العدد 499 - السبت 17 يناير 2004م الموافق 24 ذي القعدة 1424هـ

الجزائر... وانقسام القمة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أطلق زعيم «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» الشيخ عباسي مدني من الدوحة دعوة إلى القيادة الجزائرية يطالبها بوقف «العنف المزدوج» من الدولة وهيئات المجتمع واعتماد الديمقراطية والتعددية سبيلا مفضلا يخرج بلد «المليون شهيد» من حروبه الداخلية الأهلية والنظامية.

دعوة مدني لها أكثر من معنى، فهي أولا جاءت من مكان بعيد (الدوحة) الأمر الذي يكشف عن وجود سياسة قمعية في بلاده تمنعه من التعبير عن رأيه بحرية. وهي ثانيا تكشف عن وجود خلل بنيوي في إدارة الدولة أخذ في المدة الأخيرة يتصاعد من قاعدة المجتمع إلى قمة السلطة.

المبادرة ليست جديدة فهي واحدة من سلسلة مبادرات شهدتها الجزائر منذ العام 1988 حين قررت الدولة التخلي عن مفهوم حكم «الحزب الواحد» وتدخل المؤسسة العسكرية في الشئون السياسية.

ومنذ تلك اللحظة أخذت الدولة تتفكك وتنقسم إلى وجهات نظر تراوحت بين مؤيد للتوجه التعددي والديمقراطي ومعارض له. وانفجرت تلك اللحظة حين حقق الإسلاميون انتصارات ساحقة سواء على مستوى الانتخابات البلدية أو على مستوى الانتخابات النيابية.

وحين وجدت النخبة السياسية الحاكمة المؤلفة من ائتلاف الجنرالات مع زعامات «الحزب الواحد» أن مقاليد السلطة ستفلت منها في حال تواصلت العملية الديمقراطية انقلبت على الرئيس الجزائري السابق الشاذلي بن جديد وألغت نتائج الانتخابات مدخلة البلاد في نفق لا ينتهي من الحروب الأهلية الصغيرة التي لعبت فيها الأجهزة الرسمية دورا «سريا» في التصفيات وترتيب المجازر وإلصاقها بالمعارضة على أنواعها.

هذا العنف الذي بدت الدولة أنها سيطرت عليه أخذ يفلت من رقابتها بعد أن نجحت في إزاحة خصمها من الساحة وبات التيار الإسلامي في حال يرثى لها بين مسجون ومطارد ومطرود أو مدجن يقول ما لا يعرف ويعرف ما لا يقول.

هذا العنف الانقسامي الذي ذهب ضحيته الآلاف من الضحايا والأبرياء تتحمل تبعاته جهات عدة إلا أن القانون يؤكد مسئولية الدولة. فالدولة تحمي القانون وأيضا الأمن وأخيرا حياة الناس. وكل ما يحصل في البلد لابد أن تتحمل الدولة مسئوليته الأدبية والمعنوية والسياسية حتى لو لم يطلها القضاء والقانون. وفي هذا المعنى لا يمكن إلا أن تكون الدولة الجزائرية مسئولة بصفة رسمية عن تداعيات الأزمة وانفجاراتها الدموية المتتالية لأنها هي أصلا كانت وراء الغاء نتائج انتخابات شهد العالم بنزاهتها.

الآن تبدو الجزائر على موعد جديد من الاستحقاقات السياسية تختلف عن تلك التي شهدتها في نهاية ثمانينات القرن الماضي. فالوضع الحالي انكشف على سلسلة حقائق منها أن الطرف الأهلي الممثل في القوة المركزية الإسلامية لا وجود له أو انه غير مسموح له بتعاطي السياسة. وبسبب غياب أو تغييب القوة الإسلامية بات الصراع على السلطة بين النخبة نفسها. فالانقسام الدموي ارتقى الدرجات وانتقل الآن من المجتمع إلى الدولة... وبات الصراع الآن بين أبناء السلطة نفسها.

هذا التناحر على قمة الدولة كان متوقعا منذ اللحظة التي انقلبت فيها السلطة على أهلها. فالتصفيات همشت قوى المجتمع المدني ولكنها زادت من عزلة النخبة وانفكاكها عن أهلها وهذا بدوره أنتج سلسلة انقسامات جزئية وصلت أخيرا إلى القمة. وانقسام القمة هو نتاج طبيعي ومنطقي لذاك الانشطار الأهلي الذي افتعلته السلطة دفاعا عن مصالح النخبة.

الجزائر الآن على موعد مع الانتخابات الرئاسية في مارس/ آذار المقبل، وهذه الانتخابات هي الأولى بعد فوز الرئيس الحالي عبدالعزيز بوتفليقة في دورة 1999. وهناك احتمال الآن أن يعلن الرئيس بوتفليقة ترشيح نفسه لولاية ثانية في وقت يخوض معركة مكشوفة مع كتلتين، الأولى المؤسسة العسكرية والثانية حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم (يسيطر على غالبية مقاعد البرلمان).

منافس بوتفليقة هو رئيس الحكومة المقال (المستقيل) السابق علي بن فليس والأخير تؤيده قيادة حزب جبهة التحرير التقليدية المنبثقة عن المؤتمر السابع في سنة 1998.

المعركة حامية بين النخبة الحاكمة، وهناك شبه انقسام في القمة يتمثل في التناحر على السلطة بين رئيس جمهورية يؤيده «المؤتمر التصحيحي» لحزب التحرير ويدعمه القضاء الذي أصدر سلسلة قرارات بتجميد هيئات الحزب وبين رئيس وزراء يؤيده البرلمان والجنرالات والقيادة التقليدية للحزب.

استحقاق انتخابات الرئاسة اقترب والمواجهة على القمة بعد انقسامها أخذت تنتقل من البرلمان والمحاكم إلى الشارع الأمر الذي ينذر بانفجار السلطة في قمة هرم الدولة... بينما المجتمع (القوة الأهلية) مغيب أو مطرود أو مطارد

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 499 - السبت 17 يناير 2004م الموافق 24 ذي القعدة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً