العدد 2353 - الجمعة 13 فبراير 2009م الموافق 17 صفر 1430هـ

فخرو: «الميثاق» حقق نقلة نوعية للبحرين... والحوار الوطني مطلب دائم

أكد أن بطء اتخاذ القرارات يعود لمرورها عبر المؤسسات الدستورية

اعتبر عضو اللجنة العليا لإعداد مشروع ميثاق العمل الوطني النائب الأول لرئيس مجلس الشورى جمال فخرو أن ميثاق العمل حقق نقلة نوعية في البحرين، مبررا ما وصفه البعض بـ «التراجع عن مرحلة ما بعد الميثاق» بأنه يعود إلى بطء اتخاذ القرارات نتيجة مرورها بالمؤسسات الدستورية.

وأكد فخرو أن لجنة إعداد الميثاق كانت تتوقع أن يحصل الميثاق على تصويت الغالبية، ولكنها لم تكن تتوقع أن يحظى المشروع بهذه الغالبية الحاسمة.

وأشار فخرو إلى أن الحوار الوطني مطلب دائم، ويجب ألا تقتصر الدعوة إليه لحل المشكلات الأمنية، وأنه لا يمكن أن تسير الأمور في كل دولة بشكل منظم ما لم يكن هناك حوار مفتوح بين الحكم والسلطتين التشريعية والتنفيذية ومؤسسات المجتمع المدني.

وفيما يأتي نص المقابلة التي أجرتها «الوسط» مع فخرو بمناسبة الذكرى الثامنة لميثاق العمل الوطني:

*في الذكرى الثامنة لميثاق العمل الوطني، ما الذي تحقق مما جاء في الميثاق وما الذي لم يتحقق بعد؟

- الميثاق عبارة عن وثيقة تعاقدية بين الحكم والشعب، وتتضمن العديد من الأهداف العامة، والعديد من المبادئ العامة التي انعكست في مجملها في الدستور والإجراءات التي اتخذها عاهل البلاد جلالة الملك من خلال إنشاء عدد من المؤسسات الوطنية مثل المحكمة الدستورية وديوان الرقابة المالية وغيرها من المؤسسات.

الميثاق سيبقى موجودا كوثيقة، ما لم يحدث تغيير كبير في البحرين، وسيبقى الميثاق هو الموجه للبحرين لأنه يحمل مبادئ عامة وجميلة جدا وكثير منها انعكس في الدستور، وهذه المبادئ هي التي تحدد مسار إدارة المجتمع والحياة داخلها، إضافة إلى تحديد المسار الاقتصادي والاجتماعي والثقافي في البحرين. إذن ليس هناك ما تحقق وما لم يتحقق، وإنما الميثاق كفكرة حقق لنا مجموعة أشياء أساسية، أهمها أنه أزال الاحتقان السياسي الذي كان موجودا، وأعاد الحياة البرلمانية، وأدى إلى تبييض السجون وإعادة المنفيين من الخارج وإلغاء قانون أمن الدولة، وبدء الحياة السياسية، وبدء تأسيس المؤسسات الأهلية، وبث الحياة في مؤسسات المجتمع المدني وبدء تأسيس البحرين الجديدة، وكل ذلك تم بسبب التوافق الذي تم على الميثاق.

*ولكن ما زالت شريحة كبيرة من المواطنين ترى أن الوعود التي رافقت الإعلان عن الميثاق لم تتحقق بعد على أكثر من صعيد؟

- من الأخطاء التي يرتكبها البعض حين يقول إن الميثاق لم يحقق بعض المطالب، فالميثاق هو وثيقة انطلقت منها البحرين الجديدة، هو توافق بين الحكم والشعب، وحقق مجموعة كبيرة من الأهداف التي كانت مطمح الناس. وإذا كان لدى البعض شعور بالتمييز أو بالمشكلة الإسكانية أو بانخفاض الأجور، فإن ذلك سيظل عملية قائمة لأنها مبنية على إحساس بعض الأفراد، ويجب عدم تحميل الميثاق مسئولية ذلك، لأن هذه الأمور مجتمعية وتتغير من يوم إلى آخر نتيجة للعمل السياسي والثقافي في البحرين.

يجب ألا نتوقع أن كل مشكلاتنا ستحل عبر الميثاق، ولكن يجب ألا نكون قاسين على أنفسنا ونقول أن هناك أشياء كثيرة لم تتحقق.

اليوم - على سبيل المثال - كل عمليات التوقيف الأمني تتم من خلال أوامر صادرة عن النيابة العامة، وكل إجراءاتنا تتم ضمن إطار القانون، وإذا كان هناك تجاوز مرة أو مرتين أو ثلاث فيجب حتما أن يحاسب الشخص المسئول عن ذلك، ووزير الداخلية أكد أكثر من مرة أنه في حال أُبلغ بأية تجاوزات من قبل رجال الأمن فإنه يشكل لجان تحقيق في وزارته لمحاسبة المتجاوزين.

لذلك أرى أنه من الخطأ أن نقول إن الأنظمة والقوانين الأمنية لم تشهد تحسنا كبيرا، ويكفي أنه في السابق كانت هناك قوانين وأحكام استثنائية، بينما في الوقت الحالي هناك قانون مقرر بحسب النظام في البحرين، وقوانين أخرى تم إدخال تعديلات عليها من السلطة التشريعية باتجاه إيجابي.

*ما هي القوانين التي ترى أنه تم تعديلها باتجاه إيجابي؟

- قانون النيابة العامة يعتبر قانونا إيجابيا، وقانون السلطة القضائية، إضافة إلى التعديلات الإيجابية التي جرت على قانون العقوبات، وعلى الأقل عندما تم صياغة قانون حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية تم تحديد من يقوم بالعمل الإرهابي، ولم يترك التقدير لشخص في الأمن العام أو الأمن الوطني.

*ولكن قانون مكافحة الإرهاب واجه رفضا مجتمعيا لأنه تضمن تعريفا فضفاضا للإرهاب، إضافة إلى قانون الجمعيات.

- هناك انتخابات حرة وبرلمان، والنواب الذين انتخبهم الشعب وافقوا على القانون، وعلى المجتمع أن يقبل به أو على مؤسسات المجتمع المدني أن تضغط لتعديل هذا القانون، طالما القانون موجود وصادر ويطبق، فعلى الجميع أن يعترف به.

ألا يطالب الجميع دائما بأن تكون هذه الدولة دولة القانون والمؤسسات؟ فهل المطالبة تتم على طرف من دون الآخر؟ المواطن لديه كل الحق أن يبدي رأيه ولا يعيد انتخاب العضو الذي انتخبه طالما أنه لا يحقق أهدافه ولا يدافع عنه، ولكن إذا كان المواطن لديه الأدوات التشريعية الصحيحة، فعليه أن يستفيد منها لينتخب مرشحيه لتمثيل السلطة التشريعية.

*بالعودة إلى لجنة إعداد الميثاق، هل كنتم تتوقعون في اللجنة أن يتم التصويت على الميثاق بهذه النسبة الكبيرة (98.4 في المئة)؟

- حين تشكلت لجنة إعداد ميثاق العمل الوطني، كان هناك لغط كبير داخل وخارج المجتمع، وخصوصا من قبل القوى السياسية آنذاك، والتي لم تكن قوى رسمية وإنما تعمل كتنظيمات سياسية غير رسمية سواء داخل أو خارج البحرين، وجزء منها شكك في اللجنة، ما دفع بعض الأعضاء إلى الانسحاب من عمل اللجنة. ولكن الأمر المهم، والذي ذُكر في محاضر اجتماع اللجنة، أن سقف حرية النقاش في اللجنة كان بلا حدود، وكان كل عضو من أعضاء اللجنة يعبر عن رأيه بما يشاء، وكان جلالة الملك يتابع أعمال اللجنة بشكل يومي. كما أن رئيس اللجنة الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة كان له دور كبير في تهيئة نجاح عملها، وفوق ذلك كان هناك إصرار من الأعضاء الموجودين في اللجنة لإنجاح المشروع.

ويجب كذلك ألا نغفل الدور الرئيسي الذي قام به جلالة الملك بالترويج للميثاق، وخصوصا باتخاذه لقرارات مصيرية ساعدت على خلق هذا الجو في المجتمع البحريني أدت لنسبة المشاركة المرتفعة من قبل المجتمع البحريني، فإطلاق سراح المعتقلين بقرار واحد، وصدور عفو عام عن المنفيين في الخارج، إضافة إلى تقديم مشروعات تنموية كبيرة، ساعدت كثيرا على القبول الجماعي للميثاق.

كما أن الأمر الأميري بتشكيل لجنة إعداد الميثاق تضمن أن تُعرض مسودة الميثاق على مؤتمر شعبي مكون من 2000 شخص للتصويت على الميثاق، إلا أن الأمر تغير لاحقا وبدلا من أن يُعقد مؤتمر شعبي، تم اتخاذ قرار إجراء استفتاء عام، وكان من الواضح أن هناك قرارات حاسمة اتخذت من قبل الحكم آنذاك ليكون هناك قبول كبير للميثاق وليقول الشعب رأيه.

وكأعضاء لجنة كنا نتوقع أثناء المناقشات أن يحصل الميثاق على تصويت الغالبية، ولكننا لم نكن نتوقع أن يكون بهذه الغالبية الحاسمة. وكان التصويت ديمقراطيا ونزيها وحرا، ولا يمكن لأي أحد أن يشكك في إجراءات التصويت عليه.

*ما هي النقاط التي اتفقتم بشأنها والتي اختلفتم عليها أثناء مناقشاتكم لمسودة الميثاق؟

- يجب التأكيد أولا أن المسودة لم تكن مفروضة على اللجنة، ومن المهم المقارنة بين المسودة الأولى للمشروع والصيغة النهائية لها، وسيتبين للجميع أن هناك إضافات واضحة على الصياغة القديمة للمسودة، وتم إجراء حذف وإضافة وتعديل في بعض الصياغات الواردة في الميثاق والتي كان لها دور أساسي في خروج الميثاق بهذا المستوى الراقي.

كما أننا في نقاشاتنا قلنا كلاما كنا نخشى أن نقوله في ذلك الوقت، وأكدنا أنه لكي يلقى الميثاق قبولا لدى الناس وتنجح فكرة المشروع الإصلاحي، فيجب على الحكم أن يلغي قوانين ومحكمة أمن الدولة وأن يطلق سراح المعتقلين ويسمح بعودة المنفيين، وهذا الكلام ذكر لأول مرة في اجتماع اللجنة العليا لإعداد الميثاق، وبعده ذكر في ندوة نادي الخريجين الشهيرة.

والمضابط تشهد بأن أيا من الأشخاص في اللجنة، سواء من الحكم أو من قبل أعضاء مجلس الشورى أو أي طرف آخر قد أبدى استياء مما قيل في هذا الشأن، وإنما جعل لدى الناس الشعور بأن سقف الحرية مفتوح جدا.

*هناك نوع من التوافق على أن المرحلة التي تلت التوقيع على الميثاق كانت من أفضل المراحل التي مرت على شعب البحرين، إلا أن هذه المرحلة شهدت تراجعات كبيرة، فما تعليقك على ذلك؟

- يجب ألا ننسى أن الميثاق حقق لنا نقلة نوعية في البحرين، ونقلنا إلى فترة تسودها الأريحية والتفاؤل والحوار المستمر بين الحكم والشعب وسادها العديد من المبادرات الإيجابية التي كان الشعب يطالب بها ولبتها الحكومة. كما اتخذ في تلك الفترة مجموعة من القرارات السريعة التي كانت تشكل نوعا من الاختناق لدى المواطنين، وهذا ما أشعر الناس بأن هناك إنجازات سريعة تحققت لم يكونوا يحلمون بها. وللتاريخ فإن جلالة الملك هو من كان وراء هذه القرارات السريعة والاستجابة السريعة للتحول الديمقراطي.

أما بشأن مسألة شعور الناس بالتذمر والتململ في هذا المرحلة، يعود إلى عدم إمكان الاستمرار بالسرعة نفسها في إدارة أمور الدولة، وعلى الناس ألا يتوقعوا أن يُتخذ مثل تلك القرارات السريعة التي اتخذها جلالة الملك في فترة الميثاق. فتلك القرارات كان يتخذها جلالة الملك لوحده، بينما الآن الأمور يجب أن تمر على السلطة التشريعية ومجلس الوزراء بحسب طبيعتها. وبالتالي فإن الأمور أصبحت أكثر تعقيدا، ولا أعتقد أنه من الصحيح القول إن هناك تراجعات، وإنما بطء اتخاذ القرارات يعود إلى وجود المؤسسات الدستورية.

هل تعتقد أن المجلس الوطني بغرفتيه، الذي جاء كأحد ثمار المشروع الإصلاح، قام بدوره الوطني المأمول منه؟

- كما هو معروف فإن دور السلطة التشريعية ينحصر في التشريع والمراقبة والمحاسبة، بالإضافة إلى مسألة إقرار الموازنة العامة للدولة ومتابعة تنفيذها، هذا هو دور السلطة التشريعية. ومن الواضح أن للسلطة التشريعية دور كبير في أن تتم إجراءات التشريع بأفضل مما كانت عليه في السابق، فالقوانين باتت تصدر بإرادة شعبية وبتوافق شعبي مع الحكم، والموازنة يتم إقرارها ودراستها من قبل السلطة التشريعية، والحساب الختامي تتم مراقبته، والوزراء باتوا مساءلين في أعمالهم ويشعرون بوجود رقابة شعبية عليهم.

*هل تعتقد أن المواطنين يضعون سقفا عاليا لتحقيق مطالبهم؟

- من الطبيعي أن يكون لكل إنسان طموح يتمنى تحقيقه، ومن حق المواطن أن يطلب ما يشاء، ولكن في حال لم تساعده السلطة التشريعية على تحقيق أهدافه في الحصول على راتب أفضل، فلا يمكن أن نقول إن السلطة التشريعية فشلت لهذا السبب.

نعم من حق المواطن أن يطلب كل شيء ومن حق السلطة التشريعية أن تقول إنها لا تستطيع أن تلبي كل ما يطلبه المواطن، فحين تفرض السلطة التشريعية على الحكومة توفير مبلغ معين في الموازنة للمواطنين، ولم تتمكن الحكومة من توفير ذلك المبلغ، صحيح أن المواطن سيخسر شيئا بسيطا ولكن المجتمع سيربح.

والأمر نفسه ينطبق على موازنة علاوة الغلاء، فموازنة الدولة من دون العلاوة تحتاج لأن يكون سعر برميل النفط 63 دولارا، بينما سعر البرميل وصل اليوم إلى أقل من 40 دولارا. ألا يفترض بنا كسلطة تشريعية أن نوضح للمواطنين الوضع المالي الذي تعيشه الدولة؟ فالموضوع ليس استعراض عضلات، وإنما هو حس وطني وقومي يتطلب أن يعي المواطنون بأنه لا يمكن إلزام الدولة بالتزامات غير قادرة على الالتزام بها.

وسيبقى المواطن سواء في البحرين أو في أية دولة ديمقراطية أخرى لديه طموح ويشتكي بأن حقوقه مسلوبة. ولذلك يجب على المعنيين، وخصوصا الصحافة، أن يبينوا بوضوح دور السلطة التشريعية.

*هل ترى أن هناك زعزعة ثقة تستوجب معالجتها؟

- يجب أن نتفق على أن هناك من يفسر المسيرات والمظاهرات في البحرين على أنها علامة من علامات تزعزع الثقة أو علامة من علامات عدم الاستقرار، وهذا غير صحيح، فالنظام الديمقراطي لدينا سمح ضمن إطار القانون بتنظيم المسيرات والمظاهرات واعتبرها حقا من حقوق المواطنين، ولكن سوء استغلال هذا الحق من قبل فئة صغيرة هو الذي خلق لدى الناس هذا الشعور.

فمسيرة التجنيس الأخيرة، على سبيل المثال، بدأت وانتهت بصورة منظمة وحضارية، إلى أن خرجت مجموعة صغيرة من المسيرة بغرض زعزعة الأمن، ومثل هؤلاء الأشخاص يمكن أن يظهروا في أي مكان، وباعتقادي أن دورنا يجب أن يتمثل بحصر هؤلاء الأشخاص، وعدم المدافعة عنهم إلا إذا عملوا في إطار القانون، وباعتقادي أن القانون يعطي المساحة المناسبة من الحرية، ناهيك عن وجود ممثلين عن الشعب يجب اللجوء إليهم لحل المشكلات، مع التقليل من مظاهر الاعتصامات والمسيرات، فالإكثار منها غير مقبول.

*هناك مطالبات بضرورة إعادة الحوار الوطني في المرحلة الحالية، وخصوصا مع تدهور الأوضاع الأمنية، وما رافقها من اعتقالات، فهل تؤيد ذلك؟

- الحوار الوطني ليس لحل المشكلة الأمنية فقط، فهو مطلب دائم وأمر يجب أن نعمل على تحقيقه في البحرين ليكون جزءا من حياتنا اليومية لا أن يكون جزءا آنيا أو وقتيا، ولا يمكن أن تسير الأمور في كل دولة بشكل منظم ما لم يكن هناك حوار مفتوح بين السلطة التشريعية والتنفيذية والحكم. وبرأيي أن الآلية المناسبة للحوار يجب أن تتم من خلال حوار مستمر بين السلطة التنفيذية من جهة والجمعيات من جهة أخرى ومؤسسات المجتمع المدني من جهة ثالثة، وكل موضوعاتنا يجب أن تبحث على طاولة الحوار سواء من خلال السلطة التشريعية أو عبر مؤسسات المجتمع المدني أو بمبادرة من الحكومة لدعوة ممثلين عن السلطة التشريعية أو الجمعيات السياسية أو المجتمع المدني.

وباعتقادي أنه يمكن لأي جهة أن تبادر بالدعوة للحوار، مثل المبادرة التي دعت إليها إحدى الجمعيات السياسية، ولكن هذه المبادرة يجب أن تتحرك الآن بطلب الجلوس مع الحكومة على طاولة واحدة بحضور مؤسسات المجتمع المدني الأخرى، ولا تكتفي بالجلوس خلف الأبواب ومحاورة نفسها بنفسها أو انتظار مبادرة من الحكومة

العدد 2353 - الجمعة 13 فبراير 2009م الموافق 17 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً