العدد 2353 - الجمعة 13 فبراير 2009م الموافق 17 صفر 1430هـ

مفكرون يطالبون باعتماد «إنموذج النرويج» لثروة النفط

اختتم نحو 85 مفكرا خليجيا أمس منتدى التنمية الخليجي الذي عقد على مدى يومين في فندق كراون بلازا بالدعوة إلى اعتماد «إنموذج النرويج» بالنسبة للسياسة النفطية.

وقالت المنسق العام للمنتدى منيرة فخرو لـ «الوسط»: «إن النرويج بلد نفطي، ولكنه يعتمد سياسة يستفيد منها مواطنوه في الوقت الحاضر وتستفيد الأجيال من هذه الثروة الناضبة في المستقبل». وأوضحت «أن النرويجيين يستثمرون ثروتهم النفطية في بلادهم بمعدل 4 في المئة من قيمته الحالية، ويستثمرون الباقي لخدمة الأجيال المستقبلية، وهم يعتمدون على سياسة تؤمن بأن الثروة ملك للمجتمع الحالي ولأبناء وأحفاد مجتمعهم، وبالتالي فإنهم يخضعون صندوقهم السيادي لسلطة البرلمان، ويكشفون الحقائق عبر شفافية موثوق بها، بينما الإنموذج الخليجي فاشل لأنه لاوجود لرقابة شعبية أو تمثيل سياسي، وينتشر الفساد في كيفية التعامل مع الواردات التي يتم تدويرها عبر نماذج استثمارية تمتص فوائض المال وتضخها في مجالات لا علم لأحد بها، وهذا يضعف برامج التنمية ويهدر ثروات الوطن العامة».


في الجلسة الختامية للقاء السنوي الثلاثين لمنتدى التنمية الخليجي

مفكرون يطالبون باعتماد سياسة نفطية «تنموية»للدول الخليجية

المنطقة الدبلوماسية - علي الموسوي

أكد المفكرون والخبراء الذين شاركوا في الجلسة الختامية للقاء السنوي الثلاثون لمنتدى التنمية الخليجي الذي استضافته مملكة البحرين خلال اليومين الماضيين ضرورة أن تضع الدول العربية النفصية سياسات جديدة في كيفية تعاملها مع الثروات النفطية، ورسمها بالشكل الذي يدعم التنمية المستدامة لكل دولة، على أن يكون للمجتمع والمؤسسات دور بارز في رسم تلك السياسية النفطية.

وتساءل الخبراء خلال مناقشاتهم أمس (الجمعة)، لمتطلبات وضع سياسة نفطية صحيحة، عن السبب الذي يجعل سياسية الإدارة النفطية غائبة عن الحكومات العربية، وخصوصا أن النفط يعد المورد الرئيسي لكثير من الدول، إذ إنها مهددة ماليا إذا ما وصلت إلى المرحلة التي تسمى بـ «ما بعد النفط».

من ناحيته أوضح الباحث عبد الجليل الغربللي أن الوضع الحالي لإنتاج النفط، لا يخدم التنمية بالصورة التي يطمح لها المواطنون، وسبب ذلك غياب السياسة النفطية حتى يومنا الحالي، مبيناّ أن التحدي الحقيقي يكمن في إيجاد آلية جديدة تغيّر الآلية الحالية.

وأشار الغربللي إلى أنه: «من الممكن التحدث عن عناصر رئيسية لسياسية نفطية صحيحة، لكن السؤال يدور حول ما إذا كنّا قادرين على تحويل تلك العناصر إلى واقع فعلي».

وقال الغربللي: «السياسة النفطية هي مجموعة من القواعد والتصورات، يتم وضعها لرفع كفاءة العاملين فيها للوصول إلى الأهداف التي وضعت من خلال تلك السياسة».

وبيّن أن السياسة النفطية لابد أن تضع قواعد صارمة لأي شبهات تطرأ على الأسواق النفطية، على أن لا تستسلم للمغامرين الذين يتعاملون لأجندة خاصة، فضلا عن ضرورة وضع القواعد اللازمة لاستقرار السوق، وعدم الوقوف والتفرج على ما يحدث داخلها، أو التعامل بطريقة رد الفعل والعصبية، مبيّنا أن تلك القواعد تبعث تساؤلا عن كيفية تغيير الواقع، وعمّا إذا كان لدى متخذي القرار رغبة للسير في اتجاه التطوير، مجيبا في الوقت نفسه: «للأسف لا يمتلكون القدرة على ذلك، إذ لا توجد لديهم أهداف تنموية، فتلك القواعد بالنسبة إليهم كالطلاسم التي لا يعرفون فكها، فما يجري ضحك على الذقون فقط».

النفط رفع مستوى المعيشة

من ناحيته، أكد المفكر الكويتي عبدالله النيباري أن إنتاج النفط واكتشافه وفر مزايا كثيرة، ورفع من مستوى المعيشة، لكن وعلى الرغم من ذلك فإن الإنتاج النفطي أصابه بعض السلبيات، لأن مفهوم التنمية اتجه نحو توفير مستوى عالٍ من الاستهلاك، لدرجة أن الاستهلاك وصل إلى حد التفاخر والبذخ، وذلك ما أحدث تراجعا في التنمية البشرية والبيئية، والتباين في توزيع الدخل على المواطنين.

وأشار النيباري أنه وعلى الرغم من الازدهار، إلا أنه مازالت هناك جيوب بطالة كبيرة، والصناعة في أفضل البلدان لا تشكل سوى 6 في المئة من الدخل.

وأفاد: «قضينا 30 عاما على التشخيص، والحل يكمن في دولة المؤسسات والقانون، فالدولة الصغيرة قادرة على توفير التنمية المستدامة، إلا أننا نعيش في أوضاع سياسية معنية، وذلك ما أدى إلى عدم نجاح التجارب السياسية الأخرى»، منوّها إلى أن الانتقادات كانت تصب وتوجّه للحكومات، لكن الأمر وصل إلى القاعدة الشعبية، والناس أنفسهم، وخصوصا فيما يتعلق بسلوكهم وتصرفاتهم، إذ إن هناك اتجاه إلى سلوكيات المضارَبة، وذلك ما أثر على أداء السلطات.

وأشار النيباري إلى أن المشكلة تكمن في ضعف القوى الشعبية على صنع القرار، فالأشخاص الذين كانوا قادرين على ذلك ذهبوا للعمل كمستشارين داخل الحكومات.

وأكد النيباري أن مشروع السياسة النفطية لابد أن يأخذ بعين الاعتبار كمية الإنتاج، إذ إنه من الضروري أن تكون هناك زيادة في تلك الكميات، لكن في المقابل يجب أن تتوافر سياسة ترشيد الاستهلاك، والتي لو اتبعت منذ الستينيات لكان الوضع أفضل مما هو عليه الآن، لافتا إلى أن الصدمات الحالية سببها المنتجون وغياب السياسة النفطية.

أما الباحث عامر التميمي، فأكد أن الاعتماد على الإيرادات النفطية في الدخل والإنفاق العام، يحول دون وجود سياسة نفطية صحيحة، متسائلا عن الطريقة التي يمكن من خلالها التحرر من هذا الاعتماد، وخصوصا أن السوق يحركه الطلب في الدول المستهلكة، وبالتالي هي التي تحدد أسعار النفط في ظل ظروف محددة.

وبيّن أن الدول تهيمن على كل شيء، ولاسيما في أغلب القطاعات الاقتصادية، داعيا إلى تحرير القطاع النفطي، بحيث تخضع المشاريع الخاصة إلى دراسة جدوى، ومعرفة النتائج التي ستترتب على كل مشروع.

وقال التميمي: «إن تجربة الشركات الوطنية تثير تساؤلا عما إذا كانت ناجحة أم لا، وخصوصا مع وجود مشكلات في القطاع النفطي، وبالتالي هي بحاجة إلى الاستعانة بالشركات العالمية الكبرى في هذا المجال».

المذكرات مصيرها المهملات

وبدوره قال الكاتب الصحافي عبد الله المدني إن: «النفط بلا شك أحدث نقلة نوعية في الحياة، وأخرجها من الحالة البائسة إلى الجميلة، لكنه في مقابل ذلك كان عائقا في سبيل اندماج الدول العربية، وذلك بسبب التفاوت الاقتصادي والمعيشي بينها».

ورفض المدني إرسال أي مذكرة أو مقترح من خلال المنتدى، إلى أية سلطة من السلطات العربية، لأن ذلك سيكون مصيره سلة المهملات، إذ إن كثيرا من المذكرات التي أرسلت سابقا، كان مكانها الوحيد لدى السلطات، سلال المهملات، بحسب ما قال المدني، مفضلا أن يكتفى بالإعلان عن هذه المقترحات والمذكرات من خلال وسائل الإعلام.

وأشار السياسي الكويتي البارز جاسم السعدون إلى أن الوقت الحالي يشهد الأزمة الحقيقية في ارتفاع أسعار النفط، وذلك أكثر بكثير من زمن هبوط الأسعار، موضحا: «إذا استمر الوضع المؤسساتي على ما هو عليه الآن، فإننا سنكرر في داخل أنفسنا، وسنقر بالحاجة إلى أن يكون الشعب والحكومة في بوتقة واحدة، لأن الجميع سيعمل في اتجاه واحد وعلى المصالح نفسها، وإن لم يحصل ذلك فإننا أمام انفصام في الهدف، وذلك ما سيؤدي إلى العشوائية في الأهداف».

وبيّن السعدون أن الدولة مختزلة في سلطة صغيرة، ويجب على الشعوب أن تقنعها بأن مصالحها لن تتضرر حالة اتحادها مع شعوبها، إذ إن استمرار الانفصام في الأهداف بين الشعوب والسلطات سيكرر الأزمة ويفاقمها.

وقال السعدون: «هناك حالة من الإحباط الشديد لدى الشعوب العربية، ونحتاج إلى جرأة أكثر، لكسر الحواجز للتحدث مع السلطات ومن بيدهم صناعة القرار، بشكل واضح، وعدم وضع خطوط حمراء».

مد الجسور بين المثقفين والسلطات

من جانبه، أكد رئيس الجلسة الختامية لمنتدى التنمية الثلاثين المفكر البحريني علي فخرو، أنه لا بد من مد الجسور بين المثقفين والسلطات، وذلك لسد الفجوة الواقعة بينهما، مبينا أن عدم التوصل إلى حلول للمشكلات التي يتعرّض لها المنتدى، سببها غياب المؤسسات الوسطية بين المفكرين ومتخذي القرار.

وأضاف فخرو: «على الرغم من مرور 30 عاما على إقامة المنتدى واستمراره، إلا أنه إلى الآن لا يوجد جواب واضح حول مهمته الفعلية، أو ما يمكن أن يفعله عمليا على الساحة الخليجية والمحلية، مؤكدا أنهم لم يستطيعوا حتى الآن التأثير على أصحاب القرار.

وأفاد فخرو أن كل النقاشات والملاحظات التي أبداها المشاركون في المنتدى، تقر بأن هناك 3 مآزق حقيقية، يتقدمها الحكم، إذ ما زالت هناك إشكالية في سلطة الدولة على مستوى الفكر والفهم والتنظيم، موضحا أن أية مشكلة في المجتمع لا يمكن للسلطة حلّها، على الرغم من أنها هي التي لها القدرة والإمكانات على حل كل مشكلة.

وتابع: «المأزق الثاني لدى المجتمع، فهو غير قادر على التأثير في السلطة والتغيير، وخصوصا مع وجود الإشكالات التنظيمية والثقافية داخل المجتمع».

وأضاف «أما المأزق الثالث فيكمن في الثروات البترولية، إذ كان من الممكن أن تكون نعمة على الشعوب العربية، بدلا من كونه نقمة الآن، إذ إن السلطات تريد أن تقلب الأمور»، ذلك ما أوضحه فخرو.

وأكد أن المشكلة الحقيقية ستواجه الأجيال المقبلة، فهم سيرثون أوضاعا مأساوية، وسيأتون مع نهاية الثروة البترولية، فضلا عن فقدان الثروات البحرية والأرضية، وذلك ما سيكون بمثابة الفاجعة الحقيقية لتلك الأجيال.


تتضمن التعليم والتوسع العقاري والخلل السكاني

الكواري: 3 موضوعات مهمة مقترحة للمنتدى المقبل

كشف المفكر القطري علي الكواري عن أن هناك 3 موضوعات مقترحة، ليتم تناولها في منتدى التنمية الخليجي الحادي والثلاثين في العام المقبل، موضحا أن اللجنة التنفيذية للمنتدى اجتمعت يوم أمس الأول (الخميس)، لوضع خطة المنتدى المقبل، والموضوعات التي تهم الدول الخليجية ويمكن تناولها خلال المنتدى.

وبيّنت الكواري أن موضوع التعليم يعد أحد الموضوعات المهمة المقترحة، إذ إنه - التعليم - يصاب حاليا بتشويه وتغريب، إضافة إلى المشكلات الأخرى، وذلك يمكّن الدارسين والباحثين من كتابة أوراق عمل وإجراء دراسات موسعة في هذا المجال.

وأضاف: «أما الموضوع المقترح الثاني، فيتعلق بالتوسع العقاري الذي تشهده أغلب الدول في العالم، وخصوصا الخليجية، إذ يعد من أخطر الأمور التي يمكن أن تترك آثارا في المستقبل»، مشيرا إلى أن هذا الموضوع يمكن تناوله من خلال إثارة تساؤل عن السبب الذي يُرمى إليه من خلال التوسع العقاري، وخصوصا أنه يرتبط بحالة الاستيطان.

وذكر الكواري الموضوع المقترح الثالث، والذي يتعلق بتفاقم الخلل السكاني، إذ إن السنوات الأربع الماضية، شهدت هجرة مستمرة للوافدين، ولم يقل عددهم حتى مع انخفاض أسعار النفط.

ودعا الكواري المشاركين لطرح اقتراحاتهم ورؤاهم بشأن الموضوعات التي يشعرون أنها مهمة وتستحق أن يتناولها المنتدى في نسخته المقبلة، وذلك من خلال تقديمها للجنة التنفيذية للمنتدى.


التركيز على الشفافية والعدالة والأمانة

مفكرون يناقشون آثار الأزمة المالية على المجتمع الخليجي

المنطقة الدبلوماسية - عباس سلمان

أعطى الباحث فاروق القاسم النرويج، وهي بلد مصدر للنفط، مثالا يحتدى به للدول النفطية الأخرى في ورقة بعنوان «كيف كسبت النرويج نعمة النفط وتجنبت نقمته»، قدمت إلى منتدى التنمية الخليجي بشأن «الطفرة النفطية الثالثة وانعكاساتها على دول مجلس التعاون»، الذي اختتم أعمله أمس (الجمعة) في فندق كروان بلازا بعد يمين من المداولات التي شارك فيها نحو 85 مفكرا وباحثا خليجيا .

وبين القاسم الميزات التي تجعل النرويج من أنجح الدول المنتجة للنفط في إدارة مصادرها النفطية، إذ تم التركيز على ضرورة السيطرة على كل القرارات المتعلقة بعمليات النفط، وتوفر إدارة حكومية عادلة ونزيهة، والتمسك بمبدأ التنويع بين الشركات العاملة للاستفادة من تجاربها، والاستفادة من المنافسة البناءة بين الشركات، وتمهيد الطريق للمساهمة الوطنية من قبل القطاعين الحكومي والأهلي في عمليات النفط.

وبالإضافة إلى ذلك التزام السلطات النرويجية منذ البداية بتوازن معقول بين دور الشركات الوطنية من جهة ودور الشركات الدولية من جهة أخرى، والنجاح في خلق تعاون بناء بين شركات النفط والسلطات الحكومية، والتركيز على أعلى نسبة ممكنة لاستخلاص النفط من المكامن والنجاح في مضاعفة نسبة الاستخراج إلى 45 في المئة وكذلك التركيز على حماية البيئة والسلامة، وتحقيق مستوى تقني عالٍ للأداء في قطاع النفط.

ولكن القاسم بين أنه على رغم من أنه لا يجدر لأي بلد أن يطبق النهج النرويجي مباشرة نظرا لاختلاف الظروف، فإن دروسا كثيرة يجدر بالدول الأخرى أن تدرسها.

وأوضح أنه يجب على البلد بأسرع وقت ممكن أن يقر التشريعات والأنظمة والوثائق التعاقدية اللازمة، «ويجب خلق تنظيم محكم ومتكامل لقطاع النفط يحدد أدوار المؤسسات الأهلية والحكومية ووسائل التعامل بين الطرفين على أساس مشرع يضمن الشفافية والعدالة والأمانة الحرفية».

وأضاف «يجب على البلد أن يؤسس مؤسسات ناظمة تقوم على عمليات النفط والتأكد من التزام الشركات العاملة بتشريعات البلد وأنظمته وبشروط العقود، ولا بد للسلطات الحكومية من تجهيز المؤسسات المختلفة بالكفاءات والطاقات اللازمة للقيام بأعمالها في تطبيق سياسة النفط».

وبين القاسم الخطوط العريضة للاستفادة من عائدات النفط، من ضمنها جمع وتدقيق العوائد بدقة وأمانة تحمي مصلحة البلد في استلام حصته الشرعية، ووضع خطة شاملة للتطوير والتنمية تشمل كل القطاعات والجوانب الاقتصادية والاجتماعية، بما فيها استخدام جزء من عائدات النفط لخلق صناعات وفعاليات ذات فائدة مستديمة للمجتمع والأجيال القادمة.

كما يجب النظر في تأسيس صندوق خاص للتنمية لتمويل خطط التطوير والتنمية المستدامة، والنظر في تأسيس صندوق لأكبر جزء ممكن من فائض العائدات هدفه حماية الاقتصاد الوطني من التذبذبات في أسعار النفط ومن حالات طارئة أخرى بالإضافة إلى خدمة مصالح الأجيال القادمة.

أما المفكر الكويتي جاسم السعدون فقدم ورقة بعنوان «الأزمة المالية العالمية والنفط - توصيف الأزمة وقراءة انعكاساتها العامة وتأثيرها على النفط»، فقد أوضح أن دول المنطقة ستتضرر حتما بأزمة الائتمان العالمية، ولكن الأزمة ستظل في مرحلتها الأول - أي أزمة هبوط في أسعار الأصول- بينما سيكون قطاعها المصرفي في مأمن وسينمو اقتصادها الحقيقي ولكن بمستويات متدنية، «ولن تحدث تطورات سلبية كبيرة على مستوى عمالة مواطنيها»، في حين ستطال العمالة غير الوطنية.

وذكر أنه سيترتب على الأزمة فقدان الاقتصاد العالمي نحو نصف معدلات النمو المحتملة لو لم تحدث الأزمة، وسيترتب على الأزمة الانتقال إلى فكر اقتصادي حاكم جديد والذي سيؤدي إلى تفعيل الدور الرقابي والتنظيمي للدولة ولمؤسسات الرقابة الخاصة والعامة فيها ورقابة وتنظيم المؤسسات الإقليمية والدولية.

وتوقع أن تراوح أسعار النفط عند مستوى 50 دولارا للبرميل الواحد بل أن يراوح بعدها عند مستويات 70 دولارا للبرميل، «وعليه سوف تجتاز دول المنطقة الأزمة على المدى القصير بأقل التكاليف مقارنة بالدول الأخرى، ولكن أزمتها ستبدأ مع المدى المتوسط إلى الطويل، وهناك احتمال كبير في أن يتكرر سيناريو ثمانينيات القرن الماضي».

وأضاف «رغم وجود ما يكفي من موارد لدى دول المنطقة، ورغم أن التراث الإنساني المعاصر يقدم رؤى وحلول يمكن أن تنقل دولنا إلى مصاف الدول المتقدمة بأسرع من غيرنا من أفضل التجارب، إلا أن النموذج الموجود عاجز عن تبني مخرج».

وشبه دول المنطقة بالمشروعات العائلية «فهي مقسمة ما بين مشروع حكم ومشروع تجاري، والاثنان لابد من نقلهما إلى مشروع دولة، ومشروع الدولة وحده القادر على تبني مشروع تنموي يستطيع أن يضمن معدلات نمو مستمرة ومستقرة وقادرة على الإفادة من موارد الحاضر لصناعة المستقبل».

وأضاف «ببعض التفكير، وببعض التضحية، سنكتشف جميعا أن هذا التحول أفضل بكثير للجميع، حكاما ومحكومين».

كما ركز الاقتصادي السعودي حمد الحوشان وكذلك الباحث جون كوالز في ورقة على «صندوق الفائض المالي السعودي: مصادر وأوجه استخداماته المحتملة وآثاره على السياسة المالية الحكومية».

وقالت الورقة «تنحصر خيارات الحكومة الأساسية لإنفاق هذه الإيرادات بين سبيلين هما الاستثمار المحلي والاستثمار الخارجي، ولكل منهما مزايا ومساوئ، إذ سيؤدي استثمار معظم أو جميع الإيرادات النفطية في الاقتصاد المحلي إلى أن تكون عرضة لتناقص الغلة، لكن باستطاعة الحكومة أن تقوم باستثمار جزء كبير من إيراداتها في الأصول الأجنبية وإعادتها تدريجيا إلى الاقتصاد المحلي».

لكنها قالت إن ذلك سيترتب عليه حدوث «الداء الهولندي»، وبالتالي سيؤدي إنفاق الإيرادات النفطية إلى زيادة السيولة المحلية، والذي سيؤدي إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات المتاجرة دوليا وغير المتاجرة.

وأوضحت «ثمة من يجادل أنه في سبيل نجاة الحكومة من مصيدة «الداء الهولندي» فإنه يتعين عليها زيادة الادخار وتراكم الأصول الأجنبية في الخارج. ومع ذلك، فإن آثار «الداء الهولندي» يمكن تجنبها إذا وجهت الحكومة الجزء الأكبر من الإنفاق إلى المشاريع والاستثمارات ذات الإنتاجية العالية، والتي من شأنها أن تؤدي إلى آثار انتشارية إيجابية على قطاعات الاقتصاد الأخرى».

وأضافت «يعتبر تراكم الأصول الأجنبية مهما لاستخدامه في الأوقات اللازمة بغرض تحقيق استقرار الموازنة، إضافة إلى تقاسم الثروة النفطية مع الأجيال القادمة. غير أن المساوئ المترتبة على الصناديق (السيادية) تتمثل في انعدام الشفافية والمساءلة والحوكمة، علاوة على ما تمثله آثار تقلبات أسعال العملات والتضخم العالمي على القيمة الحقيقية للأصول الخارجية».

وإضافة إلى ذلك فإن حساسية الدول الغربية بشأن صناديق الثروة السيادية والتي من المحتمل أن تؤدي إلى الحيلولة دون استثمارها في الصناعات الإستراتيجية الخارجية، مما يحد من إمكانيات الاستثمار، إضافة إلى مخاطر تجميد أو مصادرة الحكومات الغربية للأصول الخارجية تحت أي ظروف في أوقات النزاع».

وقد كشفت ورقة قدمها الاقتصادي السعودي ماجد عبدالله المنيف بعنوان «صناديق الثروة السيادية ودورها في إدارة الإيرادات النفطية»، أن الأزمة المالية التي بدأت في سبتمبر/ أيلول العام 2008 في الولايات المتحدة الأميركية أدت إلى خسائر في استثمارات دول الخليج العربية الست بنحو 350 مليار دولار.

كما بينت الورقة اختلاف «معايير تقييم الصناديق السيادية لدول المجلس فيما يتعلق بالبنية والشفافية والمسائلة والحوكمة وكان أداؤها أقل من متوسط أداء الصناديق السيادية مجتمعة وأقل بكثير من أداء صندوق التقاعد الحكومي للنرويج».

أما ورقة الاقتصادي مشاري بن عبدالله النعيم والتي بعنوان «تأثير الأزمة المالية الحالية على مدن الخليج العربي: مدينة دبي كمثال»، فقد بينت أن أحد الظواهر «المهمة التي تميزت بها دبي ونشرتها كثقافة عامة في باقي مدن الخليج العربي هي تبني منهج «مدينة داخل مدينة» والذي أدى إلى ظهور مشاريع عملاقة مستقلة داخل مدينة دبي ومدن دول الخليج مثل اللؤلؤة في الدوحة ومدينة الحرير في الكويت، ودرة البحرين، وغيرها من المشاريع».

وبين هذه الفكرة «الإقطاعية» الجديدة تدعم فكرة «بيع» المدينة فقد صارت هذه المشاريع تبحث عمن يمولها وقبل ذلك عمن يستخدمها ولأن مدن الخليج فقيرة من حيث عدد السكان، صارت تلك المشاريع تسوق عالميا مع تسهيلات كبيرة في الإقامة والعمل في البلد المضيف.

وأضاف «هذا المنهج قضى على ما تبقى من هوية المدن في المنطقة وساهم مساهمة كبيرة في تغيرها ثقافيا بشكل سريع جدا، حتى أنه يصعب علينا القول إن المدن التي تقع على الطرف الشرقي من الجزيرة العربية هي مدن عربية وخليجية».

وتحدث عن الآثار فأشار النعيم إلى التدهور البيئي الذي أحدثته هذه المشاريع، «فالبحث عن الأراضي الجديدة التي أصبحت شحيحة في مدينة دبي والرغبة في وجود هذه المشاريع بالقرب من ساحل البحر دفع بالكثير من المستثمرين لولوج البحر والقيام بدفن مساحات كبيرة من البحر لإنشاء المدن الجديدة».

وأضاف «لقد ساهمت هذه المشاريع في تغيير الحياة البحرية وزادت المخاطر البيئية، إذ تحولت المناطق المحيطة بهذه المشاريع إلى مستنقعات راكدة تحتاج إلى موازنات ضخمة لتشغيلها. هذه المخاطر لا يمكن حلها في المستقبل، وستغير الخارطة البيئية للخليج العربي بشكل كامل، وستكون تكاليفها باهظة وبعيدة المدى».


قال إن حجم الإنتاج يجب أن يكون بحسب الحاجة الفعلية للتنمية

النيباري: على الدول الخليجية إيجاد رؤية واضحة لسياستها النفطية

المنطقة الدبلوماسية - جميل المحاري

قال المفكر الكويتي وعضو مجلس الأمة السابق عبد الله النيباري: «إن على الدول المنتجة للنفط أن تعمل على فرض سعر عادل للنفط بالرغم من ضغوطات الدول المستهلكة من خلال رؤية واضحة تؤهلها للتفاوض مع الدول المستهلكة وخلق شروط أفض». وتساءل النيباري: «لماذا يتم التعامل مع ضغوطات الدول المستهلكة كقدر مسلم به؟».

وأضاف في حديث إلى «الوسط» على هامش «منتدى التنمية» الذي اختتم أعماله أمس: «إن إنتاج النفط ما هو إلا عامل من ضمن عوامل أخرى تتحكم في الأسعار كالاستهلاك و المضاربة».

وقال: «إن لم يكن بالإمكان اتفاق منظمة البلدان المصدرة للنفط «الأوبك» أن تخرج برؤية مشتركة حول السياسات النفطية فإنه بإمكان الدول الخليجية على الأقل أن تفعل ذلك». وأشار إلى أن الدول المصدرة للنفط كانت ولاتزال توفر الطاقة الرخيصة للدول المستهلكة فهي وفرت الطاقة الرخيصة من الخمسينيات إلى الثمانينيات للبلدان الصناعية المتقدمة ومن الثمانينيات وحتى الآن هي توفرها للبلدان الناشئة كالصين والهند، وقال: «إن هذه البلدان تنتج بضائع مختلفة، فهل ستبيع بضائعها لنا بأقل من سعرها».

وبشأن السعر العادل للنفط الذي يجب أن تتمسك به الدول المنتجة أوضح النيباري أن هذا السعر يقدر بسعر البديل أو الإنتاج الحدّي مشيرا إلى أن كلفة الإنتاج في معظم البلاد العربية هي في حدود 6 إلى 10 دولارات في حين قد تصل في البلدان الأخرى إلى 40 دولارا وبعضها يصل إلى 70 دولارا. وقال: «إن السعر العادل هو سعر المنتج الأعلى كلفة».

وعن ملامح السياسية النفطية الجديدة التي يجب على الدول الخليجية اتباعها ذكر أن هذه السياسة تعتمد على تعظيم العائد من النفط والوصول إلى الأسعار العادلة. وأضاف: «الأسعار العادلة تعتمد على ندرة النفط مقارنة ببدائل الطاقة الأخرى وذلك يتطلب أن تكون هناك سياسة إنتاجية تحقق هذا الهدف».

وأكد أهمية أن يكون حجم الإنتاج يعتمد على الحاجة الفعلية للتنمية في الدول الخليجية. وقال: «لا يجب أن يكون حجم الإنتاج في مستوى واحد بحيث تكون لدينا فوائض ضخمة في حالة ارتفاع الأسعار وتكون هذه الفوائض أكبر من احتياجات الإنفاق الداخلي والموازنات مما يدفعنا إلى التوظيفات المالية الخارجية».

وأوضح أن هذه التوظيفات معرضة لتقلب الأسواق المالية كما يحدث الآن كما أن هذه التوظيفات يسهل صرفها بعكس الأصول الثابتة، وقال: «إن تجربتنا تدل على ذلك، فبعد 40 سنة من وجود فوائض مالية لم نستفد منها بالشكل المطلوب في حين استفادت من ذلك البلدان التي توظف بها هذه الأموال، ولو أردنا قياس الأرباح التي تأتي من خلال هذه التوظيفات لوجدنا أنها ضئيلة جدا أو أنها معدومة نتيجة التقلبات أما في أسعار الصرف أو أسعار الفائدة أو الأدوات التي تم توظيف الأموال فيها كالأسهم أو السندات ولذلك لا أعتبر أن ذلك يعتبر التوظيف الأمثل». وتابع: «بدلا من هذه الفوائض المالية غير المجدية لنا ربما يكون من الأفضل أن يظل النفط في باطن الأرض لأنه ثروة ناضبة وأصل استثماري باقٍ نحن نستخرجه ونحوله إلى أصول سائلة وهذه الأصول قابلة للاندثار».

وأشار النيباري إلى أن الدول الخليجية تعتمد في اقتصادياتها بشكل كامل على النفط الذي تتحدد أسعاره طبقا للظروف الدولية وبذلك فهو لا يوفر أمنا اقتصاديا لهذه الدول على المنظور البعيد. وقال: «هناك مخاوف من نضوب النفط أو انخفاض أسعاره بصورة كبيرة ما يجعل موارد الدول الخليجية غير كافية في المستقبل ولذلك يجب بناء أصول إنتاجية أخرى».

وأضاف: «لاشك أنه كان للموارد النفطية دور إيجابي في رفع المستوى المعيشي في منطقة الخليج بشكل عام، وإن لم تحل جميع المشاكل الاجتماعية بما فيها من مشاكل الفقر والبطالة وفي المقابل صاحب العائدات النفطية سلبيات كثيرة منها اقتصادية وسياسية واجتماعية أبرزها أن النمو الحاصل هو نمو في بناء وتعزيز القدرات الاستهلاكية ورفع معدل الاستهلاك إلى الاستهلاك التظاهري أو البذخ وهذا تبذير وهدر كما لم نستطع بناء قدرات إنتاجية تضيف قيمة مضافة بحيث يكون لدينا في المستقبل ما يرفد مداخيل النفط وربما يعوض جزءا كبيرا من انخفاض الأسعار و يوفر فرص عمل».

وقال: «إن تنويع مصادر الدخل في الدول الخليجية لم يكن بالشكل المطلوب خلال السنوات السابقة وإن حدث فإنه لم يكن إلا في حدود ضيقة جدا». مشيرا إلى أن الإنتاج السلعي لم يصل إلى المستوى المطلوب في القطاعين الصناعي والزراعي». وذكر أن مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي في حدود 2 في المئة في حين أن مساهمة القطاع الصناعي لا تتعدى 6 في المئة من مجمل الدخل القومي. وقال: «لم يحدث أي تطور أو ارتفاع في هذه النسب خلال السنوات الماضية في حين أن تطور النشاط المالي نتج عن توافر السيولة ولم يخدم هذا القطاع تنوع وتطور الإنتاجية في الدول الخليجية».

وبشأن أهم العوامل التي ساهمت في تأخر تنويع الإنتاج ومصادر الدخل قال: «بالرغم من انتشار التعليم في الدول الخليجية إلا أن مخرجات التعليم لدينا ليست بالنوعية المطلوبة في سوق العمل كما أن هناك أمورا اجتماعية وجغرافية إذ إن أغلب البلدان الخليجية تتميز برقعتها الجغرافية الصغيرة وقلة عدد السكان في حين أن أي نشاط اقتصادي يحتاج إلى قوى بشرية».

وأضاف: «أن ذلك استدعى استقدام العمالة من الخارج ما أربك التركيبة السكانية لدينا وجعل الدول الخليجية تعاني من تركيبة سكانية غير سليمة من خلال ازدياد أعداد العمالة الأجنبية بشكل كبير جدا بحيث وصلت نسبتها إلى 80 في المئة من مجمل العمالة في بعض الدول الخليجية».

وقال: «بالإضافة إلى ذلك فإن أي صناعة تحتاج إلى شروط معينة قد لا تتوافر في المنطقة الخليجية فالصناعة تعتمد على إنتاج سلع يجب أن تكون مدخلاتها متوافرة كما يجب أن تكون هناك أسواق لتصريفها في حين نجد أن فرص التصدير لدينا محدودة «.


أكد أن الأزمة المالية تتجه نحو التأزم

الصادق: المرحلة الحالية تتطلب التركيز على الاقتصاد الكلي

المنطقة الدبلوماسية - جميل المحاري

دعا الباحث الاقتصادي عبدالله الصادق الدول الخليجية إلى إيجاد برنامج اقتصادي قصير الأمد يحقق توفر السيولة والأموال اللازمة لإنعاش الاقتصاد. وقال: «يجب أن تعمل الدول الخليجية على تعزيز الطلب المحلي بعناصره الأساسية وهي الاستهلاك والاستثمار المحلي لكي نحافظ على العناصر الأساسية للاقتصاد الكلي وبقائه محميا من تداعيات الأزمة المالية العالمية».

وأضاف الصادق لـ «الوسط» على هامش منتدى التنمية الخليجي «يجب في الفترة الحالية التركيز على الاقتصاد الكلي أكثر من الاقتصاد الجزئي إذ من المسموح به أن تفشل شركة هنا أو أخرى هناك وذلك ممكن جدا في ظروف الاقتصاد الحر والمنافسة الحرة ولكن ينبغي النظر إلى الاقتصاد الكلي الذي يجب أن نحافظ عليه ونراقب مؤشراته».

وتابع «في الفترة الحالية هناك الكثير من عدم اليقين على الأقل على المستوى العالمي تجاه المستقبل الذي يتجه إليه الاقتصاد العالمي, فهناك مؤشرات توحي بأن هذه الأزمة تتجه نحو التأزم أكثر من أنها تتجه نحو الانفراج».

وفيما يلي نص الحوار:

إلى أي مدى يمكن أن تساهم مثل هذه المنتديات في التأثير على صانع القرار للأخذ بما يطرحه المفكرون والباحثون من آراء؟

- إن المنتديات دائما ما تكون مفيدة بحكم أنها نوع من مراكز التفكير وهي تضم نخبة من المتخصصين في مجال معين, وإن تحدثنا عن منتدى التنمية الخليجي فنحن نتحدث عن نخبة أكاديمية متخصصة ولها خبرات عملية طويلة في جميع الدول الخليجية وبالتالي فهي تعتبر مركزا للتفكير الخليجي التي يمكن أن تنتج عنها رؤى وأفكار تهم قضية التنمية في المنطقة وخاصة نحن نعيش في خضم أزمة مالية عالمية قد تأثرت منها الدول الخليجية بشكل أو بآخر وبدرجات متفاوتة.

في الفترة الحالية هناك الكثير من عدم اليقين على الأقل على المستوى العالمي تجاه المستقبل الذي يتجه إليه الاقتصاد العالمي, فهناك مؤشرات توحي بأن هذه الأزمة تتجه نحو التأزم أكثر من أنها تتجه نحو الانفراج وهناك من يتحدث عن أزمة مالية عالمية ستستمر على مدى أربع سنوات على الأقل في حين أن هناك من يقول إن هذه الأزمة قد تستمر لعشر سنوات أو خمس عشرة سنة. كما أن هناك من يقارن هذه الأزمة بالأزمة الاقتصادية العالمية في الأعوام 1929 - 1933 التي استمرت لمدة أربع سنوات والتي احتاج الاقتصاد الأميركي والعالمي إلى عشر سنوات لكي يعود إلى الوضع الاقتصادي الذي كان سائدا قبلها, وبالتالي فنحن نتحدث عن فترة حرجة اقتصاديا ونتحدث عن إمكانية التبدل في القوى الاقتصادية العالمية وما أحوج هذه الفترة إلى مثل هذه المنتديات.

هناك إجماع على أن الدول الخليجية لم تستفد بالشكل الأمثل من الفترة الماضية التي كانت فيها أسعار النفط في أوجها والتي سميت بالطفرة النفطية الثالثة, فهل كان بالإمكان أن تتم الاستفادة من العائدات النفطية بشكل أفضل؟

- في الدول التي يشكل النفط جزءا أساسيا من ناتجها المحلي دائما ما يشكل ذلك إشكالية إذ إن النفط قد يمثل نعمة على أساس أن هناك إيرادات نفطية كبيرة وبالعملة الأجنبية, فمثلما حدث في الفترة من 2002 وحتى العام 2006 التي شهدت الطفرة النفطية الثالثة كان هناك فوائض مالية كبيرة في الموازنات العامة للدول وهذه شكلت الجانب الإيجابي في قضية النفط, في حين كان هناك جانب سلبي يتمثل في أن الفوائض المالية عندما تأتي في فترة قصيرة جدا ويتم إدخالها في الاقتصاد فإن ذلك يؤدي إلى التضخم، كما أن هناك جانبا سلبيا آخر يتمثل في التأثير السلبي في قيام الصناعات غير التحويلية, ذلك أن الفوائض المالية تسمح بزيادة الاستهلاك المحلي بوتيرة سريعة وبالتالي تؤدي إلى زيادة الواردات ما ينتج عنه عدم قدرة الصناعات المحلية على المنافسة بجانب عدم رغبة المستثمرين في الدخول فيها بحكم أن السلع يمكن جلبها بسهولة من الخارج وبالتالي فإن ذلك لا يؤدي إلى رفع إنتاجية الصناعات المحلية غير النفطية وذلك ما يسمى في الاقتصاديات الغربية بالمرض الهولندي الذي يؤدي إلى تآكل الصناعات المحلية وهذا هو الجانب السلبي.

ولذلك نرى أن الكثير من الدول الغربية تحاول أن تبعد هذا الجانب عن اقتصادياتها الداخلية, فمثلا عندما تم استعراض تجربة النرويج من خلال جلسات المنتدى وجدنا أن النرويج قامت بوضع عائدات النفط بعد طرح تكاليف الإنتاج في صندوق في خارج البلاد في حين قامت بإدخال جزء من العائد في الاقتصاد المحلي وهي بالتالي إضافة إلى حصولها على نعمة العائدات حاولت تجنب النقمة من خلال هذه الخطوة وفي الوقت نفسه حاولت أن تحافظ على مورد النفط بحيث تستفيد منه الأجيال المقبلة وهي بذلك تطبق المفهوم العلمي للتنمية المستدامة التي تتمثل في تلبية احتياجات الجيل الحالي بدون أن يكون ذلك على حساب الجيل المقبل.

من الملاحظ أن أغلب عائدات النفط في الخليج توجهت إلى قطاع واحد وهو القطاع العقاري وبناء المدن الحديثة فهل كان هذا القطاع هو المنفذ الوحيد لاستثمار العوائد النفطية؟

- إن النموذج التنموي الذي حدث خلال الطفرة الثالثة اختلف كثيرا عن النموذج التنموي الذي طرح في فترة السبعينيات, ففي فترة السبعينيات استخدمت العوائد النفطية بشكل كبير في إنشاء البنية التحتية وتأسيس الصناعات التحويلية أو الصناعات الأخرى فمثلا في البحرين تم إنشاء مصنع للألمنيوم وكما تم بناء الحوض الجاف وتم الاستثمار في الصناعات المرتبطة بتسييل الغاز وجزء منه أيضا دخل في المضاربة في الأسهم والأراضي. ولكن في الطفرة النفطية الأخيرة فإن جزءا كبيرا من العوائد النفطية ذهبت في الأصول المالية سواء كانت أسهما أو سندات أو عقارا, وما يميز هذه الأصول أنها ترتبط بما يسمى بالفقاعة المالية إذ إن هذه الأصول تشجع على المضاربة, ومع مرور الوقت يزداد اتساع هذه الفقاعة وتكبر وبعد ذلك يصبح الاقتصاد مهددا في أية لحظة بالانهيار نتيجة انفجار الفقاعة وبالتالي تترك آثارها السلبية على عموم الاقتصاد, ورغم أن هذه الأزمة لم تبدأ في منطقتنا وإنما بدأت في الغرب والولايات المتحدة الأميركية ولكن يبدو أن تداعياتها بدأت تبرز في منطقة الخليج وإن كانت بأشكال وبنسب متفاوتة.

ولكن ماذا بعد انتهاء الطفرة النفطية التي لم نستفد منها بالشكل المطلوب, وما هي الخطوات التي يجب اتخاذها في مواجهة الأزمة المالية المقبلة علينا؟

- يجب أولا التفكير في حماية اقتصادياتنا الخليجية من التداعيات السلبية للازمة المالية العالمية, من المهم أن تكون هناك رؤية اقتصادية تنموية ذات أفق طويل الأمد ولكن هذه الفترة الحرجة تفرض ضرورياتها وهي أن تكون لدينا خطة قصيرة الأمد تهدف إلى حماية الاقتصاد الوطني من أن يتأثر بهذه الأزمة وخاصة أننا سنشهد الكثير من الخطوات السلبية على المستوى العالمي والتي لم تبرز بعد إذ إن الأزمة أعقبها نوع من الانخفاض في الأصول المالية ولكن الخوف الكبير الذي يدور الآن في العالم وخاصة في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا هو الدخول في مرحلة الكساد العالمي, نحن ندور الآن في مرحلة أزمة مالية وركود اقتصادي ولكنه لم يصل بعد إلى مرحلة الأزمة العالمية العميقة وبالتالي فإننا سنشهد تراجع العولمة وانغلاقا في الاقتصاديات العالمية بسبب أن كل بلد سيحاول أن يحمي اقتصاده من ناحية التشغيل والمحافظة على السيولة المحلية وعدم تزايد العجز الحكومي وعدم تزايد العجز التجاري سواء كان ذلك في الدول المتقدمة أو الدول النامية وبالتالي فإن هناك حاجة لأن توجد الدول الخليجية برنامجا اقتصاديا قصير الأمد يحقق توافر السيولة ووجود الأموال اللازمة لإنعاش الاقتصاد وأن نعمل على تعزيز الطلب المحلي بعناصره الأساسية وهي الاستهلاك المحلي والاستثمار المحلي لكي نحافظ على العناصر الأساسية للاقتصاد الكلي وبقائه محميا بحيث تكون لدينا أقل ما يمكن من بطالة وأن يكون لدينا نمو مناسب وأن يكون لدينا عجز محدود في الموازنة وأن يكون العجز في ميزان المدفوعات محدودا وبالتالي فإنه بهذه الطريقة سنركز على الاقتصاد الكلي أكثر من الاقتصاد الجزئي, يمكن أن تفشل شركة هنا أو أخرى هناك وذلك ممكن جدا في ظروف الاقتصاد الحر والمنافسة الحرة ولكن ينبغي النظر إلى الاقتصاد الكلي الذي يجب أن نحافظ عليه ونراقب مؤشراته.


في الجلسة الختامية لمنتدى التنمية الخليجي...

المشاركون يطالبون بالاستفادة من التجربة النرويجية في تجنبها «نقمة» النفط

المنطقة الدبلوماسية - علي الموسوي

طالب المشاركون بمنتدى التنمية، في نسخته الثلاثين، حكومات الدول العربية بالاستفادة من التجربة النرويجية في كسبها لنعمة النفط، وتجنب نقمته، وذلك من خلال التعرض للدروس والخطوات التي اتخذتها في مجال اكتشاف النفط، وأكد المشاركون في الجلسة الختامية للمنتدى يوم أمس (الجمعة) بفندق كراون بلازا أن النرويج اتبعت عدة أساليب إدارة النفط، وخصوصا أنها وضعت مهاما لكل وزارة مهمة تقوم بإنجازها، فضلا عن إشراكها المؤسسات الخاصة في نشاطات النفط.

جاء ذلك خلال تعليق المشاركين على الدراسة التي قدمها الباحث فاروق القاسم، والتي بيّن فيها المراحل التي مرّت بها عملية اكتشاف النفط في النرويج، وكيف أنها تعاملت مع هذا المورد المالي، بالصورة التي تخدم الحكومة والشعب في آن واحد، إذ أسهم ذلك في تطورها ونموها.

إلى ذلك، أكد المفكر عبدالله النيباري أن النرويج قطعت شوطا كبيرا في الإنجازات الفنية، حتى أصبحت ضمن إحدى الدول المصدرة للنفط والمعرفة، متسائلا عن السبب الذي دفع النرويج لإنتاج النفط والغاز، في الوقت الذي ليست بحاجة إلى هذا الإنتاج، وذلك نظرا لظروفها الاقتصادية الجيّدة.

من ناحيته، ذكر الباحث عدنان شهاب الدين، أن التجربة النرويجية تبيّن الدور الأمثل الذي تلعبه الحكومات، إذا ما أدارت النفط بشكل صحيح، متسائلا عمّا إذا كان الوقت مناسبا الآن لإعادة النظر في السياسة النفطية التي تتبعها حكومات الدول العربية، وخصوصا بعد مرور أكثر من 50 عاما من اكتشاف النفط في الخليج، مبيّنا أنه لا يمكن أن تكون أي دولة من دول الخليج نرويجا ثانية، لكنه على أقل تقدير تتطور الخطط التي تتبعها الحكومات بشأن الصناعة النفطية.

أما الباحث عبدالمحسن المظفر، فأكد أنه من الممكن جدا الاستفادة من التجربة النرويجية في إدارة النفط، ولكن شريطة وجود دولة المؤسسات والقانون، لا أن يحكم الصناعة النفطية شخص واحد فقط، موضحا أن هذا الشرط غير قائم في الدول العربية، وأنه منذ 30 عاما والنداءات تطلق لتحقيق دول المؤسسات والقانون، لكنه إلى الآن لا يوجد أي شيء على أرض الواقع.

وذكر المظفر أن هناك بعض الشكليات والظواهر التي تؤدي بالدول إلى المؤسساتية والقانونية، لكن تلك الشكليات والظواهر لا تبدو واضحة أو حتى موجودة لدى الدول العربية.

وردا على كل تلك التساؤلات والملاحظات، أكد الباحث فاروق القاسم أن دور الحكومات في إدارة النفط، مازال وسيبقى موضع جدل وتساؤل عمّا إذا كان هذا الدور صحيحا أو خاطئا، مبينا أن هذا الدور مهم وضروري، لكن لا يمكن أن يكون دون أن تتوافر مؤسسات داعمة للحكومة، وتشترك معها في تحقيق الأهداف والرؤى التي تعود بالنفع على جميع الأطراف في الدولة.

وبيّن القاسم أن كلفة استخراج برميل النفط في النرويج تصل إلى 16 دولارا، وتصل كحد أقصى إلى 45 دولارا، ويعد ذلك المبلغ مرتفعا إذا ما قورن بكلفة استخراج البرميل في الدول الشرق أوسطية، إذ إن كلفة استخراج برميل النفط في العراق لا تتجاوز دولارا واحدا، وإن أقصى كلفة في الدول الأخرى لا تتجاوز 6 دولارات.

وفي سياق متصل، كشف القاسم عن أن النرويج لا تستثمر عائدات النفط في الداخل، بل إن جميع الاستثمارات تتم خارج حدود النرويج، مبينا السبب في ذلك، أنه بمجرد استثمار العائدات النفطية داخل الدولة، فإن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع سقف الرواتب والأجور، وفي المقابل سترتفع التكاليف المعيشية، وذلك ما ينذر ببداية نكبة النفط، بحسب قول القاسم.

وأفاد القاسم أن النرويج تؤمن بتكاثر وجهات النظر، ولديها قدرة على التعامل مع الآراء المختلفة، وذلك ما مكنها من النمو والتطور، ووصولها إلى درجة الدول المتقدمة.

العدد 2353 - الجمعة 13 فبراير 2009م الموافق 17 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً