العدد 510 - الأربعاء 28 يناير 2004م الموافق 05 ذي الحجة 1424هـ

لماذا يحتاج عالمنا إلى إدارة الهجرة بشكل أفضل؟

كوفي عنان comments [at] alwasatnews.com

إن من أكبر الاختبارات الماثلة أمام الاتحاد الأوروبي الموسع خلال العقود القادمة هو كيفية إدارة التحديات المتعلقة بالهجرة. فإذا نجحت المجتمعات الأوروبية في مواكبة ذلك التحدي فإن الهجرة ستنعش وتقوي مجتمعات الاتحاد، أما إذا ما فشلت فإن عواقب ذلك قد تتمثل في انخفاض المستويات المعيشية واتساع مظاهر الانقسام الاجتماعي.

ولاشك أن المجتمعات الأوروبية تحتاج إلى المهاجرين. فالأوروبيون يعيشون أعمارا أطول وينجبون عددا أقل من الأطفال. ومن دون الهجرة، فإن تعداد السكان في دول الاتحاد الأوروبي (نحو 25 بلدا) سيتناقص من 450 مليون نسمة حاليا إلى 400 مليون في العام 2050.

ولا ينحصر هذا الوضع على الاتحاد الأوروبي، فاليابان وروسيا وكوريا الجنوبية وغيرها، تواجه مستقبلا مشابها، إذ ستعاني من ندرة في العمالة وتقديم الخدمات، ما يؤدي إلى تقلص الاقتصادات وركود المجتمعات. بيد أن الهجرة وحدها لن تحل تلك المعضلات، ولكنها تمثل جزءا أساسيا من الحل. وحتى في البلدان التي لا تعاني من المشكلات الديمغرافية ذاتها، بوسع المهاجرين أن يصبحوا قوة دافعة لتحقيق النمو الاقتصادي وتحفيز التفاعل الاجتماعي.

وفي عالمنا غير المتكافئ، تفتقر أعداد كبيرة من الآسيويين والأفارقة وسكان أميركا اللاتينية إلى فرص تمكنهم من تحسين أوضاعهم كتلك المتوافرة لسكان البلدان الغنية، تماما كما كان الحال في العالم الجديد الذي استقطب عشرات الملايين من الأوروبيين. ولكل البلدان الحق في اتخاذ القرار بشأن قبول المهاجرين طوعيا (باستثناء اللاجئين الرسميين، الذين يحق لهم طلب توفير الحماية بموجب القانون الدولي). ولكن من غير الحكمة أن تغلق البلدان الغنية أبوابها أمام المهاجرين. فذلك لن يؤذي مصالحها الاقتصادية والاجتماعية المستقبلية فحسب، بل سيدفع بأعداد أكبر من الناس لاختراق حدودها من الأبواب الخلفية، عن طريق طلب منحهم حق اللجوء السياسي (الأمر الذي سيزيد العبء على كاهل المنظومة الدولية القائمة على حماية اللاجئين الفارين من أوطانهم خوفا من الاضطهاد)، أو بمساعدة المهربين، ما يعرض حياتهم للوفاة أو الإصابات أثناء محاولات التهريب اليائسة على متن القوارب والشاحنات والقطارات.

وتعد الهجرة غير القانونية مشكلة حقيقية، وتحتاج الدول إلى المزيد من التعاون في جهودها لوقفها، لاسيما اتخاذ إجراءات صارمة ضد المهربين والمتاجرين الذين ينفذون الجرائم المنظمة، ويستغلون الأوضاع الحرجة. ولكن مكافحة الهجرة غير القانونية يجب أن تأتي كجزء من استراتيجية أكثر شمولا، فلابد أن توفر البلدان قنوات حقيقية للهجرة القانونية، وتسعى إلى تعزيز مصالحها، وصون الحريات الانسانية الأساسية للمهاجرين في الوقت ذاته.

كما أن البلدان الفقيرة قد تحقق منافع من الهجرة أيضا، إذ تدفق على البلدان النامية ما يقارب 88 مليار دولار خلال العام 2002، وهي قيمة تفوق حجم المساعدات الدولية التي تتلقاها تلك البلدان - والبالغ حجمها 57 بليون دولار - بمعدل 54 في المئة.

وبالتالي فإن الهجرة تعد قضية تعاني منها جميع البلدان، ويتطلب الأمر مزيدا من التعاون الدولي. وبوسع اللجنة المعنية بالهجرة الدولية التي تم إنشاؤها أخيرا وترأسها شخصيتان بارزتان من السويد وجنوب إفريقيا، أن تقدم المساعدة في صوغ المعايير الدولية والسياسات الأفضل لإدارة الهجرة بما يحقق مصالح الجميع.

وينبغي ألا نغفل عن الاعتراف بالمساهمة الهائلة التي يقدمها ملايين المهاجرين للمجتمعات الأوروبية الحديثة، وإلى كل المجتمعات في أرجاء المعمورة كافة. ولقد أصبح الكثير منهم قادة في الميادين الحكومية، وفي العلوم، والأنظمة الأكاديمية، والرياضية والفنون. وبدونهم، قد تصبح الأنظمة الصحية قاصرة في توفير الموارد البشرية، وستبقى الكثير من الوظائف شاغرة بما فيها تلك التي توفر الخدمات، ولذلك، فإن المهاجرين يعتبرون جزءا من الحل، لا جزءا من المشكلة.

فعلى الذين التزموا بتحسين مستقبل أوروبا وتحقيق الكرامة الإنسانية أن يقفوا مواقف مناهضة للنزعات التي تجعل من المهاجرين أضاحي فداء للمشكلات الاجتماعية. فالغالبية العظمى من المهاجرين يساهمون في الإنتاج الصناعي، ويطمحون في الحصول على فرص عادلة لأنفسهم ولأسرهم ولا يرغبون في الحصول على لقمة سائغة مقابل لاشيء. كما انهم ليسوا مجرمين ولا إرهابيين، بل هم ملتزمون بالقوانين. ولا يفضلون العيش بمعزل عن الآخرين. بل يحبذون الاندماج، مع الحفاظ على هويتهم المستقلة.

ومع حلول القرن الحادي والعشرين، فإن أوروبا لازالت منطقة يحتاج إليها المهاجرون، وأوروبا بحاجة إليهم أيضا. ولذا فإن إغلاقها امامهم سيجعل منها مكانا أكثر قسوة وفقرا وأضعف حالا وتراجعا نحو الماضي. وبالمقابل، إذا انفتحت أوروبا أمامهم، فإنها ستصبح مكانا أكثر عدالة، وثراء، وقوة، وتجديدا»

العدد 510 - الأربعاء 28 يناير 2004م الموافق 05 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً