العدد 527 - السبت 14 فبراير 2004م الموافق 22 ذي الحجة 1424هـ

«الشرق الأوسط الكبير» (1)

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

نص مشروع «الشرق الأوسط الكبير» الذي نشرته صحيفة «الحياة» في عددها الصادر يوم الجمعة في 13 فبراير/ شباط الجاري يعتبر فضيحة سياسية - خلقية في مجمل الأمور التي تطرق لها. فالمشروع الذي قيل إن الولايات المتحدة طرحته على مجموعة الدول الصناعية الثماني، وطلبت مناقشته وإقراره في قمة الدول الثماني التي ستعقد في مدينة سي آيلاند في أميركا في يونيو/ حزيران المقبل يتضمن سلسلة نواقص في قراءة الوضع العربي - الإسلامي (الشرق الأوسط الكبير). فالتقرير يتحدث عن نواقص ثلاثة توجد في هذا التكتل الهلامي (المطاطي) الممتد من شرق الهند إلى المغرب وهي كما يراها أصحاب المشروع موجزة في نقاط ثلاث: الحرية، المعرفة، وتمكين النساء. وبرأي كتبة التقرير فإن هذه النواقص الثلاثة تساعد في حال لم تعالج على الارهاب الذي يتهدد الدول الثماني ويعرض مصالحها للخطر في المستقبل القريب. ويخلص التقرير إلى تقديم سلسلة اقتراحات يرى أنها كافية أو على الأقل تساعد على التخفيف من حدة النواقص وتحد من امكانات نمو ظواهر ارهاب وعنف في المنطقة والدول المطلة عليها.

التقرير فضيحة سياسية - خلقية بمختلف المقاييس التنظيرية والعملية. فهو مثلا يتحدث عن كتلة هلامية - مطاطية يطلق عليها «الشرق الأوسط الكبير» بعمومية بلاغية من دون انتباه إلى وجود سلسلة اختلافات في عشرات الأنظمة التي تسيّر هذه الشعوب الممتدة من الهند إلى المغرب. فهذه الدائرة واحدة ولكنها ليست موحدة في درجة تقدمها ونموها وهي متعددة في نماذجها وأدوات حكمها ووسائل عيشها وبالتالي من المستحيل جمع هذا القدر من الدول تحت عنوان واحد واسم واحد وأخيرا توصيف هذه الدائرة ضمن نمط واحد من التفكير والحلول... فهو يتحدث عن منطقة وكأنها قطعة عقار تخضع للمقاييس نفسها والمشكلات نفسها. وأيضا يتحدث عنها وكأنها كتلة بشرية معزولة عن العالم وقوانينه وظروفه وتقلباته بينما الحوادث تؤكد أن هذه الدائرة متحركة ومتفاعلة مع تحولات العالم وانقلاباته وصراعاته الدولية ومختلف التداعيات الناجمة عن تلك التغييرات.

هذا العالم (الشرق الأوسط الكبير) الذي يتحدث عنه كتبة التقرير ليس خارج الفضاء الكوني ولا العولمة وليس ضد التاريخ والجغرافيا والتقدم والنمو بل هو جزء أساسي من هذه الفضاءات وضحية من ضحايا سياسات دولية أملت على الكثير الخضوع لمزاج الدول الكبرى ومصالحها. فالمنطقة دفعت الغالي والرخيص لحماية نفسها من تهديدات كانت تصدر عن أحلاف عسكرية كبرى شطرت الكرة الأرضية إلى قسمين وكل قسم كبير انشطر بدوره إلى أقسام متوسطة وصغيرة وصولا إلى جزئيات كثيرة أسهمت في اضعاف البنية السياسية - الاجتماعية التي يتشكل منها هذا العالم الذي يطلق عليه الآن «الشرق الأوسط الكبير».

مشكلة التقرير السياسية - الخلقية انه يعتمد كثيرا على التعميم من دون تدقيق، ويميل نحو التوصيف وقراءة النتائج وتغييب الأسباب وأخيرا تجهيل الفاعل وطمس المسئولية من خلال التباكي المصطنع (دموع تماسيح) على وضع هناك شبه اجماع على مأسويته وسلبياته وثغراته وفجواته. فهذا الانهيار المريع والتداعي على مستوى التنمية الاقتصادية - البشرية ليس نتاج ساعات من الزمن بل نتيجة سنوات وعقود من التراكم السلبي.

وهذا الانهيار لا تتحمل مسئوليته العوامل المحلية فقط بل هناك مجموعة عناصر مركبة راهنت على القوى الاقليمية لانتاج سياسة تتناسب مع مصالح الدول الكبرى وشركاتها القابضة والمتعددة الجنسية. فالتقرير يتعمد تغييب العامل الدولي (نظام العلاقات وشروطه) عن خلفية الصورة لتظهر المسألة وكأنها نتاج ثقافات محلية (دين وعادات وتقاليد) لا صلة للفضاءات الدولية في انتاجها أو تشجيعها وتسليحها بعناصر القوة والمال.

التقرير كارثة سياسية - خلقية فهو من جهة يكتفي بالتوصيف ولا يتحدث عن الأسباب، ويطرح النتائج من دون تحديد مقدمات الموضوع، وينتهي إلى نهايات من دون توضيح بدايات المسألة.

هذا النوع من التقارير التوصيفية (بغض النظر عن صحة استنتاجاته) يكشف عن نزعة سياسية هجومية تريد استكمال خطوات بدأتها منذ فترة وتحاول متابعتها بأساليب جديدة ولكنها خبيثة. والقراءة الخبيثة المغلفة بالبكاء وذرف الدموع على منطقة أسهمت الولايات المتحدة في سفح دمها يؤكد من جديد أن واشنطن مستمرة في استراتيجيتها التدميرية (تحطيم البنى السياسية - السكانية لهذا العالم) من دون اعتذار عن سياسات دولية قادت الإدارات الأميركية خلالها سلسلة حروب عدوانية ضد المنطقة بدءا من الخمسينات إلى مطلع القرن الجاري. وهذا موضوع آخر للقراءة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 527 - السبت 14 فبراير 2004م الموافق 22 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً