العدد 2687 - الأربعاء 13 يناير 2010م الموافق 27 محرم 1431هـ

الكويت أسهمت في تبلور الفكر العروبي لدى الشملان

سيرة مناضل وتاريخ وطن (13)

صدر مؤخرا في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر كتاب يتناول سيرة المناضل البحريني أحمد الشملان بعنوان «أحمد الشملان - سيرة مناضل وتاريخ وطن» من تأليف زوجة المناضل الشملان فوزية مطر. صدر الكتاب في 1024 صفحة من القطع الكبير، ويضم أحد عشر فصلا متبوعة بملحقي صور ووثائق.

بعد المدرسة الابتدائية في البحرين تلقى أحمد الشملان تعليمه المتوسط والثانوي في الكويت، وقد شكلت مرحلة الدراسة في الكويت فترة زاخرة في تبلور الفكر القومي العروبي لدى أحمد الشملان وأسهم في ذلك تعطشه للاطلاع والقراءة وكذلك نزعته الاجتماعية وإقباله على خلق شبكة واسعة من العلاقات. في الكويت واصل أحمد إشباع هواية القراءة التي ملكت عليه كل اهتمامه واستحوذت على كل وقته، كان يقرأ كثيرا ويهتم بالتعبير عما يعجبه من أفكار وموضوعات من خلال ما يقوم به من نشاط مدرسي. في الكويت انفتح أحمد على كثير من القراءات المنوعة في شتى المجالات الثقافية فقرأ في الفكر والفلسفة والأدب بمختلف فنونه. وعمل على تطوير نفسه ثقافيا ووسع من قراءاته واطلاعه.

ويمكننا الزعم أن اهتمام أحمد الشملان بالفكر السياسي قد تحقق في الكويت، لكن لا بد من التأكيد على أن الصبي ذا الأربعة عشر عاما الذي سافر الى الكويت كان يحمل نقمة على المستعمر البريطاني، كما كان مهيأ للتجاوب مع أي فكر سياسي يروج للتحرر من الاستعمار وللناصرية وللعروبة. فكان من الطبيعي أن تستهويه الأفكار القومية وطروحات المنظمات السياسية التي تمثلها.

يتفق مؤرخو الفكر القومي على أن هذا الفكر مر بثلاث مراحل أساسية هي: مرحلة الفكر القومي المثالي ومرحلة القومية الاشتراكية ومرحلة الفكر الماركسي. وقد مر أحمد الشملان في تطور فكره القومي بالمراحل الثلاث فهيمن على مرحلة صباه ومطلع شبابه فكر المرحلة الأولى الذي تشربه أيام الدراسة في الكويت التي كانت مركز قيادة حركة القوميين العرب لإقليم الخليج والمسئولة المباشرة عن فرع البحرين.

الفكر القومي في مرحلته الأولى كان يقوم على مقولة أن وجود القومية العربية يرتكز أساسا على عوامل اللغة والتاريخ والجوار، اللغة باعتبارها الرابط المعنوي الأساس بين المنتمين للقومية العربية، وتاريخ الأمة العربية كمكوّن لشخصيتها، هذا بالإضافة لعامل الاتصال الجغرافي الذي يجمع الأمة. وقد بلور فكر القوميين العرب وصاغه ثلاثة من أول وأهم مفكريهم وهم: ساطع الحصري وقسطنطين زريق وعلي ناصر الدين. ويقوم الفكر القومي على رفض مفهوم الحزب والميل لاسم الحركة حيث يأتي اسم الحركة مناسبا لمناخ الأيديولوجيا الجماهيرية الناصرية المعادية لمفهوم الحزب، والقومية العربية هي الأمة العربية بوصفها وحدة اجتماعية تامة لا يؤثر تضارب المصالح الاقتصادية في تمامها.

حددت الحركة في طورها التقليدي أهدافها النضالية في أهداف بعيدة أساسها تحقيق مجتمع قومي عربي موحد، وأهداف قريبة أساسها منظومة ثلاثية هي: الوحدة والتحرر والثأر، أي القضاء على التجزئة بتحقيق وحدة الأمة العربية والقضاء على الاستعمار بالتحرر منه، والثأر بالقضاء على «إسرائيل»... وفي طورها الأول أنكرت الحركة أي فارق بين اليهودية والصهيونية و»إسرائيل»، فاعتبرت اليهودي صهيوني بالضرورة، كما اعتبرت قيام «إسرائيل» نكبة حلت بالأمة وعار لا يزيله سوى الثأر.

وفي مرحلتهم الأولى اتبع القوميون التربية الحزبية والسلوكية الصارمة لأعضائهم القائمة على التزام مبدئية الفكر القومي والجدية التامة في التعامل مع الحياة وتجنب مباهجها ومظاهر الترفيه فيها، ويرتبط بذلك ما تنص عليه المبادئ التنظيمية للحركة من مركزية صارمة يعبر عنها مبدأهم الشهير «نفذ ثم ناقش» أي اعتماد الطاعة للقيادات. وترتبط بذلك الهرمية التراتبية التي تبنى عليها التركيبة التنظيمية في الأقاليم من أدناها وهي الخلية الى أعلاها وهي قيادة الإقليم. وظلت حركة القوميين العرب تنظيما سياسيا معارضا يلتزم السرية التامة في عمله النضالي ويربي أعضاءه عليها. آمن أحمد بذلك الفكر وترجمه في نضاله ومسلكه الحياتي وصداقاته وعلاقاته.

من جانب آخر عبرت الرسائل الكثيرة التي كان أحمد الشملان يتبادلها مع أصدقائه من مختلف البلدان العربية عن فكر قومي يتنامى لدى هؤلاء الصبية ويغلب على مضمون رسائلهم. وتظهر تلك المراسلات تشبع الشملان بالفكر القومي وحماسه في التعبير عنه، كما تظهر أن قضية النضال ضد الاستعمار كانت موضوعا للنقاش بينه وبين أصدقائه.

ومع دخول أحمد الشملان المدرسة الثانوية وانضمامه لصفوف حركة القوميين العرب تحولت القراءات السياسية الى مهام تنظيمية يجب الالتزام بتنفيذها. يقول أحمد:» كانت اجتماعات الخلايا التنظيمية تتناول بالنقاش مبادئ وأفكار حركة القوميين العرب، ومنذ انضمامي للحركة العام الدراسي 1959-1960 كنا نُكلف بقراءة بعض مؤلفات مفكري القومية العربية الأساسيين مثل ساطع الحصري وقسطنطين زريق ونناقشها. وساعد على ذلك جو النهوض القومي الكبير في الكويت واتصالنا بالقيادات القومية الكويتية التاريخية مثل أحمد الخطيب وجاسم القطامي والمرحوم سامي المنيس الذين تعرفت شخصيا عليهم جميعا. وقد ساعد التنوع العربي بين طلاب مدارس الكويت التي مثلت مركز استقطاب للطلبة العرب من مختلف البقاع العربية على شعورهم بالوحدة وعزز إيمانهم بالمبادئ القومية. وفوق ذلك كانت الكويت الرسمية تشجع وتحفز المشاعر القومية للطلبة وتوجه لهم الدعوات للمشاركة في الاحتفالات بالمناسبات القومية».

والى جانب التكليفات التنظيمية بقراءات الفكر القومي كان الشملان كثير القراءة في مجال السياسة، كان يقرأ كل ما يقع تحت يديه، يقول:» قرأت حتى دستور الكويت حال صدوره، وكنت أقرأ الكثير من المقالات السياسية والأدبية التي كانت تنشرها مجلة «الطليعة» الكويتية وسواها من أدبيات حركات التحرر المتواجدة بالكويت».

ورغم غلبة الفكر السياسي القومي على الاتجاه الفكري لأحمد الشملان في مرحلتي الدراسة المتوسطة والثانوية بالكويت إلا أن ما كان يُلاحظ عليه من حراك ونشاط على الصعيد الطلابي ومن ولع بالقراءة والاطلاع قد أتاح له أن يطأ تخوم فكر آخر مغاير، قادت الصدفة أحمد خلال مرحلة الدراسة الثانوية الى التعرف على بعض الأساسيات في الفكر الماركسي منذ تلك المرحلة. يقول الشملان:» كنت في الصف الثالث الثانوي وتعرفت على طالب سعودي يدرس في الكويت بالصف الرابع الثانوي اسمه حمد المعجل، كان يحمل بعض الأفكار الماركسية، وقد تناقشتُ معه حول تلك الأفكار وتعرفت منه على كارل ماركس، ثم صرت أزور المعجل في بيته وأستعير منه كتبا عن الماركسية. في بيت حمد المعجل كان يعمل طباخ إيراني من مؤيدي حزب تودة الإيراني، وكان هاربا من البحرين بسبب أفكاره الماركسية، كان الطباخ يناقشنا أنا وصديقي عن الماركسية والفكر الماركسي». كان الشملان يزور مجلة «الطليعة» شبه الناطقة باسم حركة القوميين العرب بالكويت منذ أن تأسست.

منذ مطلع الستينيات المنصرمة دخلت حركة القوميين العرب -فكرا واستراتيجية نضالية- المرحلة الثانية التي سميت مرحلة القومية الاشتراكية وذلك بالالتحام الفكري والنضالي مع ما استجد في طروحات الناصرية ما بعد فلسفة الثورة التي طرحها جمال عبدالناصر. ومنذ العام 1962 وبصدور القرارات الاشتراكية والميثاق الوطني في مصر، نحت حركة القوميين العرب منحى المزاوجة بين الفكر القومي والفكر الاشتراكي بالمضمون ذاته الذي تبنته مصر الناصرية فيما أصبح يطلق عليه الحركة الاشتراكية العربية، وقد عبرت عن ذلك التحول المفاهيم الأساسية لوحدة الأمة كهدف نضالي أساسي، والاشتراكية كهدف لتحقيق العدالة الاجتماعية أو كما طرحها الميثاق المصري إقامة مجتمع الكفاية والعدل، والتحرر من الاستعمار، والديمقراطية بمعنى المشاركة الشعبية العامة. ولم تطرح المفاهيم المذكورة بشكل محدد وواضح مما عكس نفسه على فكر الحركة القومية في تلك المرحلة التي غلب عليها التشوش وعدم الوضوح. وقد كانت كتابات ومؤلفات القيادي البارز بحركة القوميين العرب محسن إبراهيم خير معبر عن فكر مرحلة الاشتراكية العربية التي تبناها القوميون، وأهم ما يميز تلك المرحلة تراجع طروحات الأمة والقومية والثأر لصالح طروحات الوحدة والاشتراكية والتحرر. شدت تلك المبادئ أحمد الشملان واجتهد في الاطلاع على تنظيرات القومية الاشتراكية من خلال ما كانت تنشره أدبيات حركة القوميين العرب ومن خلال وثائق الثورة المصرية والإعلام الناصري. ورغم ارتباطه بطروحات الفكر القومي التقليدي، إلا أن المفردات الإيديولوجية الجديدة بدأت تشكل خطا جديدا في خطابه السياسي ومساره النضالي.

بعد تخرجه من الثانوية العامة بالكويت العام 1963 قرر أحمد الشملان السفر الى القاهرة لمواصلة دراسته والتي كانت لم تزل تعيش العصر الذهبي لعهد جمال عبدالناصر في أعقاب قرار التأميم والقرارات الاشتراكية وإعلان الميثاق المصري. إلا أن مصر كانت أيضا تعيش مرارة الانفصال عن سوريا ما جعل القطيعة بين الناصرية والبعث، وبكلمة أخرى بين القوميين العرب والبعثيين على أشدها.

في مصر التي كانت قلعة العروبة وقلبها النابض بالنسبة للقوميين، ورغم تمسكه الصارم بمبادئه القومية إلا أن أحمد الشملان الذي احتك بالواقع اليومي للحياة وتفاصيلها في مصر، ولمس عيوب البيروقراطية وتحكم أجهزة الأمن ومراكز القوى في توجيه دفة الثورة بما يتعارض مع تطلعات ومصالح الجماهير، قد بدأ يطرح على نفسه الكثير من التساؤلات حول ما حققته الثورة الناصرية على الصعيد المحلي المصري بشكل خاص. يقول الشملان: «شكلت تلك المرحلة بالنسبة لي مصدر صراع داخلي مؤلم حول الناصرية وتطبيق مبادئها في حياة الشعب المصري وماذا حققت له، ولم أفصح بما كان بداخلي ولم أكشف عنه لأحد، معايشة الواقع المصري خلال تلك الأشهر القليلة جعلتني أكرر على نفسي طرح أسئلة كثيرة تصب جميعا في استفسار واحد هو: ماذا تحقق؟!!، رغم ذلك ظل عبدالناصر في وجداني القائد العربي العظيم المُلهم».

بقي أحمد الشملان في القاهرة من أغسطس الى ديسمبر 1963 يداوم في كلية الهندسة دون أن يصدر قبوله فيها، فيئس وكان في الوقت ذاته يعاني وضعا ماليا صعبا، ضاقت الدنيا بأحمد فقرر العودة للكويت. الفترة التي قضاها أحمد الشملان في القاهرة قصيرة، إلا أنها كانت محطة غنية في مسيرة حياته الفكرية والسياسية وفي بدء الإرهاصات الأولى للتغيرات اللاحقة التي طرأت على فكره ووعيه السياسي. يوضح صديقه وزميل دراسته في الكويت ثم في القاهرة عدنان الأسدي قائلا:« كنا في الكويت ناصريين متحمسين نحب عبدالناصر كثيرا، لكننا بعد أن حللنا بالقاهرة ظهر لدينا نوع من المراجعة، أصبحنا نرى في الواقع المصري أشياء تخالف ما كنا نسمع عنه في إذاعة صوت العرب والصحافة، بدأنا نفكر وبدأنا نبحث، كان في داخلنا بحث ولاحظت أن هناك توازيا وتناغما بيني وبين أحمد، والدليل أننا بعد انتهاء الحقبة الناصرية كنا نبحث عن البديل حتى تحول كلانا لليسار».

في الكويت 1963-1964 كانت لأحمد الشملان علاقات واسعة مع كثيرين من رفاق العمل السياسي وكان لتلك العلاقات تأثيرها الكبير في تعميق فكره وصقل شخصيته السياسية. كان يتردد على نادي «الاستقلال» الذي كان ناديا ثقافيا يؤمه المثقفون وقادة حركة القوميين العرب ومن أعضائه أحمد الخطيب وسامي المنيس وحسين اليوحة وغيرهم. وكان أحمد يذهب يوميا الى مقر جريدة «الطليعة» ليلتقي مع أصدقائه، وكوّن علاقات تنظيمية وصداقات مع الفلسطينيين والخليجيين. كانت له صداقة قوية مع الفنان الشهيد ناجي العلي ومع عدنان شرارة مدير تحرير مجلة «الطليعة» التي كان رئيس تحريرها آنذاك سامي المنيس. وبالرغم أن أحمد كان يصغر صديقيه الفلسطينيين(ناجي وعدنان) إلا أنه ارتبط بهما ووطد صداقته معهما من خلال اللقاءات في مجلة «الطليعة».

العدد 2687 - الأربعاء 13 يناير 2010م الموافق 27 محرم 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً