العدد 2353 - الجمعة 13 فبراير 2009م الموافق 17 صفر 1430هـ

ما بين حرب تموز وحرب غزة ... تتضح الأهداف وتنفضح النوايا!

نزف البشرى ونرفع أسمى آيات التهاني والتبريكات إلى مقام سيد المقاومة وقائدها المجاهد السيد حسن نصر الله – حفظه الله وأعزه ونصره على الأعداء – وإلى صناديد المقاومة ورجالها الأبطال – الذين سطروا أروع الملاحم البطولية، في سوح الوغى وساحات الجهاد وصنعوا النصر المبين، وحطموا اسطورة الجيش الذي لا يقهر، وأنزلوا الهزيمة النكراء والمذلة في صفوفه، وضربوا بذلك أمثلة رائعة في التضحية والصمود والشجاعة والفداء، وبذلك حققوا ما لم تستطع الجيوش النظامية تحقيقه طوال عقود من الزمان، فرفعوا رايات الحرية والإباء والشموح، والمجد و العزة والكرامة في ربوع الوطن الصامد، وأهدوا نصرهم المؤزر إلى كل مواطن في لبنان وإلى كل حر شريف في أرجاء العالم.

وكذلك نبارك للشعب اللبناني – بكل طوائفه وفئاته وكل الشرفاء – الذين صمدوا ووقفوا كالجبل الأصم الشامخ متحدين الغطرسة والعدوان الصهيوني الغاشم، الذي دمر البشر والحجر والشجر، وانتهك الحقوق والقوانين والأعراف الدولية والإنسانية والأخلاقية فعكس مدى الهمجية والوحشية والبربرية التي وصل إليها، وعن تماديه وهمجيته في استخدام القوة المفرطة، ليغطي على فشله الذريع وإخفاقاته المتكررة في اجتياح الحدود، وليغطي على هزائمة المنكرة، وليخدع الرأي العام بتفوقه العسكري الموهوم، وانتصاراته المزعومة التي تعتمد على البطش والفتك والعدوان.

إن أبطال المقاومة ورجالها البواسل، الذين حملوا أرواحهم على الأكف، وواجهوا أعتى قوة عسكرية في المنطقة، والتي تعتبر الرابعة في العالم من ناحية العدة والعتاد، والتسليح بأحدث الأسلحة المتطورة، المدعومة من ترسانة ومصانع السلاح الأميركي التي لا تألوا جهدا في تزويدها بالأسلحة المدمرة والفتاكة وفي وقت محدد، ولذا لم يتوقف الجسر الجوي بين الكيان الصهيوني وأميركا وبريطانيا – طوال فترة الحرب – فانهالوا بتزويده بالقنابل والصواريخ الذكية وما يحتاجه من أسلحة مدمرة، وهي التي حولت الجسور والمنازل والمرافق الحيوية والبنية التحتية، في مناطق كثيرة من الجنوب وبيروت الجنوبية إلى خراب ودمار، وأصبحت كوم من الركام والحجر والتراب، وسقط الآلاف من الضحايا الأبرياء من المدنيين العزل، الذين هدمت المباني والمنازل على رؤوسهم، إذ ارتكب العدو الغاشم المجازر والمذابح الوحشية بحقهم في سابقة خطيرة من نوعها في تاريخ البشرية.

ونحن نعيش في القرن الواحد والعشرين، إذ يدعي هؤلاء الوحوش ومن يساندهم ويدعمهم – بهتانا وزورا – بالتقدم والمدنية والديمقراطية والحرية، وهم في واقع الأمر يكنون العداء والكراهية للبشرية، ولكل ما يمت بصلة للأخلاق والحضارة والمدنية، وينتهكون انتهاكا صارخا أبسط مبادئ حقوق الإنسان، ويتجاهلون قوانين ومبادئ هيئة الأمم المتحدة، والقوانين والأعراف والأنظمة الدولية كعادتهم، وكذلك نتيجة لفشلهم وإخفاقاتهم على جبهات القتال، إذ فشلوا فشلا ذريعا في التقدم إلى داخل الحدود اللبنانية، للوصول إلى نهر الليطاني كما كانوا يخططون له.

بفضل المواجهة العنيفة والمقاومة الشرسة لأبطال حزب الله الذين تصدوا لهم، وأنزلوا في صفوفهم ضربات موجعة، وكبدوهم خسائر فادحة في المعدات والأرواح، وجعلوا من دبابات الميركافا التي يتباهون بها، إلى نعوش ومقابر ومحارق لهم، إذ دمروا وأعطبوا العشرات منها وعطلوا البعض منها، وأحالوها إلى قطع محترقة ومفككة ومتناثرة في كل مكان.

ولقد استخدم أبطال المقاومة الأشاوس، طرق وفنون قتالية جديدة ومتطورة، أذهلت الأعداء قبل الأصدقاء في طريقة تعاطيهم وتعاملهم بهذه الأساليب والطرق والتكتيكات الحربية المبتكرة، ولم تتمكن أجهزة ومعدات العدو المخابراتية أن ترصد تحركات المقاتلين الأبطال أو تتمكن من رصد أماكن تواجدهم، وقد فشلت في معرفة أنواع الأسلحة التي يستخدمونها.

والمدهش في الأمر إن العدو تفاجأ من الطريقة التي يخرج بها هؤلاء المقاتلون الأشداء من أماكن لا يتوقعها ويباغتونه بالهجوم على حين غرة، ويختفون عن الأعين بسرعة فائقة، ما جعل العدو يذهل من تلك الطريقة العجيبة الغريبة، وأصابتهم حالات من الخوف والفزع والهلع وتخيلوا بأنهم يحاربون أشباحا، والبعض الآخر منهم قالوا بأن من يقاتلهم هم أشخاص بلا رؤوس.

ما تسبب بإصابتهم بحالات نفسية وهستيرية جعلتهم يفرون من أرض المعركة وهم في حال يرثى لها، لكون المقاتلون من أبطال حزب الله قد نذروا أنفسهم للتضحية والفداء بكل غال ورخيص في سبيل الحرية والعزة والكرامة، ووضعوا الفوز بإحدى الحسنيين النصر أو الشهادة نصب أعينهم، فقاتلوا قتال الأبطال الواثقين بالنصر أو نيل شرف الحصول على الشهادة، التي هي من أسمى وأنبل وأكرم ما يتمناه الإنسان المسلم والمؤمن طوال فترة حياته.

والأدهى من ذلك بأن المقاومة الإسلامية فاجأت العالم، بالرد الحاسم والمدمر على اعتداءات العدو الهمجية والوحشية بقصف الأحياء السكنية الآهلة بالسكان بطائراته الحربية، والمدفعية البعيدة المدى المنصوبة في البوارج الحربية المرابطة على سواحل بيروت، إذ سيطر العدو على البحر والبر والجو وفرض حصارا شاملا عليها، فكانت مفاجأة صواريخ الكاتيوشا وغيرها من الصواريخ المتطورة التي تمتلكها المقاومة الإسلامية وقد وصل مداها لأكثر من سبعين كيلومترا، وقد دكت مدن شمال فلسطين المحتلة التي فرّ سكانها إلى الملاجئ، وكبدت العدو خسائر فادحة في المنشآت والمباني والأرواح، ولم يكن العدو يتوقع مثل هذا الرد المزلزل الذي طال الكثير من مدنه وقراه، لأول مرة طوال الصراع العربي الصهيوني.

واستطاع أبطال المقاومة الإسلامية أن يصيبوا بصواريخهم الظافرة سفن وبوارج العدو، فدمروا ثلاث قطع بحرية وهي ساعر- 5 وساعر- 4,5 وزورق قتال سريع ومتطور، وعشرات الدبابات الميركافا المتطورة، وعدد من الطائرات العمودية وطائرة واحدة إف 16، فضلا عن سقوط العشرات من القتلى والمئات من الجرحى في صفوف جنوده، وغيرها من خسائر فادحة في المعدات والأرواح، فكانت له ضربة قاصمة، كبدته بهزائم منكرة مرغت أنفه في التراب، ووضعت حدا لغروره وغطرسته وتماديه وغيّّه في العدوان.

وهكذا سطر أبطال حزب الله وقادتهم البواسل ملاحم بطولية، نالت استحقاق وإعجاب الخبراء العسكريين في أنحاء العالم، وجعلت الشعوب العربية والإسلامية تفتخر بهذا النصر المظفر، وتشعر بالعزة والكرامة، وتهيب بسيد المقاومة المناضل السيد حسن نصرالله، على ما حققه لها من نصر وظفر وعزة وكرامة لم تكن تحلم بها، وأعاد لها الهيبة والعزة والشموخ، ووهب لها المجد والرفعة والسؤدد.

ولم يبق إلاّ أن تتحرك كل القوى الوطنية، والمنظمات الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان، والمنظمات القانونية والحقوقية المختصة في القانون الدولي، وجميع المؤسسات والجمعيات السياسية والمهنية في العالم، وكل الشرفاء من المثقفين والأدباء والمحامين والأطباء ورجال الصحافة وغيرهم، بالتنسيق مع المنظمات المختصة في القانون والقضاء الدولي، وأن يتضامنوا مع الشعبين اللبناني والفلسطيني ويقوموا برفع قضية جنائية ضد كل الذين تسببوا في معاناة الشعب اللبناني والفلسطيني وكانوا وراء المجازر الوحشية وما أحدثوه من دمار وخراب في لبنان وفي فلسطين المحتلة، من أجل محاكمتهم لينالوا الجزاء العادل، ويكونوا عبرة لكل من يعتبر، وبذلك يوضع حدا لكل الاستهتارات والتجاوزات والانتهاكات الصهيونية، التي لم تراع لا شريعة ولا مبدأ ولا قانون، وكأنها فوق الشبهات وفوق كل القوانين والأعراف والأنظمة الدولية.

وختاما، نستشهد بقول الكاتب والمفكر الإسلامي فهمي هويدي، من مقالة له تحت عنوان (شكرا حزب الله) «وحين تسرب الوهن إلى خلايا الجسم والعقل العربيين، وصدق البعض إنه ليس باليد حيلة، وأن 99 في المئة من الأوراق في يد الولايات المتحدة، وأن الانبطاح هو الحل، انشقت الأرض في يوم ندي طالعنا فيه شباب (حزب الله)، الذين قدموا نموذجا قلب الطاولة فوق رؤوس المهزومين والمنبطحين، وأعاد الروح إلى الأمة، ورد إليها اعتبارها».

ويضيف قائلا في نهاية مقالته: «وبينما ظنّ الصهاينة أن شعوبنا استكانت وشهرت إفلاسها، واستـسلمت للمقولة السائـدة عن إن (إسرائيل) الجبارة لا تقـهر ولا تهزم، وأن السلاح الأميركي ينزل فوق الرؤوس كما القـدر الذي لا يُرد جاء شباب (حـزب الله) كي يثبتـوا للكافة أنـه لا شيء يعادل إرادة الإنسان إذا قدم الموت ثمنا للحياة الكريمة، وأن الراغبين في الشهادة لا يهزمون، وإنما هم منتصرون دائما، فإذا لم يفوزوا بمرادهم في الدنيا، فازوا برضوان الله وجناته في الآخـرة».

محمد خليل الحوري

العدد 2353 - الجمعة 13 فبراير 2009م الموافق 17 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً