الكربلائيون أقاموا مكان المخيم المحترق المنهوب مخيّما من بناء زيَّنوه بالسُرُج والأقمشة وأنواع الزينات.

بين قبري الحسين وأخيه العباس (عليهما أفضل الصلوات والسلام)، تتوزع بضع مقامات، أحدها للموقع الذي قطعت فيه يد العباس، والآخر لليد اليسرى. أحدهما يقع على أحد الشوارع الفرعية، بينما يندسُّ الآخر في أحد الأزقة الضيقة، وللوصول إليه عليك أن تبحث عنه بين الحوانيت القديمة التي تذكّرك بطرقات المدن في القرون الوسطى.

موقع آخر أكثر إثارة للشجون والأحزان، هو التلُّ الزينبي، الذي وقفت عليه ذات يوم غابر في التاريخ، سليلة النبوة وسيّدة البيت العلوي زينب الكبرى (ع)، لتستغيث بأخيها الحسين (ع) بعد مصرعه، بعد أن تجرّأ الجند على ضرب الأطفال ومهاجمة النساء وسلبهن حليهن وقلائدهن، في واحدةٍ من أبشع صور الجريمة والدناءة والعنف ضد النساء.

مدينة مازالت تعيش أحزانها، كل شيء يذكّرك بيومٍ دامٍ حزين، انصبت فيه أنواع الكرب والبلاء على أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومتنزل الملائكة، ومهبط الوحي، حتى عادت بيوتهم في المدينة خاوية تنعق فيها الغربان، ويتردد الصدى ليقرع آذان الدنيا: «لا يوم كيومك يا أبا عبدالله»

العدد 2669 - السبت 26 ديسمبر 2009م الموافق 09 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 6:21 ص

      بنت القطان

      ماجورين شيعتنا الله يعودكم

    • زائر 4 | 6:19 ص

      بنت القطان

      ماجورين شيعتنا الله يعودكم

    • زائر 3 | 3:35 ص

      عليوي........

      لَعَنَ اللهُ اُمَّةً ظَلَمَتْكَ، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً سَمِعَتْ بِذلِكَ فَرَضِيَتْ بِهِ، يا مَوْلايَ يا اَبا عَبْدِاللهِ،

      «لا يوم كيومك يا أبا عبدالله»

      مأ جورين

    • زائر 2 | 10:59 م

      فازت عبيد ابها ومنها خابت احرار

      عظم الله لكم الاجر بمصاب سيد الشهدا وسفينه النجاه الحسين ابن علي ماخاب من تمسك بكم امن من لجا ولتجا اليكم فيا ليتنا كنا معكم سيدي فنوز والله فوازا" عظيما

    • زائر 1 | 9:25 م

      مأجورين

      عظم الله اجوركم بمصاب ابا عبد الله الحسين عليه السلام ..
      ورزقنا الله في الدنيا زيارتهم وفي الآخرة شفاعتهم

اقرأ ايضاً