العدد 2694 - الأربعاء 20 يناير 2010م الموافق 05 صفر 1431هـ

أحمد الشملان - سيرة مناضل وتاريخ وطن «14»

صدر مؤخرا في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر كتاب يتناول سيرة المناضل البحريني أحمد الشملان بعنوان «أحمد الشملان - سيرة مناضل وتاريخ وطن» من تأليف زوجة المناضل الشملان فوزية مطر. صدر الكتاب في 1024 صفحة من القطع الكبير، ويضم أحد عشر فصلا متبوعة بملحقي صور ووثائق.

لم يطل بقاء أحمد الشملان في الكويت ففي الأول من سبتمبر 1964 عاد إلى وطنه، عاد الشملان القومي الناصري من الكويت بتجربتها الديمقراطية الوليدة ودستورها المتقدم، ومن قاهرة عبدالناصر التي كانت تلهب الفخر والحماس في قلوب شباب العرب. عاد أحمد شابا يافعا في الثانية والعشرين من عمره يتفجر نشاطا وعطاء، وحالما وصل بدأ ينشط على أكثر من جهة.

ولم يمض نصف عام حتى انخرط الشملان في العمل النضالي وسط الجماهير في انتفاضة 1965 وبعدها مرَّ بتجربة الاعتقال الأولى في حياته والتي كانت محطة أغنت تطور الشملان الفكري والثقافي والسياسي والإبداعي. ظل أحمد حتى إطلاق سراحه مخلصا لفكره القومي في طوره المرتبط برؤى الناصرية وطروحاتها، إلا أنه - في سجن «جدا»- تعرّف عن قرب على شخصيات جديدة من خارج الإطار القومي فمد جسورا من العلاقة الفكرية والثقافية مع المناضل علي دويغر أحد القيادات المؤسسة لجبهة التحرير الوطني البحرانية. يقول بدر عبدالملك: «لاحظنا رفقة واضحة بين الشملان ودويغر وكثيرا ما سمعتهما يتحدثان في مسائل جديدة بالنسبة لي كالحديث عن الفن التشكيلي وعن الموسيقى السيمفونية وعن أدب غير الأدب الذي أعرفه. كان يشغل الاثنين مشروع ثقافي يميل بشكل أكثر نحو الصفة العالمية، ومن أحاديثهما عرفت أسماء فنية وإبداعية لم أعرفها من قبل مثل ديستوفسكي وتولستوي». يقولأحمد إنه كان يعرف تلك الأسماء والفنون منذ فترة دراسته في الكويت إذ قرأ حينذاك العديد من الروايات مثل «الحرب والسلام» و»الدون الهادئ» وغيرها، كما تعرف على الموسيقى الكلاسيكية واستساغها.

عدا ما ذكرنا فان أول اعتقال في حياة أحمد الشملان قد أرسى لبنات أخرى في البناء الفكري والثقافي والإبداعي بحياته، في معتقل 1965 أغنى الشملان حصيلته المتواضعة من اللغة الانجليزية، كما كان المعتقل مجالا لأن يحفظ أحمد الشملان العديد من السور القرآنية خاصة وقد تلقى المصحف إهداء من والدته أحب الناس إلى قلبه، كما حفظ العديد من الأناشيد والأشعار والأغاني التي كان يسمعها ويرددها، وتوافر له الجو والوقت ليبدع مجموعة من المقطوعات الشعرية.

بعد الإفراج عنه في مايو/ أيار 1967 لم يطل بقاء الشملان في البحرين إذ قررت سلطات الحماية البريطانية نفيه للخارج فاختار – مرغما - الكويت التي يحبها وسافر إليها في سبتمبر/ أيلول 1967 وبقي فيها إلى ديسمبر/ كانون الأول من العام نفسه. ورغم معاناة الغربة وضيق ذات اليد فقد كانت الأشهر الثلاثة التي قضاها هناك حافلة بالاستفادة الفكرية والثقافية وبالحركة والنشاط. عقد أحمد صداقات جديدة مع بعض الشباب الكويتي والعربي، ووطد صداقات قديمة مع زملاء الدراسة الثانوية في ظروف سياسية وفكرية وثقافية هيأتها أجواء نادي «الاستقلال» الذي أخذ أحمد يرتاده والذي كان ملتقى تؤمه القيادات القومية والشباب الوطني والمثقفون.

ذكر صديق الشملان ورفيقه في الفترة المذكورة الكاتب أحمد الديين: كانت جل أحاديثنا تتعلق بالشأن السياسي، ولم نكن نتداول تقريبا أي أحاديث أخرى، كنا نناقش الوضع السياسي العربي وأثر النكسة ومشكلات حركة التحرر الوطني العربية والخيارات التي أمامها، وكذلك تطلعاتنا وهمومنا كشباب وطني وتقدمي في المنطقة». حول رفقة الشباب تلك قال لي عبدالمالك خلف التميمي: «كانت مرحلة المد السياسي القومي، وكنا ضمن هذا التيار وقناعتنا كشباب أن القضايا العربية الكبرى إذا حلت تحل القضايا القطرية الأخرى. لذا كان التفكير منصبا على القضايا القومية الكبرى ولم يكن في ذهن الواحد منا التفكير في القضايا القطرية التي أخذت حيزا هامشيا من تفكيرنا، وإن كان هذا المنهج خاطئا أو مُصيبا فقد أصبح في ذمة التاريخ».

في أجواء هزيمة حزيران 1967 أخذ أحمد الشملان الذي خرج لتوه من المعتقل يتتبع ما كان يجري من تغيرات في العالم العربي على مختلف الأصعدة الفكرية والسياسية، وفي صفوف حركة القوميين العرب على وجه الخصوص. بدأ يتلمس ما كانت تعيشه الحركة من مخاض عسير في انتقالها إلى طور ثالث هو طور الانشقاقات والتحول بشكل كامل إلى فكر اليسار الماركسي. وبالواقع حينما وصل أحمد الكويت في سبتمبر/ أيلول 1967 كان قد تحدد جناحان في حركة القوميين العرب، وكانت بعض العناصر القيادية في الأمانة العامة المركزية للحركة قد جمدت عضويتها منذ العام 1966 وأخذت تدفع باتجاه تبني الماركسية اللينينية، وفي يوليو من العام نفسه عقدت اللجنة التنفيذية القومية للحركة اجتماعا موسعا وضع الحركة أمام مهمات إعادة بنائها على أساس نظري يساري يتبنى الاشتراكية العلمية.

في ديسمبر 1967 انتقل الشملان للدراسة في بغداد وكانت الفترة التي وصل فيها إلى هناك هي الفترة التي تلت هزيمة يونيو 1967 والتي تمخضت عن الانشقاقات الكبرى في حركة القوميين العرب وترتيب كيانات مستقلة لفروعها وتبني معظمها الفكر الماركسي - اللينيني. لقد مثلت هزيمة حزيران هزيمة لاستراتيجية التحام الحركة بالناصرية وتحولها لطورها الثالث طور اليسار الماركسي. كان قدومه لبغداد مثمرا في مجال انفتاح أحمد بسرعة قياسية على كل ما كانت تمثله هذه المدينة من فكر وثقافة وسياسة وحياة طلابية خصبة.

وعلى المستوى الخليجي تحركت بعض العناصر من الأمانة العامة المركزية للحركة بالتنسيق مع الجناح اليساري المركزي لعقد مؤتمر إقليمي لفروع منطقة الخليج والمملكة العربية السعودية. عقد المؤتمر في 27 ديسمبر 1967 في الشهر ذاته الذي وصل فيه أحمد الشملان إلى بغداد، وقد تمخض المؤتمر عن الاستقلال التنظيمي للفروع عن قيادة الإقليم في الكويت.

دان المؤتمر التجربة التنظيمية السابقة وقياداتها وتبنى الاشتراكية العلمية كمرشد ودليل عمل للنضال في الساحة، واعتبر ساحة الجزيرة واقعة تحت حكم أوتوقراطي مستبد. كما تبنى الكفاح المسلح أسلوبا أساسا في النضال للإطاحة بالاستعمار والرجعية، واعتبر ساحة عمان الداخل البؤرة الأساسية القادرة على تفجير الأوضاع ورفض أية وصاية تنظيمية من الخارج والعمل المستقل في الساحة مع الاستمرار بتسمية حركة القوميين العرب في تلك المرحلة.

وصلت بغداد أخبار مؤتمر بيروت الذي فك ارتباط الفروع الخليجية للحركة بالقيادة الإقليمية في الكويت وأطلق العنان لتأسيس كيان سياسي وتنظيمي جديد يلتزم الإيديولوجية الماركسية. ورغم ارتباط أحمد الشملان بعبدالاله النصراوي الذي ظل يمثل الطور الثاني في فكر حركة القوميين العرب وخطها السياسي، إلا أن الشملان أبدى تجاوبا مع حركة الجدل الواسعة التي كانت دائرة في صفوف الحركة، وشيئا فشيئا اتضح ميله نحو التحول للفكر اليساري والإيديولوجية الماركسية وانخراطه بهمة ونشاط في الجدل الدائر وتصديه للدفاع عن الفكر الجديد في الوسط الطلابي ببغداد.

وبتاريخ 19-21 يوليو 1968 عقد مؤتمر قطري استثنائي لتنظيم حركة القوميين العرب - إقليم الخليج في دبي. وقد اعتبر المؤتمر منطقة الخليج إقليما موحدا والسعودية منطقة تنظيمية مستقلة، وأقر استراتيجية الكفاح المسلح رغم تحفظ وفدي الكويت وقطر، كما أقر العمل الجاد والسريع لتفجير النضال المسلح في عمان الداخل وخلق بؤر ثورية في عموم المنطقة ترتبط مع بعضها البعض لتصعيد النضال الوطني ضد الاستعمار وعملائه، وأعلن تبني الماركسية اللينينية وانتخب مكتبا سياسيا كلف بتسمية التنظيم الجديد.

وقد اتخذ الفكر الماركسي الذي تبنته الفصائل المنشقة عن الحركة الأم (حركة القوميين العرب) هويته – في العموم - من مصادر متعددة أولها كلاسيكيات الفلسفة الماركسية متمثلة في مؤلفات ماركس وانجلز ولينين، وكذلك بعض المصادر الستالينية والتروتسكية، بالإضافة لبعض مصادر الفكر الثوري الماوي والفيتنامي والكوبي، وشكل هذا الخليط المعالم الأيديولوجية للنظرية الثورية التي اعتمدتها فصائل اليسار الماركسي التي انشقت عن الحركة في عموم الأقاليم.

وشكلت التحولات الايديولوجية والسياسية المتلاحقة في يسار حركة القوميين العرب وإقليم الخليج على وجه الخصوص محطة مهمة في تطور أحمد الشملان الفكري والسياسي خاصة وقد أتاح له الجو الثقافي في بغداد فرص القراءة والاطلاع الواسع والمنوع. ذكر أحد رفاق الشملان في بغداد: «كان الجميع يلمس كيف كان أحمد الشملان قارئا نهما في كافة ميادين المعرفة وبخاصة في الفلسفة ويملك قابلية للفهم والاستيعاب السريعين، كان يكتب كتابات نظرية وسياسية تميزت بتحليل الواقع تحليلا عميقا، هذا بالإضافة لقراءاته الواسعة في صنوف الإبداع الأدبي والنقد. ثقافة أحمد السياسية والعامة أهلته لأن ينشط في التحاور مع أساتذته بكلية التجارة ويصل معهم إلى مناقشات في السياسة».

وقال رفيق أحمد في بغداد عبدالرحمن السندي: «أحمد الشملان لديه آراء لأنه كان مطلعا وقارئا يقرأ بتمعن وفهم، كان يقرأ قراءات متقدمة عن سنه وزمنه وكنا نشاهد لديه كتبا نستغرب منها، ولاتساع وتنوع قراءاته كان طرحه متفوقا، أنا لا أذكر أني دخلت الشقة على أحمد ولم أجد بيده كتابا أو مجلة يقرأ فيهما».

العدد 2694 - الأربعاء 20 يناير 2010م الموافق 05 صفر 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً