العدد 2669 - السبت 26 ديسمبر 2009م الموافق 09 محرم 1431هـ

التحالفات الناجحة في شخصية مسلم بن عقيل

لما سمع الناس بما حدث أخذوا يتفرقون ومازالوا يتفرقون حتى أمسى صاحبنا وحيدا ليس معه أحد يدله على الطريق، فمضى يمشي لوحده في ظلمة الليل حتّى وصل إلى باب امرأة، فسلّم عليها وقال: اسقيني ماء، فسقته وجلس، فقالت: قم فاذهب إلى أهلك؟ قال: ما لي في هذا المصر منزل، فهل لك فيّ أجر ومعروف، ولعلّي أكافئك بعد اليوم؟ قالت: ومن أنت؟ قال: أنا مسلم بن عقيل.

هكذا ظل مسلم بن عقيل بن أبي طالب ابن عم الإمام الحسين(ع) وحيدا بعد إرسال أهل الكوفة الكثير من الرسائل إلى الإمام الحسين(ع) ليقودهم ضد يزيد الرجل الفاسق الذي يقتل الأبرياء ويأخذ أموال الناس ظلما، و يؤذي المؤمنين... وعند رؤية الإمام الحسين(ع) كثرة الرسائل التي أرسلت إليه من أهل الكوفة، أرسل إليهم مسلمَ بن عقيل لاستطلاع الأمر، ومعرفة إن كانوا مخلصين أم لا، وكان ذلك في منتصف شهر رمضان سنة 60 للهجرة، والحقيقة أن الإمام الحسين(ع) كان يعلم أن أكثر أهل الكوفة غير مخلصين، لكنه أراد إقامة الحجة عليهم فلا يقولون بعد ذلك إننا أرسلنا إلى الإمام الحسين لكنه لم يرد علينا... خرج مسلم بن عقيل من المدينة وقد أعطاه الإمام الحسين(ع) رسالة إلى أهل الكوفة، أمرهم فيها أن يبايعوا مسلم بن عقيل نيابة عن الإمام الحسين(ع).

لما وصل مسلم إلى الكوفة استقبله أهلها أحسن استقبال ورحبوا به كثيرا، وجاء له الكثيرون يبايعونه، فقام مسلم بإرسال رسالة إلى الإمام الحسين(ع) يبشره بذلك، لكن ما إن سمع يزيد بن معاوية بذلك حتى قام بخلع النعمان حاكم الكوفة آنذاك وعيّن بدلا عنه رجلا ظالما وقاسيا، وهو عبيد الله بن زياد الذي استخدم الخداع والكذب والتهديد بالقتل والتعذيب لتفريق الناس عن مسلم بن عقيل(ع)، فخاف الناس وتفرقوا عنه، وخالفوا أمر الإمام الحسين(ع).

تعرض مسلم بن عقيل للكثير من الصعوبات أثناء مسيرته لأداء رسالة الإمام الحسين(ع) حيث ضل مسلم(ع) ومن معه الطريق إلى الكوفة واشتد بهم الحر والعطش ولم يستطع الرجلان اللذان معه تحمل ما حاق بهم فأرشدوا مسلم إلى الطريق المحتمل وجود الماء فيه وما يدله على طريق الكوفة وفارقا الحياة، وتعرض مسلم، كما سبق وذكرنا، للغدر من أصحاب الكوفة، وبعد غدر أهل الكوفة بمسلم(ع) مشى في شوارع الكوفة وحيدا حتى وصل إلى بيت امرأة عجوز تدعى طوعة، فلما عرفت أنه مسلم بن عقيل استضافته في بيتها، وكان لطوعة ابن فاسق، أخبر ابن زياد بمكان مسلم بن عقيل، فجاء له جنود ابن زياد وحاصروه، فقاتلهم حتى تمكنوا من أسره، وأخذوه إلى ابن زياد الذي بقتل مسلم بن عقيل، وهكذا مضى مسلم بن عقيل بعد حياة مليئة بالصبر والإخلاص لآل البيت (ع)، وكان ذلك في اليوم الثامن من ذي الحجة سنة 60 للهجرة.

بعد استعراض موجز لحياة مسلم بن عقيل (ع) نريد معرفة السبب وراء اختيار الإمام الحسين(ع) لمسلم بن عقيل حاملا لرسالة الإمام(ع)، وإذا ما عرجنا على حياة مسلم بن عقيل من النواحي الأربع الآتية نجد أن مسلم بن عقيل من الناحية العقلية التي نعبر عنها بالثقافة والفكر كان من فقهاء أهل البيت وعلمائهم ومن ذوي الحنكة واللياقة من قومه وكان حكيما في عمله، ومن الناحية الجسدية كانت لديه اللياقة الجسدية العالية التي تجلت في تمكنه من مواصلة المسير إلى الكوفة على رغم الحر والعطش بدليل أن الرجلين اللذين رافقاه لم يتمكنا من استحمال ما حاق بهم، ومن الناحية القلبية أو العاطفية كان مسلم يمتلك ما نسميه بالذكاء العاطفي إذ كان يشتهر عنه أن لديه رباطة جأش عند المشكلات ناهيك عن تحمله غدر أهل الكوفة واستطاعته التعامل مع وحدته في الكوفة بعد أن تخلى عنه الناس هناك، وأخيرا من الناحية الروحية التي نعبر عنها بالتمسك بالمبادئ والقيم فكان مسلم بن عقيل شديد اليقين بالإسلام وبرسالة الإمام الحسين(ع) التي هي الإصلاح في أمة جده «محمد رسول الله(ص)»، ومستوعبا لمفاهيم الإسلام وذا صلة وثيقة بالله عز وجل وكان مسلم بن عقيل من الأصحاب المخلصين للأئمة الأطهار (ع)، ولهذا كانت له مكانة خاصة عندهم.

إذن استطاع مسلم بن عقيل(ع) وبالممارسة وبالعمل المضني طوال أيام حياته وتدربه على مواجهة الضغوط الصغيرة أثناء حياته تجسيد الكمال في أدائه لرسالة الإمام الحسين(ع) وقت حاجة الإمام له وذلك عن طريق تحقيقه التوازن بين التحالفات الناجحة التي أعني بها العقل والجسد والقلب والروح، ليصنع لنا نموذجا حيّا لقدرة الإنسان على صناعة نفسه والرقي بها إلى أعلى درجات الكمال من أجل تحقيقه هدفه وغايته في الحياة وهي أن يكون خليفة الله في أرضه ومن موقعه في الحياة طالبا أو طبيبا أو عاملا أو تاجرا أو زوجا أو أبا، وكما قال الإمام الحسين (ع) «فإني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي» ألحقنا الله وإياكم في الصالحين.

حميدة فروتن

العدد 2669 - السبت 26 ديسمبر 2009م الموافق 09 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • zahraa nasr | 10:55 ص

      السلام عليك يا سفير الحسين

      مسلم بن عقيل بين ابي طالب ورحمة الله وبركاته
      السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اصحاب الحسين وعلى اولاد الحسين
      جعلنا الله من الطالبين بثار الحسين ان شاءلله

    • زائر 1 | 4:48 ص

      سلام الله عليكم

      السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين الأبرار الذين بذلوا مهحهم لأجل الحسين.

اقرأ ايضاً