العدد 2351 - الأربعاء 11 فبراير 2009م الموافق 15 صفر 1430هـ

قنسرين... العمل الذي أجبرنا أن نقف أمامه بإكبار وتقدير!

من وفق وحضر لمشاهدة مسرحية قنسرين، سيجد نفسه أمام عمل رائع وكبير في مختلف الجوانب الإنسانية والتاريخية والإبداعية والحضارية، والعمل يدل دلالة واضحة على حنكة مؤلف المسرحية وسعة وعيه وثقافته التاريخية والإنسانية التي استطاع بواسطتها أن يلاقي بين حضارتين كبيرتين، الإسلام والمسيحية، وبين بذكاء خارق البعدين الإنساني والروحي اللذين يجعلان الحضارتين تلتقيان عند نقطة مركزية واحدة، والتي حددها المولى جلت قدرته لتكون ملتقى للأديان السماوية جميعها، وجعل مأساة الإمام الحسين عليه السلام المحور الذي تتمحور حوله جميع الحضارات الإنسانية باختلاف أصنافها وفئاتها وتياراتها ومشاربها العقائدية. قبل مشاهدة فصول المسرحية جلسنا نتأمل في الديكور الذي صنعته أيد شبابية مبدعة من أبناء هذا الوطن الطيب، لم نأسف على وجود ذلك الإبداع الشبابي الرائع، ولكن أسفنا على عدم استثماره، وتنميته كما هو مطلوب وطنيا وأخلاقيا، شددنا طويلا لحسن الأداء في القول والحركة، تصورنا أنفسنا أمام ممثلين لهم باع طويل في مجال التمثيل، ولسنا أمام مجموعة من الشباب المبدع الذي بإرادته وعزيمته التي لا تلين، تجاوز العقبات وصنع المستحيلات وتخطى الصعاب، لهذا تمكنوا بإتقانهم وتفانيهم أن ينقلوا الفكرة إلى واقع نشاهده بأم أعيننا، نحن لا نتحدث عن شباب ليس لهم عمل غير التمثيل، فهم جميعهم -إن لم يكن جلهم- يعملون ويكدحون في نهارهم من أجل يؤمنوا لأنفسهم ولأهلهم حياة كريمة، ولو حاولنا التحدث عن المؤثرات الصوتية والإضاءة، لقلنا بكل وضوح وصراحة أن الشباب الذين يقفون خلف إدارة الإضاءة والصوت كان لهم الأثر الكبير في نجاح العمل بكل جوانبه، والذين جسدوا الشخصيات بمكياجهم المتقن والمبدع، تركوا المكياج والملابس يحكيان عن مجتمعات سمعنا عنها ولم نرها، كل ما شاهدناه كان لوحة إبداع في التأليف والإخراج والتمثيل والمكياج واختيار الملابس ومؤثرات الإضاءة والصوت، والإعلام الذي كان له الدور البارز في الترويج إلى هذا العمل الكبير قبل مدة طويلة، ليس لنا إلا أن نقف أمام أولئك الشباب الطموح والمبدع لنقدم لهم أزكى الكلمات الإطرائية، ولنقول لهم بارك الله في جهودكم التي بذلتموها طوال العروض التي قدمتموها، كل ما نقوله قليل في حقكم، فأنتم قد أثبتم بأنكم سادة في العطاء وسادة في الإخلاص وسادة في الإبداع وسادة في الإنسانية، كل ما أتمناه لكم أن تواصلوا السير بخطى ثابتة، لتثبتوا للعالم أننا نتمحور حول إنسانية الحضارات جميعها، ولسنا من دعاة إلغاء الآخر، فنحن مع إنسانية الحضارات أين ما وجدت، ليس لنا الحق إفراغ في الحضارات من إنسانيتها الأصيلة، فالمسيح عليه السلام يلتقي بروحه ومبادئه الإلهية مع أهداف حفيد الرسول الأعظم (ص) بكل تفاصيلها وحيثياتها الدقيقة، ليس بين المسيح والحسين فاصل يمنع وصول أحدهما إلى الآخر، فهما يتحركان ضمن دائرة واحدة ونحو تحقيق هدف واحد، ألا وهو إصلاح المجتمع الإنساني في مختلف جوانبه الأخلاقية والإنسانية والروحية والاقتصادية. هكذا أرادت القدرة الإلهية لهما أن يكونا، على رغم البعد الزمني بين الشخصيتين الكبيرتين.

سلمان سالم

العدد 2351 - الأربعاء 11 فبراير 2009م الموافق 15 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً