العدد 2348 - الأحد 08 فبراير 2009م الموافق 12 صفر 1430هـ

مواطن سبعيني يعيش بالإيجار طوال حياته

البلاد القديم - علي الموسوي 

08 فبراير 2009

أن تعرف بوجود رجل في الثلاثينيات أو الأربعينيات من العمر، ينتظر أن يذاع اسمه في قائمة المستفيدين من الوحدات السكنية، فذلك أمر طبيعي. أن يصادفك شاب عشريني يسكن بالإيجار مع أسرته، فإن ذلك أصبح واقعا نعيشه في البحرين، لكن أن تجد رجلا تجاوز عمره السبعين ينتظر وحدة سكنية حتى الآن، لهو من الأمور المستغربة، وخصوصا إذا كان طلبه الإسكاني يعود لستينيات القرن الماضي.

هذا ما حدث لذلك الرجل الذي يبلغ من العمر 75 عاما، الذي يعمل فلاحا في إحدى المزارع بمنطقة البلاد القديم، وبأجرٍ لا يتجاوز 150 دينارا.

اقتربت منه لأعرف سر لحيته البيضاء وشعره الطويل، فبدأ يقلّب أوراق التاريخ، ويحكي قصصا في زمن الأجداد، حيث كانت الحياة البسيطة، والبحرين تنعم بخيرات الأرض والنخيل والزراعة.

ذلك هو الحاج حسن عبد الله إبراهيم رجب، يقطن في منزل متهالك بالإيجار منذ أكثر من 17 عاما، هو وزوجته ولا أحد سواهما، فالله لم ينعم عليهما بالذرية، ربما رحمة لهما، وخصوصا أنهما لا يملكان المنزل الذي يؤويهما، فالذي يقطناه بالإيجار حاليا لا توجد به سوى غرفة واحدة، وحمام سباحة لا يقي حر الصيف ولا برد الشتاء، إضافة إلى مساحة صغيرة من المنزل مفتوحة على الباب الرئيسي، يجلس فيها مع زوجته.

جلست معه في المنزل قبل أن ننتقل إلى المزرعة التي يعمل بها، ليحدّثني عن أسباب عدم حصوله على وحدة سكنية حتى الآن، فقال إن وزارة الإسكان قبل سنوات طويلة طلبت منه جلب شخص يكفله للحصول على وحدة سكنية يدفع إيجارها لوزارة الإسكان، لكنه لم يستطيع توفير ذلك، وطلبت منه مرة أخرى التوقيع على شيكات مؤجلة، ولأنه لا يملك حسابا بنكيا تعذرت الوزارة تلبية طلبه، وبعد سنوات طويلة بين غربته في السعودية 9 سنوات، عاد مرة أخرى ليطرق أبواب الوزارة، إلا أنها لاقته بجواب أنه تجاوز الستين من العمر، ولا يمكنه تقديم طلب الحصول بعد هذا العمر، الأمر الذي دعاه لرمي أوراقه على مكاتب الوزارة والانصراف، طالبا الرحمة من الله فقط.

بقي الحاج في المنزل الذي استأجره من أحد أقاربه، والذي يدفع عليه إيجارا شهريا يقدّر بـ 100 دينار، لكنه وكما الحال مع أصحاب العقارات والشقق، قام قريب الحاج حسن بطلب زيادة في الإيجار منذ بداية العام الجاري، ليصبح الإيجار 150 دينارا، بدلا من مبلغ الإيجار المذكور.

يقول حسن: «كيف أسدد مبلغ الإيجار وأجرتي الشهرية لا تتجاوز 150 دينارا؟، فإذا دفعت الأجرة كاملة، فكيف أقضي بقية أيام الشهر بلا أكل ولا شراب (...)».

انتقلت معه بالسيارة من منزله إلى المزرعة التي يعمل بها، وطوال المسافة التي من المنزل إلى المزرعة، كان يشير بإصبعه على البيوت والمباني السكنية، ويتذكر تلك الأيام التي كانت الأرض خالية من كل شيء، إلا الزرع والخضرة، والنخيل الباسقات، فتارة يتذكر أيام اعتقاله في الخمسينيات، وتارة يتذكر أنه عمل فلاحا في كل المزارع الموجودة في منطقة البلاد القديم.

على الرغم من كبر عمره، وتجاوزه السبعين عاما، إلا أنه مازال يصعد النخيل، ويجزّ الحشيش والبرسيم، تماما كما كان في أيام شبابه، ففي كل صباح يذهب للمزرعة ويطمئن على الزرع والعمال، وبحسب قوله «يوزع العمال ويرتبهم».

عندما سددت جميع الأبواب في وجه الحاج حسن، توجه برسالة مكتوبة إلى وزير الديوان الملكي الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، أرسلها عن طريق البريد المسجل بتاريخ 27 يوليو/ تموز من العام 2006، لكنه لم يلقَ أي إجابة حتى الآن، إذ كتب في رسالته: «إنني أحد المواطنين القاطنين في منطقة البلاد القديم، وأسكن من الصبا في منزل بالإيجار، ومتزوج، ولم أحظَ إلى الآن بمنزل سكني، علما بأنني قد تقدمت بذلك إلى وزارة الإسكان منذ سنوات عديدة، والآن عمري جاوز السبعين عاما، ولم أتمكن من الحصول على ما يصبو إليه كل مواطن، وخصوصا أنني الآن شبه عاجز عن العمل، وليس لديّ أي دخل، وإنني أناشدكم في هذه الرسالة أن تجدوا لي حلا، وجزاكم المولى خير الجزاء».

توجهت له بسؤال قبل أن أغادر المزرعة التي يعمل فيها، عما يريده من وزارة الإسكان، فقال: «أريد أن توفر لي منزلا أسكن فيه أنا وزوجتي العجوز، فأنا مواطن بحريني، ومن حقي الحصول على مكان أجلس فيه، أما إذا كانت لا تريد أن توفر لي المنزل، فلن يكون أمامي غير أن أفترش الأرض وألتحف السماء».

العدد 2348 - الأحد 08 فبراير 2009م الموافق 12 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً