العدد 2708 - الأربعاء 03 فبراير 2010م الموافق 19 صفر 1431هـ

اليوم الخانق في البحرين

أحمد العنيسي comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في الحقيقة كنت مترددا وأنا أكتب عن ما يعرف بـ«غازات المعامير»، وذلك بسبب أن هذا الموضوع قد مل الناس منه وتشبعوا من الكتابات والنقاش حوله في أروقة مجلس النواب ومجالس البيئات المختلفة وأيضا الهيئة العامة لحماية البيئة ومن كثر ما كتب حوله في الصحف المحلية أيضا، ولكن كنت في زيارة لأحد المجالس في منطقة سترة وإذا الموضوع يدار ويناقش بقوة، حيث استحوذ على حفيظة الحضور علما بأنه ليس المرة الأولى التي تشتم روائح الغازات السامة وتدار حولها النقاشات بالمجالس.

وهذا الموضوع بالذات نوقش في مجالس سترة على مدى الشهر الماضي ولكن ذلك اليوم كان الأقوى وأكثر تركيزا ووضوحا وكنت ممن أبدى رأيه حول ذات الموضوع مستهلا حديثي حول أنواع الغازات الناتجة من مصانع التكرير والتفاعلات الكيميائية وقال لي أحد الحضور، نحن لا نريد مناقشة التفاعلات الكيمائية المنظورة، فهو من اختصاصكم ولكن نريد من الغيورين والمختصين في هذا البلد أن يقفوا وقفة حق وإنصاف ويحاولون وقف هذه التفاعلات الكيميائية التي تذكر، والاتصال بمؤسسات المجتمع المدني كلجنة حماية البيئة والحياة الفطرية والتكتلات البيئية المختلفة كما طالبونا بعمل تكتل ستراوي يهتم بحماية بيئتنا ويدافع عن حقوقنا وحياتنا لأن ليس هناك أغلى من حياة البشر.

لذا نبعت في نفسي ومضات دفعتني لكتابة هذا المقال وإن كنت اعرف سلفا بأن هذا المقال لن ينال حظوة الاهتمام، لقلة المهتمين بهذه القضية، وكما يقال «لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي»، ولكن هناك دافع ذاتي واهتمام بهموم الناس والأهالي دفعني للكتابة عن ما يعرف بـ «اليوم الخانق للبحرين» الذي صادف في 1-2-2010.

عموما في اليوم التالي عند وصولي الى العمل تفاجأت بأن الزملاء في نقاش حاد حول هذا اليوم الخانق، وقد كنت أيضا لا أود المشاركة في الحديث عن هذا الموضوع إلا أن أحد الزملاء بادرني بسؤال: أين دوركم يا اختصاصيي البيئة؟ فأجبته قائلا بأن البيئة هم مشترك ومشكلة عامة وتخص الجميع، فكما خصت هذه المشكلة جزيرة سترة فقد عمت المدن والقرى المجاورة بل جميع مناطق البحرين، فنحن مشتركون في النفع والضرر.

ما أريد قوله انه مما دفعني للكتابة حول هذا الموضوع الحساس هو الوازع الديني والأخلاقي والحس الوطني والمسئولية الملقاة عليَ كأحد المهتمين بشئون البيئة، فضلا عن الضمير الإنساني الذي حركني للاهتمام بأمور الأهالي، والدفاع عن حقوق الناس مطبقا الحديث الشريف «من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم».

بعيدا عن الأسباب التي دفعتني للكتابة حول موضوع «الغازات تخنق البحرين» ولندخل في صلبه بطرح هذه الأسئلة: ما اسم هذه الغازات وكم عددها؟، وكيف تتشكل؟ وما العوامل التي تساعد على انتشارها؟ وهل نستطيع الحد منها وقياسها؟ وما هي مضارها على البشر؟

للإجابة عن هذه التساؤلات، هناك أكثر من 100 نوع من الغازات تقذفها المصانع ولكن سوف نركز على أخطرها والأكثر تركيزا في الجو وأكثرها ضررا وهي كالتالي أول وثاني أكسيد الكبريت وثاني أكسيد النيتروجين وأول وثاني أكسيد الكربون أكسيد الكربون وتتشكل بتفاعلات كيمائية مختلفة يدخل فيها عنصر وجزئي الكبريت والنيتروجين وأيضا حمض الكبريتيك، والكبريت، والنتروجين والأمونيا وحمض النتريك... الخ.

تتشكل معظمها بتفاعلات الأكسدة والاختزال ولنركز على أخطرها والتي تبعث من مصانع التكرير وهي مركبات الكبريت المختلفة:

1- تتشكل بحرق أو بتفاعل مادة الكبريت التي تنتجها المصانع مع الهواء وخاصة عندما لا تحفظ جيدا بعيدا عن الهواء، كما توضح المعادلة التالية:

S8 + 8 O2 8 SO2

2 - تتشكل من احتراق ثاني هيدروجين الكبريت:

2 (H2S(g) + 3 O2(g) 2 H2O(g) + 2 SO)(g

3 - تحميص خامات كبريتيد مثل بيريت، سفاليرايت، كبريتيد الزئبق أيضا وينتج منها غاز ثاني أكسيد الكبريت (SO2).

4 FeS2(s) + 11 O2(g) 2 Fe2O3(s) + 8 SO2(g)

2 ZnS(s) + 3 O2(g) 2 ZnO(s) + 2 SO2(g)

HgS(s) + O2(g) Hg(g) + SO2(g)

والعوامل التي تساعد على انتشارها كثير منها الرياح والحرارة أو أي شيء يؤدي الى التفاعل الكيميائي من العوامل المحفزة، ولكن السؤال المهم كيف يمنعها من الانتشاء واحتوائها والحد من انتشارها فهناك طرق كثير للحد منها واحتوائها ولا تكلف الكثير ومنها على سبيل المثال لا الحصر بأنه يجب إصلاح الأنابيب والتوصيلات لمصانع التكرير، وأيضا وضع فلاتر لامتصاص الغازات كما يجب عمل تفاعلات كيميائية في المصانع تقلل من تركيز الغازات السامة أو تحويلها إلى غازات اقل ضررا قبل قذفها بالجو أو تحويلها الى أملاح.

ويمكن احتوائها والحد منها بواسطة التفاعلات الآتية:

1 - وذلك بتفاعلها مع محلول قاعدي لتعطي أملاح السلفايت

SO2 + 2 NaOH Na2SO3 + H2O

2- بواسطة الأكسدة: الغاز يتأكسد بواسطة الهالوجينات ليعطي كلوريد السلفرايل، حيث يعتبر ثاني أكسيد الكبريت عامل مختزل.

SO2 + Cl2 SO2Cl2

3- بتفاعل الغاز الذي يعتبر عامل مؤكسد مع كبريتيد الهيدروجين ليعطي ناتج عنصر السلفر الخام حسب المعادلة التالية:

SO2 + 2 H2S 3 S + 2 H2O

وتتسبب هذه الغازات العالقة بالجو والتي تتعدى 100 نوع والتي معظمها تنبعث من المصافي ضررا للبشر، ويمكن أن تسبب تلفا دائما للدماغ والخلايا والأوعية الدموية لتصل حتى الموت.

ومن الأمراض التي يمكن أن تسببها هذه الغازات أيضا مشاكل في الجهاز التنفسي (مثل الربو، والسعال، وألم في الصدر والاختناق والتهاب الشعب الهوائية)، والتهابات الجلد، والغثيان، ومشاكل في العين، والصداع، والعيوب الخلقية، واللوكيميا، والسرطانات لجميع الفئات العمرية إلا أن الأطفال الصغار وكبار السن هم الأكثر تضررا حيث أظهرت الدراسات بأن القريبين من مصانع التكرير يعانون من الأمراض أعلى من البعيدين عن مصانع التكرير وآخر دراسة أجريت في دوربان في جنوب إفريقيا، أظهرت أن أطفال المدارس في مدرسة تقع بالقرب من مصفاة يعاني ما بين 30 في المئة و40 في المئة من مشاكل في الجهاز التنفسي من الأطفال الذين يعيشون أكثر من 10 كيلومترات.

أضف إلى ذلك بأن النفط الخام والفحم المكرران في المصانع يحتويان أساسا على كميات عالية نسبيا من الكبريت، (في حين الغازات الطبيعية تحتوي على أقل من الكبريت، وبالتالي أكثر أمانا).

وعندما يتم تسخين النفط الخام والفحم في مصفاة لإنتاج الوقود مثلا، يتشكل الكبريت، ومن ثم يتم تحويله أو يتحول تلقائيا بتفاعله مع الهواء إلى غاز ثاني أكسيد الكبريت، وهذا هو غاز عديم اللون ذو رائحة نفاذة للغاية أشبه برائحة البيض الفاسد وهذه نفس الرائحة التي عمت أرجاء البحرين، ورمزه SO2 وهذا الغاز يختلط بسهولة في الماء، بما في ذلك الرطوبة في الهواء لتكوين حوامض مختلفة مما يتسبب في هطول الأمطار الحمضية والندى في الصباح الباكر التي تسبب ضررا كبيرا على البشر والمعادن والأحجار، والبيئة بشكل عام.

وختاما هناك اشتراطات بيئية من منظمة الصحة العالمية تحكم نسبة انبعاث الغازات ومنها هذا الغاز بنسبة تفوق 82,000 كجم يوميا بالمقابل فإن مستوى قذف مصافي الدول الأوروبية لا تتعدى 2000 كجم يوميا، كما تنص المادة 48 من الباب الرابع في القوانين البيئية لدول مجلس التعاون بأنه يلزم المنشآت في ممارستها لأنشطتها بعدم انبعاث أو تسرب ملوثات الهواء بما يجاوز الحدود القصوى المسموح بها والتي تحددها اللائحة التنفيذية.

وأيضا هناك قوانين تحدد مستوى الغازات المختلفة في الجو تعرف بقوانين التحكم في تلوث الهواء حيث تلزم أصحاب المصانع بالتقييد بها والتي لا يسعنا التطرق إليها في هذا المقال وبهذه العجالة.

ومن المعروف أيضا ولابد من ذكره هنا هو إن غرف المراقبة لا تعطي قراءات دقيقة، وإن اتفقنا جدلا بأن قراءات بعض الغرف دقيقة، إلا أن هذه الانبعاثات المتسربة من الغازات تهرب من خلال الثقوب في الأنابيب والمعدات والتوصيلات.

وفي كثير من الأحيان تكون كمية الغازات القادمة من الانبعاثات الهاربة من خلال الثقوب هي أعلى بكثير من التي تخرج من المداخن، ومعامل التكرير ليست مطلوبة لرصد الانبعاثات الهاربة ولا تستطيع ذلك، فيجب على من يحرص للحصول على قراءات دقيقة، إصلاح الأنابيب والتوصيلات المثقوبة (إن وجدت طبعا) لتجنب الغازات الهاربة من خلال هذه الثقوب كما يجب حفظ خام السلفر حفظا جيدا بعيدا عن الهواء لكي لا يتحول إلى هذه الغازات السامة وذلك حفاظا على حياة البشر.

إقرأ أيضا لـ " أحمد العنيسي"

العدد 2708 - الأربعاء 03 فبراير 2010م الموافق 19 صفر 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً