العدد 2703 - الجمعة 29 يناير 2010م الموافق 14 صفر 1431هـ

كشكول رسائل ومشاركات القراء

النائب جورج غالاوي... رجل المواقف المشرّفة والشجاعة

في الآونة الآخيرة ظهرت في أوروبا وأميركا أصوات تقرّ وتعترف بالحق الإسلامي والعربي ، وتناصر وتتعاطف مع القضايا والشئون العربية ، وخاصة قضية العرب الأولى – قضية فلسطين – جهارا ظهارا - وهذا تحوّل نوعي من قبل أفراد في الغرب، وخاصة الطبقة المثقفة والواعية وكبار الشخصيات والساسة، وعلى سبيل المثال: السيناتور الأميركي فاندلي وكتابه (من يجرؤ على الكلام ) خير دليل على مواقفه المشرفة، وما يسطره فيه من حقائق وأرقام، وفضائح عن سيطرة اللوبي الصهيوني على مجريات الأمور وعلى صنع القرار في أميركا، وخاصة تلك الهيئة العامة للشئون الأميركية – الإسرائيلية، والمعروفة – بإيباك – والمهيمنة كليا على السياسات الأميركية وقراراتها، والمتخصصة في الدفاع عن المصالح الصهيونية، وهي بمثابة أداة ضغط فعالة على إدارات ومؤسسات الحكم المتعاقبة في أميركا.

وكذلك النائب العمالي البريطاني جورج غالاوي، ومن خلال اللقاءات الصحافية والتلفزيونية المختلفة معه، وما يتفوّه به من كلام

يعكس الحق والواقع، قد لا يتفوّه به حتى أصحاب الشأن في الدول العربية والإسلامية، وهو يـدل على مواقفه المشرفة والشجاعة، وكلامه عادة ما ينمّ عن تحــدٍّ وجرأة منقطعة النظير.

وكذلك الزعيم العمالي التاريخي، تون بن، الذي يقول عنه غالاوي، بأنه زعيمه الذي تعلم منه الكثير.

والمطران الأسبق كابوجي الذي تعرض للاعتقال من قبل الكيان الصهيوني، ومن ثم تم نفيه إلى قبـــرص، منذ سنوات خلت.

والناطق الأسبق للكنيسة الأرثوذكسية في القدس، الأب أو الأرشمندريت الذي أصبح مطرانا - الدكتور عطا الله حنا ، العربي

الفلسطيني، والذي تعرض للملاحقة والمضايقة من قبل الكيان الصهيوني، ومن ثم تعرض للعزل عن منصبه كناطق رسمي لتلك

الكنيسة، وذلك لمواقفه المعادية للاحتلال الصهيوني، وما يتكلم به من كلام محقّ ومنصف بعيدا عن التعصب الديني، والمراد منه مناصرة القضية الفلسطينية، وإظهار مظلومية الشعب الفلسطيني للعالم.

وغيرهم كثيرون من المنصفين، لأنهم استطاعوا بإرادتهم وعزيمتهم الصلبة، التخلص من هيمنة الصهيونية وتبعاتها، واتخذوا موقفا

مستقلا ومشرفا، وحكموا ضمائرهم وعملوا بشرف ونزاهة، في التعامل مع مثل تلك القضايا وغيرها من أمور الحق والعدالة.

ولقد تعرّض المناضل العمالي، النائب النشط في مجلس العموم البريطاني جورج غالاوي، لحملة مسعورة وشرسة، نتيجة

لمواقفه المؤيدة لقضايا العرب، ومعارضته للحرب الأنجلو أميركية على العراق، إذ حيكت ضده مؤامرة، من أجل إسكات صوته وإبعاده، فضلا عن تشويه صورته وسمعته أمام العالم والآلاف من مؤيديه، داخل وخارج عموم بريطانيا.

ومن ضمن أقواله ، كما ينقلها لنا الكاتب (ناجح شاهين) من ضمن مقالة له، نشرت في وقت سابق :

(لا شك في أن جورج غالاوي - الذي أصبح مشهورا بعروبته المتجاوزة لعروبتنا، وهو بذلك ملكي أكثر من الملك كما يقال -

على حق عندما يقول إنه أمر لا يحتاج إلى عبقرية آينشتاين، أن الأميركان يريدون النفط العربي، ويرغبون في تقسيم العرب من جديد، لأن ضعفهم وتفرقهم ضمانة للسيطرة الاستعمارية الأميركية والإسرائيلية على هذه المنطقة، بغرض امتصاص خيراتها حتى آخر

رمق، وليس من اهتمام أميركي من أي نوع بالقيّم الديمقراطية، أو ما أشبه من كلام لم يعد يستهلكه أحد.

من الواضح أن الناس في العالم العربي يعرفون كل هذه الأشياء مثلهم مثل غالاوي على أقل تعديل، ولكن الوعي بالمصلحة المشتركة والوعي بالمصير والمستقبل - وليس الحاضر فقط - هو الذي يغيب غيابا فادحا، وهو ما لا يمكن تفسيره، إلا باعتبار أننا لا ننظر لأنفسنا على أننا جسم واحد، وباختصار نحن لا نعتبر أنفسنا أمة واحدة».

ولقد زار جورج غالاوي العراق، لمساندة الشعب العراقي، وشارك في مسيرات تندد وترفض الحرب على العراق في بريطانيا،

وفي القاهرة، وهاجم بوش وبلير بكل شجاعة وصلابة، ووصفهما بالذئاب الجائعة.

ومن ضمن أقواله للتنديد ببلير ووصفه بالتابع لبوش قال في مقابلة مع قناة «الجزيرة» :

المشكلة أن توني بلير يعتقد... يؤمن بالعلاقة الخاصة بين بريطانيا والولايات المتحدة، وأن هذه هي أهم سياسة خارجية للبلاد،

لسوء الحظ أن هذه العلاقة الخاصة من هذا النوع، كالتي كانت للرئيس كلينتون ومونيكا لونيسكي من جهة واحدة وغير أخلاقية، ويمكن الاستغناء عنها في أي وقت، إذا قرر ذلك الطرف القوي، وقد شاهدنا في الأيام القليلة الماضية، أنه على رغم كل ما فعلته بريطانيا لأميركا في السنوات الثلاث الماضية، وعندما جاء الوقت لموضوع صناعة الفولاذ الأميركية، عارضوا كل صادرات الفولاذ إلى أميركا، وسببوا خسارة الوظائف لكثيرين من العمال البريطانيين، وكان الموضوع فيما يتعلق بمعاهدة (كيوتو) أو اتفاقية الأسلحة البيولوجية، التي رفض الأميركيون التصديق عليها، أو موضوع الألغام الذي كثيرا ما حاربت من أجله الأميرة ديانا، أو كان موضوع نظام الدفاع الصاروخي أو حرب النجوم.

أميركا تفعل ما تريد، كما فعل بيل كلينتون مع لونيسكي... مونيكا لونيسكي، وهذا موضوع مهين جدا أن تكون العلاقة مثل لونيسكي

وبوش.

(في حين كشف الزعيم العمالي، تون بن، سر هذه العلاقة التي تجعل بلير أو بالأحرى بريطانيا، بأن تكون تابعا لأميركا، في مقابلة أخرى، مع قناة الجزيرة أيضا، بقوله إن بريطانيا في الأصل لا تملك قنبلة نووية، وأن سبب انصياع بريطانيا وراء الولايات المتحدة الأميركية، هو أن الولايات المتحدة هي التي سلمت بريطانيا القنبلة النووية، وبالتالي تكون مُلزمة وفق هذا، أن تتبع سياسة الولايات المتحدة شبرا بشبر وذراعا بذراع، ولا تستطيع أن تفلت منها أبدا).

وفي خضم الفوضى التي كانت تعمّ العراق إبّان سقوط النظام البائد، لجأت قوى الشر والظلام والصهيونية العالمية، لتلفيق تهمة له، قد تنطلي على الكثير من الناس، وهي تآمر أحد الصحافيين عليه، وذلك بإدعائه بالعثور على وثيقة مهمة في العراق، تثبت بأن جورج غالاوى تقاضى ملايين الدولارات من المقبور صدام، ولقد نشرت الوثيقة في كل من صحيفة «الديلي تليغراف» و»الكرستيان ساينس مونيتور»، تهدف إلى تشويه سمعة الرجل، ومعاقبته على ربع قرن من السباحة ضد التيار الأميركي.

وفي هذا الصدد يقول : جورج غالاوي في مقابلة له مع مجلة الإسبوع، التي يرأسها مصطفى بكري، الصحافي المصري المعروف بمواقفه الوطنية والقومية وكلماته الحماسية.

( إنها إدعاءات متحيزة كجزء من هجوم على شخصي كما قلت... ولكن بما أن محتويات الوثيقة قد نشرت فلابد أن أثير بعض النقاط :

أولا: أؤكد تماما أني لم ألتقِ أبدا بأي ضابط مخابرات عراقي.

ثانيا: لقد وصلت في لقاءاتي المستمرة مع القادة العراقيين، وإلى أعلى قيادة في العراق، ومنهم طارق عزيز الذي كنت ألتقيه مرات كثيرة... وفي أي وقت أريد، فلماذا أقيم علاقات مع ضابط مخابرات عراقي؟!)

ثالثا: أنا أبدا لم أطلب أي أموال من العراق لحملتنا ضد الحرب والعقوبات بمليون دولار لحملة «مريم حمزة» من كافة القوى والفئات الشعبية، وكلها كانت تبرعات خيرية وكلنا نذكر تبرع الشيخ زايد في العالم العربي وخارجه وأيضا التبرعات الشعبية.

رابعا: أنا أبدا لم أرَ برميل نفط ، ولم أمتلك واحدا ولم أشترِه ، أو أقم ببيعه كما أكدت مرارا وتكرارا.

والحملة التي قاتلت من أجلها تحت اسم «مريم حمزة» كانت ممولة من قبل مصادر مهمة ومعروفة، وكلها بالمناسبة حكومات مؤيدة للغرب ومتحالفة مع الولايات المتحدة، وهي حكومتا الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى رجل الأعمال الأردني فوّاز زريقات الذي أدار معنا شئون القافلة في الأردن وتبرع بمبلغ من المال، هذه المصادر الثلاثة، لا علاقة لها بالحكومة العراقية، على حد معلوماتي المؤكدة. خامسا: أنا لم أكن أبدا الوصي أو المهيمن على قافلة «مريم» حتى... أنا أتكسب من ورائها، فقط كنت المؤسّس، وهناك آخرون كثيرون قاموا بالعمل!!

سادسا: قمت بتسجيل كافة مستهدفاتي من قافلة «مريم» في سجل مجلس العموم البريطاني، المعني بتسجيل أهداف أعضائه من وراء حملة دولية على العقوبات والحرب على العراق، والأنشطة العامة وقلت إن «قافلة مريم» إنها نشاط مبدئي، وتم تحويله بعد فترة إلى مؤتمر دولي حول العلاقة بين استعمال القوات الأميركية والبريطانية لليورانيوم المنضب، ووجود أوبئة وأمراض خطيرة في العراق مثل سرطان الدم.

ونظمنا قافلة لمقاومة سرطان الأطفال من ساعة «بج بن» في لندن إلى بغداد عبر ثلاث قارات وأحد عشر بلدا و(15000) كيلو متر لجذب الانتباه لمحنة العراق وكارثة الحصار، ولتسليم سيارة شحن محملة بالأدوية إلى بلاد أنهكها المرض والعقوبات، وبعدها جهزنا طائرة لكسر الحصار على العراق، طارت من لندن إلى بغداد في محاولة لتشجيع الآخرين، لكسر الحصار الجوي المفتقد إلى الشرعية الدولية.

ونشرنا مواقع الإنترنت، لتحكي مأساة ذلك البلد المحاصر ومعاناة شعبه كل ذلك فعلناه بأموال دفعناها من تبرعات وموازنات شعبية، لكن لم نتلقَّ أي أموال من العراق، نحن نعيش الآن صراع حياة أو موت مع قوة الولايات المتحدة وبريطانيا، ونتعرض لهجوم من صحافة تلك القوة الكبيرة المتحالفة، وعلى رغم احتياجنا للمال حتى ننجز مهمتنا، ولم نقبل أي عون مالي من الدولة العراقية، أو أي تمويلات قد تضر بالحملة التي نعمل من خلالها علي أي صعيد من الأصعدة.

ولقد تم تجميد عضويته في حزب العمال البريطاني، الذي يرأسه بلير، رئيس الوزراء البريطاني، والذي يسمى في بريطانيا بذيل بوش، ولقد رفع غالاوي دعوى قضائية، ضد تلك الجريدتين والصحافي الذي قام بنشر التقرير ضده في كلتا الصحيفتين إلى القضاء البريطاني ليقول كلمته الفصل، وتتكشف الحقيقة، وتظهر مدى التشويه، وتلطيخ سمعة الرجل الذي ناصر الحق، وتعاطف معه، ليس طمعا في مال أو جاه، وإنما ليريح ضميره، ويرضي باله، ويتحرر من الهيمنة والسيطرة الصهيونية المعادية للحق والعدل والحرية والسلام.

ولن ننسى جهوده الكبيرة التي بذلها في دعم ومساندة أهل غزة، الذين فرض الحصار الظالم عليهم لأكثر من ثلاث سنوات، وتشاركت فيه كل قوى الشر والطغيان في العالم، وبصمْت وتخاذل عربي وصل لحد المشاركة في هذا الحصار، والقيام ببناء جدار فولاذي يفصل غزة عن رفح، بتمويل أميركي وتنفيذ صهيوني وبمشاركة دولة عربية، ليتحكم في شرايينها وأنفاسها.

وشارك غالاوي في أكثر من حملة تبرعات إنسانية لأهل غزة، كان آخرها حملة شرايين الحياة، التي تعرض المشاركين فيها لمضايقات كثيرة، وممارسات قمعية من قبل أفراد الجيش المصري، وأصيب غالبيتهم بإصابات وجروح متفاوتة، وأخيرا تم حرمان غالاوي من دخول مصر، على رغم بأنه قد صرح مسبقا بأنه لن يفكر في دخول مصر مستقبلا ، نتيجة لما تعرض له ومرافقيه من صعوبات وإهانات ومضايقات وعنف وإذلال خلال تلك الحملة الإنسانية.

محمد خليل الحوري


أضاعته غفوة

 

شفيق إنسان بسيط، يعمل ويكافح من أجل بلغة العيش، ولقمة الخبز، يُعرق الجبين، يهوى الرحلات، والأجواء الشاعرية، ورائحة التراب الندية، وعبق الأزهار، لكن الصفة الغالبة عليه انه لا يعتبر بصروف الدهر، مهما تتكرر له المأساة.

لم يمتلك شفيق من حطام الدنيا شيئا، سوى حمارة بيضاء اللون، جميلة المنظر، براقة العينين، يسحر بريقها الأنظار، تتشابه مع الخيل، إلا أنها تنهق، والخيل تصهل، من اجل هذا أحبها، واعتنى بنظافتها، وقدم لها أحسن العلف، وكان يستخدمها في تنزهاته أيام العطل ووقت الفراغ في النزهة على شواطئ البحار وخاصة قبل الغروب بساعة، إذ إن القرص الذهبي للشمس ينعكس على البحار، فيسحر الأنظار، وكانت هذه آخر رحلة مع حمارته، جال بها وتمتع بجمال الطبيعة على شواطئ البحر، وكان كل شيء هادئا، لا أصوات ولا أناس يجولون سوى أمواج البحر، وكانت نظراته مستديمة إلى تلك الأمواج وإلى زرقة السماء ومضت نصف ساعة من سيره وهو راكب على حمارته، فغفت عيناه أثناء السير، لكن حمارته أخذت تجول وتقطع مسافات طويلة فأظلم الليل، وخرجت من حدود البلد الذي يعيش فيه شفيق، فهبت رياح ثم هدأت قليلا وسقطت زخات أمطار، ونهقت الحمارة، ومن نهيقها استيقظ فزعا ولم يتحكم في اتزانه فسقط من على ظهرها إلى الأرض مذعورا، وتمرغ بالرمال، وقال: «إن أنكر الأصوات لصوت الحمير»، نهض قائما، وأمسك بحمارته، وأخذ ينظر يمنة ويسرة، لكنه لم يعرف المكان الذي هو فيه، وعلى بعد لمحَ قصرا، فقصده ركوبا على حمارته، لعله يرشده إلى بلده، وبعد أن وصل إلى القصر جاءت سيارة فخمة، بها فتاة لامعة في عمر الزهور، وجهها كفلقة قمر، ضغط سائقها على رموت بيده، فانفتح باب القصر فدخلا، ثم انغلق اتوماتيكيا فنزل من فوق حمارته وضرب على الباب ليخرج أحد منه يدله إلى سبيله، وفجأة خرج منه شرطي وقال له: «يا أبله لماذا ضربت الباب وما الذي جاء بك إلى هنا في هذا الوقت العصيب؟ لابد أنك إرهابي جئت لتسرق أو تحرق، ألا تعرف أن المكان محظور دخوله أو التجوال فيه لأنه يخص الوفود والملوك؟ قال شفيق للشرطي: «يا مزركش الثياب، أنا لم أدرك أن هذا قصر الملوك، ولم أعرفك حاميا للعرش، ولا مقيما في البلاط أو مسامرا مع الملوك أو غير أمين على سر الناس، قال له الشرطي بانفعال: «اخرس يا غبي، فثيابي تقليد للرتب العليا، وأنا قوة أمثل نظاما يحتذي به الشعب» ثم نادى حراس القصر ليقبضوا عليه ويجلدوه ثم يحبسوه، لكن شفيقا فر هاربا بحمارته في جنح الظلام، واختفى عن الأبصار.

أخذ شفيق بعد هذا الحدث يناور ويداور، ولمح مسجدا فقصده لكنه وجد الباب مغلقا فوقف بحمارته تحت مظلته وهو يقول: مسجد خالٍ من العباد أين المؤمنون الذين يصلون الليل؟ أين الذين وصفهم القرآن ركعا سجدا؟، لكن الناس على دين ملوكهم.

توقفت الأمطار فسار بحمارته، وفجأة سقطت على الأرض، وهوى على الوحل، فأدرك أن سبب سقوطها التعب والجوع، فقدم لها العلف الذي يحمله في الخرج والماء الذي معه، فأكلت وشربت وقوى عودها فنهضت واقفة، فقال: «كم كنت غبيا تركت حمارتي جوعا وعطشا وكان معي العلف والماء».

ثم ركب على حمارته، وسار بها، وعلى بعدٍ لمح حمارا مربوطا برجليه بحبل، والأمطار تتساقط عليه من كل جانب ومكان، فقال في نفسه مسكين هذا الحيوان لا أحد له ليحميه فقصده وفك رباطه، وانطلق بحمارته فما كان من الحمار إلا أن لحقه وهو ينهق وقد نفخ عودة يريد أن يتفاعل مع الحمارة، فنهقت الحمارة وتوقفت عن المشي فزجرها فلم تسر فوقع بين محذورين بين نهيق الحمار ونهيق الحمارة وهو بينهما يصرخ ويستغيث، فأومأ بعصاته على الحمار ليبتعد عنه، فلم يرتدع بل على العكس جاء ونطح شفيق برأسه في ظهره ليسقطه من على حمارته، فأصاب شفيق الإرباك والخوف الشديد، فقرر النزول من على حمارته، وفجأة تشابك الحمار مع الحمارة وقد أرخت ظهرها وتفاعلا، ولما قضيا مأربهما انصرف الحمار إلى حيث أتى، فركب شفيق حمارته العروس، وقال في نفسه إن الحيوانات لا تعرف العفة، بل التحلل والشيوع، ولكن كم كنت غبيا وأبله لأن فككت رباط حيوان دون أن استدعي مالكه، وما أصابني إلا ما سولته لي نفسي، وهذا عقاب عاجل لي في الدنيا قبل الآخرة لأنني ظلمت صاحب الحمار وقد يكون المسكين ينتظر تحت مظلة تحميه عن المطر لكنني بفعلتي أضعت له حماره الذي يعتمد عليه في السير والعمل.

واصل سيره في الطريق وبعد مسافات طويلة لمح سيارة شحن وثلاثة رجال يملؤونها بأثاث، فقال في نفسه الحمد لله وصلت إلى خير سأقصدهم واسألهم عن طريقي إلى بلدي، فانحرف إليهم بحمارته، وما ان وصل إليهم ألقوا القبض عليه وقالوا له أنت مخابر، جئت في هذا الوقت العصيب لتتجسس علينا، وتخبر السلطات عنا، فقال أنا فقير قد ضللت الطريق ولست مخابرا لأن المخابر يركب السيارات الضخمة وله أموال طائلة وبرقيات وهواتف في جيبه، وأناس يحمونه، أما أنا فليس لي كل هذا، فتشوني فإن رأيتم لدي ما ذكرتموه فأنا مخابر، أنا لا املك إلا هذه الحمارة فماذا تريدون مني، قال له اللصوص نريدك أن تتعاون معنا في السرقة وتحمل عنا بعض الأثقال على حمارتك تنقلها من هذا البيت إلى سيارتنا، فقال شفيق هذا ليس سبيلي ولا أوافق على عملكم، ولم أتعود أن اسرق، وأنا متعب من السفر فلا تستفيدون مني وحمارتي كذلك مرهقة ومتعبة، قال له اللصوص إما أن تتعاون معنا وإلا قتلناك، قال لهم شفيق وماذا تستفيدون من قتلي؟ قال له اللصوص حتى لا تكون شاهدا علينا عندما ينكشف أمرنا عند السلطات، قال لهم شفيق: إن لم أشهد عليكم فالله فوقنا يشهد عليكم ألا تخافون الله سبحانه وتعالى أن ينكشف أمركم عنده يوم القيامة، قال له اللصوص الآخرة متأخرة، قال لهم شفيق إذن انتم ظلام خنتم الوطن وبعتموه بثمن، فلا فائدة فيكم، ولن أتعاون معكم حتى ولو أدى الأمر إلى القتل فالله خير حافظ ومعين، أنصحكم بتجنب هذه الفعلة، فالظلم لا يبقى وإن بقي دمر، انظروا إلى الظالمين وأصحاب الأعمال الشريرة خلت منهم الأرض الآن، وأثناء هذا الحديث كانت هناك سيارة أمن تراقبهم فأقدمت بسرعة فائقة وألقت القبض على اللصوص وشفيق صاحب الحمارة، ووضعت القيد في أيديهم واقتادتهم إلى مركز شرطة المنطقة، بالسيارة والحمارة، ثم أدخلت اللصوص وصاحب الحمارة إلى مركز الشرطة، فأوقفتهم: «قد ضللت الطريق ولم تبدر مني بادرة السرقة، ولا المشاركة مع اللصوص، وعندما رأيتهم حسبتهم أناسا عاديين غير لصوص، فذهبت إليهم ليدلوني على الطريق، هذا ما حدث بالضبط»، ثم استدعت الشرطة اللصوص فاعترفوا بجرمهم وقالوا إن صاحب الحمارة لم يكن مشاركا معهم ولكنه جاءهم منفردا، ليستعين بهم ليدلوه إلى بيته، فقررت الشرطة إطلاق سراح شفيق، وأوقفت اللصوص لإحالتهم إلى النيابة العامة لنيل الجزاء الأوفى على فعلتهم.

خرج شفيق من مخفر الشرطة شاكرا لله سبحانه وتعالى، وركب حمارته وعلى بعد لمح رجلا يتوكأ على عصاه، ويتكسر في مشيه، فقال شفيق مسكين هذا الفقير إنه مريض ويحتاج إلى مساعدة، فقصده وسأله ماذا تريد مني، جئت لمساعدتك لما رأيتك لا تقوى على المشي، فقال الرجل شكرا على شهامتك أريد أن تركبني على الحمارة مساعدة منك إلي وبيتي قريب وأنا أعرفك منذ زمن بشخصك ولا أعرف اسمك، فقال شفيق حسنا، أنت في خير فأسعفه حتى ركب على ظهر الحمارة، وصار شفيق من خلفه، وفجأة ساق الرجل الحمارة وزجرها بسرعة، فانطلقت الحمارة وابتعدت عن شفيق مسافات، فناداه شفيق ما هكذا الإحسان ولا المعروف، خابت الآمال فيك من رجل، فقال الرجل أنت غبي وأبله لا تستحق الحمارة. ضرب شفيق يدا على يد ندما وقال يا للخسارة ضاعت مني الحمارة.

عبدالله محمد الفردان


جريمة تقاضي سائقي الأجرة أجرا زيادة عن المحدد

 

تشهد مملكة البحرين نهضة اقتصادية كبيرة على جميع الأصعدة، بما فيها قطاع سيارات الأجرة ليواكب ويؤدي دوره الحيوي في خدمة الاقتصاد الوطني وفي هذا الإطار قامت وزارة الداخلية بالاهتمام بقطاع سائقي الأجرة فاستعانت بخبرات عالمية ومحلية، وأجرت الدراسات واستأنست برؤية ممثلي القطاعات فتوصلت إلى مجموعة من الإجراءات التي من شأنها الارتقاء بهذا القطاع، الذي يمثل واجهة الوطن ووجهه الحضاري أمام زوّاره من سائحين ورجال أعمال.

وكان من ضمن هذه الإجراءات التي اتخذتها وزارة الداخلية العمل على وجود تعرفة عادلة لسيارات الأجرة تراعي صاحب السيارة ومتلقي الخدمة فقامت وزارة الداخلية بتعديل الأجرة المحتسبة على العداد، نظرا لعدم تعديل التعرفة منذ وضعها العام 1996، ففي سنة 2007 م أصدر معالي وزير الداخلية قرارا بتعديل بعض أحكام قرار استعمال عدادات الأجرة ((التاكسي)) حيث تم رفع التعرفة وتحديثها حيث بلغت نسبة الزيادة حوالي 85% على التعرفة السابقة ويذكر أن هذا القرار اشتمل على مرونة في إمكانية ارتفاع هذه النسبة في السنوات القادمة.

وبعد هذا التعديل الذي وضع يجب على جميع سائقي سيارات الأجرة الالتزام بأخذ المبلغ الذي يظهر على لوحة عداد التاكسي فقط دون زيادة، وفي حالة حاول سائق التاكسي إضافة مبلغ مالي خلاف الظاهر على الشاشة فإنه يرتكب جريمة لها جزئين إداري وجنائي وهما:

- أولا: الجزاء الإداري وفق القانون:

كل قائد مركبة أجرة تقاضى أجرا أكثر من المقرر تسحب رخصة قيادته إداريا لمدة ثلاثين يوما ويجوز لإدارة المرور والترخيص سحب شهادة تسجيل المركبة ولوحاتها المعدنية ورخصتها لنفس المدة، وفي حالة ارتكاب ذات المخالفة خلال سنة تسحب رخصة القيادة إداريا لمدة ستين يوما ويكون سحب شهادة تسجيل المركبة ولوحاتها المعدنية ورخصتها وجوبيا في هذه الحالة.

- ثانيا: الجزاء الجنائي وفق قانون المرور:

يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تزيد على مائة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين من خالف أحكام المادة 71 فقرة (أ) من قانون المرور، وتضاعف العقوبة عند ارتكاب فعل من ذات النوع خلال سنة من ارتكابها.

وفي هذه الحالة يحق لرجال الأمن العام والمرور القبض على من يمسك متلبسا بهذه الجُنحة وإحالته للنيابة العامة للتصرف.


التعاون يقتل التناحر الطائفي

 

يروى أن بقرتين كانتا مربوطتين بحبل من طرفيه في رقبتيهما، وحدث أن جيء بالبرسيم ووضع جزء منه في هذا الطرف والجزء الآخر في الطرف المقابل بحيث كانت المسافة بينهما أكبر من طول الحبل، فحاولت كل بقرة التوجه إلى البرسيم لتقتات عليه، فسحبت الأخرى من رقبتها وبسبب العناد امتد هذا الشد والجذب بين البقرتين حتى حستا بوجع الحبل حول رقبتيهما إلى درجة الاختناق فاقتربتا من بعضهما البعض وتلاقتا في الوسط وهمست الواحده في أذن الأخرى قائلة إذا استمر بنا حال العناد والتعصب كل لموقفه هكذا فإننا ننتهى بخنق الواحدة منا الأخرى والأحسن هو أن نتعاون فيما بيننا بأن تشارك الواحدة منا الأخرى في حصتها من البرسيم ولا نشد بعضنا بعضا وننتهي منتحرتين، وهكذا انتصر العقل والمنطق السليم وتحقق شبع البقرتين بالتعاون والاتفاق بدلا من الانانية والانشقاق.

هذه قصة تهدف لطرح عبرة لبني البشر، وعندما سمعتها من أحد الأصدقاء لم أجد لها مثالا يطابق الواقع مثل واقع المجلس النيابي البحريني اليوم الذي يسوده الاصطفاف الطائفي بحيث تم التضحية بالقضايا الوطنية والمتطلبات الملحة للمواطنين بسبب المواقف الطائفية وأصبح كل طرف يشد الحبل نحوه والنتيجة خنق مصالح الوطن بسبب العناد والفرقة.

ولا أعتقد أني أقول كلاما لا يتفق معى فيه معظم المواطنين وهو: اتقوا الله يا نواب في هذا الشعب الذي منحكم صوته وأولاكم ثقته، وتجردوا من لباس العصبية الطائفية البغيضة واتفقوا على كلمة فيها خير البحرين وشعبها، ولعل هذا الكلام قد فات أوانه إذ إننا في نهاية عمر المجلس النيابي الحالي ولكنه كلام نتمنى أن يصل إلى من يرشح نفسه للمجلس النيابي المقبل، فالحياة مدرسة يتعلم ويتعظ من أحداثها اللبيب وتمر على الجاهل مرور الكرام من دون تأثير.

عبدالعزيزعلى حسين

العدد 2703 - الجمعة 29 يناير 2010م الموافق 14 صفر 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً