مازلت أذكر دفاعه المستميت عن ملحق «ريضان» بعد احتجابه. اتصل برئيس التحرير، منصور الجمري، ورفع عريضة وقع عليها عشرات من الشعراء. كان ملحق «ريضان» بمثابة متنفس له. كان يدافع عن البقع المضيئة في هذا الوطن. يدافع عن حقوق زملاء له، بعضهم أساء إليه. لم يكن يقبل على نفسه النيل والإساءة لأحدهم في غيابه، على رغم الأذى الذي لحقه من بعضهم. كان نبيلا في روحه قبل نصه. كبيرا على الصغائر والصغار. لم يعر اهتماما لما يصدر عنهم؛ لأن مثل ذلك الاهتمام يضعه في خانتهم.

ليس فقط دفاعه عن البقع المضيئة في الوطن ما كان يشغله. كان يشغله انحسار جمالية في عالم يحياه ويتنفسه (جمالية النص). يتحول بكل سنواته، وما عاناه من تدهور في صحته إلى طفل حين تصله قصيدة عبر رسالة نصية. يظل يحتفي بها وبأصدقائه الذين أحبوه وبجَّلوه واعتبروه أبا روحيا، وحكيم القصيدة الشعبية في مملكة البحرين وأحد روادها الكبار.

لكأنَّ معمار ومضمون نفسه وروحه تمثلا في معمار ومضمون نصه بكل تشابكهما ودقتهما وروعتهما وفرادتهما.

ظللت أسأل نفسي لسنوات بعد معرفتي به: أنَّى لحَضَريٍّ كل هذا الزخم في المفردة والإيقاع في دقتهما من حيث التوظيف والدلالة، وهو بعيد كل البعد عن مفردة وإيقاع وحتى دلالات البيئة الطبيعية التي انبثق منها هذا الضرب من الشعر؟

أسئلة لم تك تهدف إلى الوقوف على ظاهرة عبدالله حماد، أو إبراهيم المقابي وغيرهما لأنه ثبت أن استواء الموهبة وانفتاحها على التجارب المحيطة بها من بيئات مغايرة يمكن أن ينتج عنهما (الاستواء والانفتاح) منجز شعري يكون على قدر كبير من القيمة في جانبه الفني والجزالة، إن لم يتجاوزه في صورة من الصور.

لم يك حمَّاد شاعرا عابرا من حملة الشنط في أروقة الصحف. كان نبيلا في روحه ونصه ورؤيته وعمقه وتعاطيه مع الحياة والأصدقاء والناس وقضايا زمنه ووطنه. كان حرا في روحه ونصه، متميزا في الحضورين معا.

سنفتقد مشاكستك... رفضك... أنفتك. سنفتقد ضحكتك المجلجلة عبر الهاتف وأنت تذكر الأصدقاء ومقالبهم. تذكر انفلاتهم الحميم والبريء. سنفتقدك يا حكيمنا الذي علمنا «السحر». سحر محبة الناس، وسحر الترفع عن الصغائر والأذى، وسحر نسيان الإساءات، وسحر الحضور في ذروة الغياب.