العدد 2708 - الأربعاء 03 فبراير 2010م الموافق 19 صفر 1431هـ

غيمة مثقلة بالشعر تجبرك على الدهشة

شهادات في رحيل الشاعر عبدالله حماد

أن يرحل الإنسان عن هذه الحياة فتلك سنة لا مفر منها، لكن لكل إنسان قصة يخلفها وراءه، ومحبون يروونها من بعده ربما لأنهم ساهموا معه في صنع قصته، وساهم هو في صناعة قصصهم، ولذلك ليس غريبا أن ينبري كل منهم ليعود من بعده فيسرد الحكاية، ربما في شهادات وكلام كثير، فكيف إذا كان الراحل شاعرا له في قلب محبيه مكانة يعرفونه بها، وفي هذا الملف كان لفضاءات أربع وقفات مع أربعة من شعراء الشعر الشعبي مقدمين فيها شهادات في رحيل الشاعر عبدالله حماد، إذ أشار الشاعر إبراهيم المقابي إلى أن حماد كان إنسانا قبل أن يكون شاعرا، أما الشاعر أحمد درويش: فرأى في حماد شاعرا مغايرا يجبر على الدهشة، أما الشاعر أحمد مطلق فوصف حمادا بغيمة الشعر المثقلة بالمطر، فيما أشار الشاعر يونس سلمان إلى أن حمادا كان شاعرا استثنائيا.


المقابي: عرفته إنسانا قبل أن أعرفه شاعرا

وفي شهادته أشار الشاعر إبراهيم المقابي إلى عبدالله حماد... بقوله عرفته إنسانا قبل أن أعرفه شاعرا... إنسان مرهف الحس صريح العبارة أبيض القلب... إن أزعجتك يوما صراحته فإنك حتما ستعود إليه لتشكره عليها وتعترف له بأنه قد أهدى إليك شيئا ثمينا.

وعن شاعرية حماد أشار المقابي إلى أن حمادا كان شاعرا متميزا ذا مدرسة شعرية جميلة في الشعر الشعبي قل نظيرها في البحرين - إن لم تكن هي الوحيدة - التي اتسمت بالرمزية الجميلة، والاستعارة المتمكنة من الكلمة التي تعكس الألوان المبهرة... فأنت عندما تقرأ قصيدته كأنك تناظر لوحة فنية لفنان ماهر أتقن اختيار الألوان والمساحات، وهكذا كانت رمزيته متقنة وملفتة في نفس الوقت.

أذكر حمادا وهو يقول :

للصمت أحيـــــان ضجــــة تزعج البلبلة

وأحيان للصمـــت هيبه زي هيبــــة إمــام

لو للهـــداوة مجــــال تجيك مستعجلــــــة

مثل اكسجين ارتمى باقصى حدود المسام

وأضاف المقابي كنت أسمع آراء الكثيرين في قصائده ودهشتهم من قدرته على تطويع الكلمة كيف يشاء... وهذا ما حفزني على أن أطرق بابه وألج في مملكته الخاصة من خلال الكلمة... وكان لي ما أردت وكم أكون سعيدا عندما تصلني منه رسالة فيها بيت أو بيتين من الشعر... على هذا المنوال تمكنا من إخراج قصائد ثنائية مشتركة جميلة كانت هي الأولى من نوعها تقريبا في البحرين.

وتابع المقابي، من خلال هذه القصائد تعرفت على حماد أكثر وأكثر واستطعت أن أصل إلى بعض المكامن الغامضة في حياته والتي قد لا يفصح عنها علنا... لكني أراها في كلماته الممزوجة دائما بمشاعره... وهكذا جمعتني معه أمسيات جميلة في بعض الملتقيات الشعرية مثل الملتقى الأهلي ومركز جدحفص الثقافي ونادي اتحاد الريف بالإضافة إلى تلاقينا على الشبكة العنكبوتية.

وقلت:

الشعــــور فـ.. برد في ليــــل اصطيـــاف

ما يبـــــرر لاشتعـــال المجمــــرة

قـــــــوم خـــل نعبر حـــدود ولا نخــــاف

ولو عصـــانا الوقـت نقدر نكسـره

فعارضني:

قصدك اعدل لك مســــار الانعطــــــاف

في زمــن ما عـــــــاد وقته يعبره

مبتداك أمســــــا مع الواقـــــع مضـــاف

والمضــارع يرتجيك... تأخــره

عرفته كاتبا ناقدا... لا تأخذه لائمة، وذا قلم نافذ صريح، يعرف متى يكتب ومتى يشح عن الكتابة ومتى تغضب كلماته ومتى تهدأ، على الرغم من ذلك كان أحيانا غامضا قل من يفهم ما يريده الحماد وهذا سر من أسراره الجميلة، إذ يعرف كيف يتلاعب بفكر القارئ عندما يجعله يتحير في فهم مقصده.

وعن أيام الشاعر الأخيرة أشار المقابي إلى أن هذه الأيام كانت شاهدا على شجاعة فارس... فعلى الرغم من استفحال المرض وانتشاره في جميع أجزاء بدنه إلا أنه كان يرتدي رداء الشجاعة والتسليم إلى الله في أمره، هادئ البال، رحل بهدوء، وترك فراغا كبيرا في محيط أسرته وأهله وأصدقائه، لكنه ترك بصمة لا تنسى أبدا بين محبيه، على الرغم من اعتصار الألم في النفوس.

حماد:

أنا أحوالي كما كانت هي أحوالي بلا تبديل

فقط زادت شوية هم... وصار الحزن مصيافي

ولكني رغــم همي... أحس بداخلي تبجيل

أزيح الهم من غبة بحوووووري لآخــر أسيافي

هذه لحظة تفصل بين الموت والحياة، بل نفس إن صعد لا ينزل وإن نزل لا يصعد، حسبنا أن نفارق أحبة ونواريهم التراب، ولا يرتد إلينا صدى الحديث معهم حيث لا منفذ. هذه المرة ترجل الفارس ليخطو خطوة نحو الحياة الأخرى، حيث لا صديق ولا حميم، ولكنها سنة الله في خلقه ولا اعتراض على أمر الله، وكل ما يحزننا أننا دائما نكون على غير موعد مع الموت وزياراته المفاجئة التي عادة ما يختار فيها أعز وأثمن ما نملك (الأصدقاء الطيبون).


درويش: حماد شاعر مغاير يجبر على الدهشة

وفي شهادته أشار الشاعر أحمد درويش إلى أن الكلام قد يعجز إذا وقف عند ذكر أحد أهم الأسماء في الساحة الشعرية بمملكة البحرين، فلا أعرف حقا من أين أبدأ هل من كونه صديقا حميما لي شخصيا ولكل من حوله؟ أو كونه شاعرا فذا من أهم الأسماء الشعرية؟ أو كونه ناقدا وموجها تعلمت منه الكثير؟

رحم الله عبدالله حماد الصديق فقد كان صديقا لكل من حوله وفيا للصداقة محافظا عليها وبالنسبة لي أنا شخصيا كان صديقا وأخا أكبر لا أمل محادثته أو الاستماع إليه لأنه بحديثه يسلب الأسماع والأبصار برضا وقبول منها، بالإضافة إلى ذلك كان - رحمه الله - صاحب ابتسامة لا تفارقه وصاحب ضحكة كأنما نقشت على محياه نقشا هذا وقد دامت صداقتنا قرابة العشر سنوات.

وعن شاعرية حماد أشار درويش إلى أن حمادا من أهم الأسماء الشعرية في مملكة البحرين وذلك لأنه رفض كل ما هو تقليدي أو يفتقر إلى الابتكار فتمرد وحلّق خارج السرب وكان من نتاج ذلك أنه أتى بشعر مغاير يجبر على الدهشة من أول وهلة تسمعه أو تقرأه فيها حتى أصبح من رواد التجديد والتحديث في الساحة ولم يأت ذلك من فراغ فقد أتى بعد تجاربه لعدة سنين حتى تراكمت خبراته، وقد أهداني ديوانه «المسا... فات» فتعلمت واستفدت منه الكثير.

وأضاف درويش منذ بداية معرفتي به - رحمه الله - من العام 1999 وأنا أطلعه على كل جديد لدي فكان من أوائل الناس الذين يسمعون قصيدتي أول ما اكتبها وكانت آراؤه دافعا ومحفزا لي على تقديم الأجمل دائما حتى نضجت وكبرت مع آرائه وتوجيهه، وعندما أصدرت ديواني الأول وكان أيضا من أول الناس الذين أهديتهم ذلك الديوان وقد استفدت من آرائه الكثير والكثير، وكان أول اسم اقترحته لكي يكون مقدما لي عند تدشين الديوان في ديسمبر/ كانون الأول 2007 ولكن لظروف مرضه وسفره فلم يستطع الحضور، رحم الله الشاعر عبدالله حماد رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته وألهم أهله وألهمنا أيضا الصبر والسلوان.


المطلق: حماد غيمة مثقلة بالشعر

في شهادته أشار الشاعر الشعبي أحمد المطلق إلى حماد بقوله عرفته إنسانا بمعنى الكلمة، قبل أن يكون شاعرا مشاكس اللون والصورة يبقى دائما جميلا... سماؤه صافية كقلبه المبلل بالرذاذ الأبيض الدافئ المشحون بالأسئلة، عندما نلتقي أرى تلك الابتسامة على وجهه مثل النور بدون أن يشعرك بظلامه المؤلم والموحش القاسي بسبب ذلك المرض اللعين.

وأضاف المطلق إن عبدالله حماد هو غيمة الشعر المثقلة بالمطر الغزير الذي لا يتوقف أبدا، أحببته صديقا وفيا لا يحمل في قلبه إلا الخير والعزة والكرامة الشامخة لهذا الوطن وإنها لخسارة كبيرة رحيله عنا، لكن هذه الأقدار فجعتنا، وهذه حكمة الله.

وعن شعره أشار المطلق إلى أن شعر حماد كان من التجارب المهمة في الشعر العامي وكانت له الكثير من البصمات، وأنا من أشد المعجبين بتجربته التي أثرت الساحة وقد كانت له قيمته في مختلف التجارب التي قدمها في شعره. والعلاقة التي تربطنا به كبيرة جدا فقد كانت تجمعنا به الكثير من الأمسيات الشعرية في البحرين أو خارجها، وإني أعتبره من التجارب التي أثرت الشعر البحريني الشعبي.

وختم المطلق شهادته بقوله ظل الشاعر عبدالله حماد غنيا بما تحمله الكلمة من معاني من الناحية الإنسانية، فكره راسخ، وعنده قدرة على التلاعب بالمتضادات واللعب بالمتناقضات، وصوره مركبة وعنده قدرة على استخدام المأثور الشعبي بشكل جميل وتجربته تعد من التجارب المهمة في الشعر الشعبي وكان فرس رهان أو ما ظهر في الأضواء وأخبار الخليج، وأهم مميزاته أنه قبل أن يكون شاعرا كان إنسانا لا يحمل أي ضغينة ونكتته يحملها بشكل مشاكس، وهو محمل دائما بثقل وهموم الساحة البحرينية قبل أن يحمل همه وكان متميزا في قلمه حين يكتب عن بعض القضايا، يعجبني كثيرا حين يكتب عن قضايا الشعر وغيره.


يونس: كان حماد شاعرا استثنائيا

وفي شهادته أشار الشاعر يونس سلمان إلى أن حماد أبى إلا أن يرحل شاعرا استثنائيا وبشموخ وعزة وكرامة، وفي زيارتي الأخيرة له سألته عن أولاده فقال: وردة وخمسة عصافير حتى جوابه ما كان تقليديا، ولكنه كان استثنائيا كعبدالله حماد، هو شاعر منفرد حتى في كلماته الأخيرة، أعطى الكثير للساحة دون أن يأخذ منها شيئا، عبدالله حماد أسلوب راق في الكتابة وشعر زاخر ويحمل الكثير من الصور الجميلة، وكان سابقا عصره كثيرا وأعتقد أن التجارب القادمة ستلاحقه حتى بعد عشر سنوات، ولعل أهم قصائده بالنسبة لي «أمسي مثل يومي وباجر مثلهم» هذين البيتين أحفظهما من قصيدته روتين التي بقيت في ذاكرتي، لقد كان عبدالله يعاني المرض مدة طويلة ولم نعرف عنه إلا في وقت متأخر... هكذا لم يكن يرغب أن يعرف أحد عنه ذلك، إذ لم يكن يرغب أن ينظر له أحد بعين العطف هكذا هي عزة الشاعر، كان صديقا وكان دائما يقول «أنا زين» الحمد لله أنا بخير.

العدد 2708 - الأربعاء 03 فبراير 2010م الموافق 19 صفر 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً