العدد 2702 - الخميس 28 يناير 2010م الموافق 13 صفر 1431هـ

الإسلاميون في السياسة... نجاحات بلا حصاد (2-2)

موقف الأنظمة الحاكمة سيحدد كثيرا من مسارات الحركة الإسلامية في المستقبل، وهذا الموقف سيتراوح ما بين الحفاظ على أشد درجات الاستبداد، أو الاتجاه إلى قدر معقول من الديمقراطية الفعالة. ولأن الأنظمة الحاكمة في الغالب تريد تأمين بقائها في السلطة، كما أنها ترفض أي نوع من التنافس الحر مع الحركات الإسلامية، كما أنها تلقى دعما خارجيا حتى تمنع الحركات الإسلامية من الوصول للسلطة؛ لذا يصبح استمرار نمط الحكم الاستبدادي هو الاحتمال الغالب.


الخروج من فخ السياسة

يؤدي تزايد واستمرار الاستبداد في الواقع، إلى تقليل البدائل أمام الحركات الإسلامية، وإلى إضعاف فكرة التكيف مع الوضع القائم، مادام هذا التكيف لا يؤدي إلى أي نتائج ملموسة، فإذا استمر الاستبداد والجمود السياسي بهذه الصورة، فإن الحركات الإسلامية ستجد نفسها خارج النظام السياسي القائم، ليس بقرار منها، ولكن بقرار وتصرفات النظم السياسية الحاكمة، كما ستجد الحركات الإسلامية، أن بقاءها خارج النظام السياسي القائم، يمثل مكسبا لها؛ لأنه بهذا يعفيها من تحمل مسئولية ما وصل له النظام السياسي من ترد سياسي، ومن استبداد وفساد.

وإذا كانت النظم السياسية الديمقراطية تقوم على فكرة أن الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة معا، هما جزء من النظام السياسي القائم، فإن الوضع بالنسبة للحركة الإسلامية، سيصل لوضع آخر مفاده أن النظام السياسي المستبد لا يمثل إلا النخب المستبدة، وتصبح قوى المعارضة الوطنية، ومنها الحركات الإسلامية، خارج هذا النظام، وتمثل في الواقع نظاما بديلا.

هذا يعني تزايد مشهد الخروج من الوضع السياسي القائم، والتبرؤ منه، ورفضه؛ مما ينتج عنه أشكال مختلفة من الخروج، فهناك الشكل الأكثر تشددا، والذي يعتبر الوضع السياسي القائم غير شرعي وغير إسلامي، وينادي بالخروج عليه بالسلاح، وهناك من سينادي باعتزال السياسة، لاعتزال الوضع القائم، وهناك اتجاه آخر، يتمثل في الحركات الإسلامية المشاركة في العملية السياسية، ويقوم على الفصل بين الدولة والنخبة الحاكمة، والفصل بين الوضع الدستوري والقانوني، والوضع السياسي القائم؛ إذ يتم اعتبار النخبة الحاكمة خارجة عن الدستور والقانون، وخارجة عن أسس الدولة وثوابتها، وبالتالي تكون خارج الشرعية، أما الحركة الإسلامية، وبسبب ما تحوزه من تأييد، فتضع نفسها خارج الوضع السياسي القائم، وداخل إطار الدولة والدستور والقانون، أي داخل وضع سياسي بديل، يفترض فيه أنه أكثر شرعية.

وبهذا ستتحول العملية السياسية إلى نوع من التدافع بين نظام لا يحظى بالشرعية الجماهيرية، ومشروع نظام يحظى بالشرعية الجماهيرية نسبيا، وهذا المشهد سيؤثر على عملية الانتخابات، والتي تتحول تدريجيا إلى مواجهة من أجل تأكيد الشرعية من كل الأطراف المتنافسة، أي إن الانتخابات نفسها ستتحول إلى نوع من التنافس بين شرعيات مختلفة، أي بين الشرعية المستمدة من السيطرة على الدولة، والشرعية التي تكتسب من التأييد الجماهيري.


مواجهة بالتراضي

البديل الآخر، وهو ليس الأكثر احتمالا، هو أن تدرك الدول الغربية أنها لا تستطيع أن ترعى أنظمة فاقدة للشرعية طيلة الوقت، كما تدرك الأنظمة الحاكمة أن استمرار الانفراد بالسلطة بهذه الصورة، لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية.

وبهذا تتشكل قناعة بأهمية حدوث قدر من التحول التدريجي نحو الديمقراطية، وتوسيع دائرة المشاركة السياسية، واستيعاب كل القوى السياسية الفاعلة، وفي هذه الحالة، سيتوقف مسار العملية السياسية على شكل ودرجة التحول الحادث، ولكن في كل الأحوال، إذا حدث أي قدر من الانفراج في الأوضاع السياسية، فإن هذا سيسمح بنوع من المواجهة المدروسة والمخططة والمتحفظة بين الأنظمة الحاكمة والحركات الإسلامية؛ إذ سيميل كل طرف إلى تحقيق مكاسب من دون أي نوع من التصعيد، فبقدر ما تكون العملية السياسية فاعلة ومؤثرة، وتسمح بالمشاركة الفاعلة، بقدر ما تكون كل الأطراف، خاصة الحركة الإسلامية، أكثر ميلا لتعظيم فاعلية الوضع القائم، حتى تكتمل مقومات الحرية والتعددية والتداول السلمي للسلطة، في بنية النظام السياسي القائم.

وخلاصة ذلك أن الوضع السياسي في البلاد العربية والإسلامية يتجه تدريجيا نحو مرحلة المواجهة بين أسس مختلفة للشرعية، بسبب غياب السند الجماهيري للأنظمة الحاكمة، وتزايد السند الجماهيري للحركات الإسلامية؛ مما عمق من الاختلاف بين النخب الحاكمة والحركات الإسلامية.

وكان من الممكن أن يتجه المشهد السياسي لصورة مختلفة إذا عمقت النخب الحاكمة من سندها الجماهيري، أو بحثت عن هذا السند، أو جددت من نفسها حتى تحوز على السند الجماهيري، والأمر في النهاية يتوقف على النخب المسيطرة على الحكم، والتي يمكنها أن تؤسس لمرحلة منافسة منظمة، أو تترك الأمور لمرحلة مواجهة حتمية.

العدد 2702 - الخميس 28 يناير 2010م الموافق 13 صفر 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً