العدد 567 - الخميس 25 مارس 2004م الموافق 03 صفر 1425هـ

الدستور نص على حق المرأة في المشاركة في الشئون العامة والحقوق السياسية... ولكن

المرأة وقوانين العمل في البحرين (2)

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

يعتبر مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص المتاحة للمرأة في المجتمع مبدأ ساميا ومؤثرا على تقدم المجتمعات وشعوبها، كما أنه مقياس يدل على مدى احترام مبادئ الحقوق العالمية للإنسان.

نص أول دستور صدر لمملكة البحرين العام 1973 ثم في العام 2002 في مادته الرابعة: «على أن العدل أساس الحكم والتعاون والتراحم صلة وثقى بين المواطنين، والحرية والمساواة والأمن والطمأنينة والعلم والتضامن الاجتماعي وتكافؤ الفرص بين المواطنين دعامات للمجتمع تكفلها الدولة».

وأكد ميثاق العمل الوطني الذي توافق عليه الحكم مع الشعب في العام 2000، أبان إرساء المشروع الإصلاحي في البند الثاني: كفالة الحريات الشخصية والمساواة على أن «... المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات، لا تمييز بينهم بحسب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة...» وفي البند السادس: الأسرة أساس المجتمع: «وتعمل الدولة على دعم حقوق المرأة وسن التشريعات الخاصة بحماية الأسرة وحماية أفرادها». وأكد في الفصل الثاني من البند السابع: على تمتع المواطنين رجالا ونساء بحق المشاركة في الشئون العامة والتمتع بالحقوق السياسية في البلاد بدءا بحق الانتخاب والترشيح طبقا لأحكام القانون.

أما في دستور 2002، فقد ورد في الباب الأول: المادة (1) هـ:«للمواطنين، رجالا ونساء حق المشاركة في الشئون العامة والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق الانتخاب والترشيح، وذلك وفقا لهذا الدستور وللشروط والأوضاع التي يبينها القانون، ولا يجوز أن يحرم أحد المواطنين من حق الانتخاب أو الترشيح إلا وفقا للقانون».

وفي المادة الخامسة جاء: «أن تكفل الدولة التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها في المجتمع، ومساواتها بالرجل في ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية ومن دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية».

وعليه تم صوغ قانون العمل البحريني في العام 1976، استنادا إلى مبادئ دستور 73، الذي عرف العامل بجعله يشمل الرجل والمرأة لدى صاحب العمل. وهذا يعني المساواة بين الرجل والمرأة في مجال العمل وخضوعهما لكل أحكام القانون، إذ لم يفرق المشرع لعلاقات العمل المنظمة ما بين الرجل والمرأة، وأفرد قواعد خاصة لتنظيم تشغيل النساء في الباب السابع (تشغيل النساء)، من قانون العمل البحريني المعمول به حاليا ومنذ العام 1976. ولايزال التداول بشأن تعديله مستمرا وذلك بناء على الحوار بين الأطراف المعنية، واستنادا إلى مبادئ واتفاقات منظمة العمل الدولية التي وقع عليها كل من مملكة البحرين والاتحاد العام لعمال البحرين ويلتزمون العمل بها، ومنها المتعلق على سبيل المثال بكفالة تطبيق مبدأ المساواة بين العمال والعاملات في الأجور، وحماية الأمومة والطفولة، وتشغيل النساء وما شابه.

واليكم مقاربة بين المواد المقترح تعديلها على نص قانون العمل البحريني المختص بتشغيل النساء، سواء من قبل الاتحاد العام لعمال البحرين كجهة أهلية، أو وزارة العمل والشئون الاجتماعية كجهة حكومية، ونص قانون العمل البحريني المتضمن للمواد المختصة بتشغيل النساء المعمول به حاليا وهي:

مادة (59)

لا يجوز تشغيل النساء ليلا فيما بين الساعة الثامنة مساء والسابعة صباحا، ويستثنى من ذلك دور العلاج والمنشآت الأخرى التي يصدر بشأن العمل بها قرار من وزير العمل والشئون الاجتماعية.

وهذا يتماثل مع ما جاء في نصوص اتفاقات منظمة العمل الدولية، وأكد عليه الاتحاد العام لعمال البحرين في المقترح المقدم لتعديل القانون، أما مقترح وزارة العمل والشئون الاجتماعية، فقد عدل النص ومنح الوزير المختص صلاحية تحديد الأحوال والأعمال والمناسبات التي لا يجوز فيها تشغيل النساء في الفترة ما بين الساعة الثامنة مساء والسابعة صباحا.

مادة (60)

يحظر تشغيل النساء في الصناعات أو المهن الخطرة والمضرة بصحتهن وصحة الجنين التي يصدر بها قرار من وزير الصحة بالاتفاق مع وزير العمل والشئون الاجتماعية. وهذا ينطبق مع مقترح الاتحاد العمالي، في الوقت الذي يترك مقترح الوزارة شأن تحديد الأعمال الضارة بالنساء صحيا أو أخلاقيا أو حتى الأعمال التي يحظر تشغيل النساء فيها إلى أمر يصدر عن الوزير المختص.

مادة (61)

يجوز للعاملة أن تحصل على إجازة وضع بأجر كامل لا تخصم من إجازتها السنوية مدتها 45 يوما تشمل المدة التي تسبق الوضع أو التي تليه بشرط أن تقدم شهادة طبية معتمدة من وزارة الصحة مبينا فيها التاريخ الذي يرجح حصول وضعها فيه. ويجوز لها أن تحصل على إجازة من دون أجر مدتها 15 يوما علاوة على الإجازة السابقة.

يقدم الاتحاد العمالي بصفته الطرف الرئيسي المباشر المدافع عن حقوق العمال والعاملات، مقترحه بخصوص هذا النص، وذلك بزيادة الفترة الزمنية لإجازة الوضع من 45 يوما إلى 70 يوما وبالشروط السابقة نفسها، وإتاحة زيادة خيار حصول العاملة على إجازة إضافية ملحقة بإجازة الوضع ومن دون أجر من 15 يوم إلى مدة أقصاها 100 يوم متواصلة أو متقطعة بشرط الثبوت بشهادة طبية.

أما وزارة العمل فقد ثبتت نص القانون السابق كما ورد بإضافة عبارة «عدم جواز تشغيل العاملة خلال الأربعين يوما التالية للوضع، ولا تستحق إجازة الوضع المدفوعة لأكثر من أربع مرات طوال مدة خدمتها»، وواضح من مقترح التعديل الوزاري، أن أمر عدم جواز تشغيلها خلال الأربعين يوما لا يغير من الأمر شيئا إذ لاحظنا أن المشرع قد أعطاها حقا لمدة 45 يوما كأجازة وضع مدفوعة، أما الشرط الثاني وهو التحديد القسري للإنجاب، فباعتقادنا إنه يتعارض ويقيد حقوق الإنسان وحريته في المجتمعات.

مادة (62)

يحق للعاملة عندما تعود لمزاولة عملها بعد إجازة الوضع أن تأخذ بقصد إرضاع مولودها الجديد فترة للاستراحة أو فترات لا تزيد بمجموعها عن الساعة في اليوم الواحد وذلك علاوة على فترات الراحة الممنوحة لجميع العمال. ونلاحظ أن المشرع لا يحدد الفترة الزمنية للإرضاع. وجاء مقترح التعديل الحكومي منسجما مع مقترح الاتحاد العمالي بشأن مدة الإرضاع لتكون مدتها 24 شهرا (أي السنتين التاليتين لتاريخ الوضع).

مادة (63)

لا يجوز لصاحب العمل فصل العاملة بسبب الزواج أو أثناء تمتعها بإجازة الحمل والولادة. ويصدر وزير العمل والشئون الاجتماعية قرارا بالمهن والأعمال التي يجوز فيها لصاحب العمل تغيير مهنة العاملة بسبب الزواج. وقد ثبت مقترح الاتحاد العمالي نص هذه المادة، في الوقت الذي شدد فيه مقترح وزارة العمل على (حظر الفصل بسبب الزواج)، لكنه منح صاحب العمل حق حرمان العاملة من تعويض الأجر في حال ثبوت اشتغالها لدى صاحب عمل آخر خلال إجازة الوضع.

مادة (64)

يسقط حق العاملة فيما تستحقه وفقا لأحكام هذا الباب إذا ثبت أنها عملت لدى صاحب عمل آخر أثناء مدة إجازتها المصرح بها. ولصاحب العمل الأصلي في هذه الحالة أن يحرمها من أجرها عن مدة الإجازة أو أن يسترد منها ما أداه لها. ومن الواضح أن مقترح الوزارة قد أدمج هذه المادة مع سابقتها 63، في الوقت الذي تطابقت فيه هذه المادة مع مقترح الاتحاد العمالي.

مادة (65)

يجوز لوزير العمل والشئون الاجتماعية أن يصدر قرارا بأية تنظيمات أخرى بشأن تشغيل النساء وبظروف عملهن. ويتوافق مقترح الاتحاد العمالي مع هذا النص وكذلك مقترح وزارة العمل بتعديل في صوغ النص فقط. وفي هذا توسيع لصلاحيات السلطة التنفيذية في أمر تشغيل النساء وظروف عملهن.

اقترح الاتحاد العام لعمال البحرين إضافة مواد جديدة لم يتناولها مقترح الحكومة من أجل تعديل قانون العمل البحريني ومنها:

1- منح المرأة العاملة الأجر المماثل لأجر الرجل وعلاوته وامتيازاته إذا كانت تقوم بالعمل نفسه أو أي عمل مماثل. في الوقت الذي تنص المادة المتقرحة من وزارة العمل والشئون الاجتماعية بشكل مطاطي لمضمون المقترح العمالي بـ: «مع مراعاة أحكام هذا الباب، تسرى على النساء العاملات جميع الأحكام التي تنظم تشغيل العمال من دون تمييز بينهم متى تماثلت أوضاع عملهم» من دون التطرق لمسألة التمييز في الأجر المدفوع ضد مصلحة المرأة.

2- الحظر على صاحب العمل السماح للنساء بالعودة إلى العمل قبل انقضاء 50 يوما على تاريخ الولادة، ويجوز للعاملة التي تعمل ليلا الحق بإجازة حمل لا تقل عن 16 أسبوع على الأقل قبل وبعد الوضع منها 8 أسابيع على الأقل قبل التاريخ المتوقع للوضع، كما يحظر تشغيل المرأة الحامل ساعات عمل إضافية خلال فترة الحمل ولمدة 6 شهور بدءا من تاريخ الولادة. ويتجاهل المقترح الحكومي هذا المطلب العمالي ولا يشير إليه لا من قريب أو بعيد.

3 - والأمر نفسه ينطبق على المقترح العمالي، المتعلق بتوفير دور للحضانة في المؤسسات التي تستخدم عددا كبيرا من النساء إما من قبل صاحب المؤسسة بمفرده أو بالاشتراك مع مؤسسة أو مؤسسات أخرى. ويحدد بقرار من وزير الصحة ووزير العمل شروط وإنشاء مواصفات ونظام دور الحضانة.

أما المادتان المقترحتان من قبل وزارة العمل والشئون الاجتماعية فهما:

1- يكون للعاملة في المنشأة التي تستخدم مئة عامل فأكثر الحق في الحصول على إجازة من دون أجر لمدة لا تتجاوز سنتين، وذلك لرعاية طفلها، ولا تستحق هذه الإجازة أكثر من مرتين طوال مدة خدمتها. وفي هذا تمييز واضح بين الموظفات في القطاع الخاص والقطاع العام، وأيضا بين مواظفات القطاع الخاص أنفسهن ما يحرم الكثيرات من فرص الاستفادة من هذه التسهيلات. وخصوصا أن عدد المنشآت التي يربو فيها عدد العمال عن مئة عامل وعاملة قليل قياسا للمنشآت الآخرى.

2- «يلتزم صاحب العمل في حالة تشغيله خمس عاملات فأكثر أن يعلق في مكان ظاهر بأماكن العمل، أو تجمع العمال، نسخة من نظام تشغيل النساء». ونرى انه على رغم حسن مزايا هذا البند إلا إنه مكرر ومستنبط من أحد نصوص قانون العمل الذي يلزم صاحب العمل بتعليق نظام تشغيل العمال والجزاءات في مكان ظاهر ليتسنى لهم الإطلاع عليه.

لاشك في أن قانون العمل البحريني قد منح المرأة البحرينية الكثير من الحقوق، وأتاح أمامها فرص الحماية من ظروف العمل القاسية، إلا إن هناك قصورا يعبر عنه بعدم مواكبة تشريعات العمل الحالية إلى مجمل التطورات التي استحدثت في واقع المرأة سواء في المجتمعات العالمية أو في المجتمع البحريني خصوصا. وهذا ما دفع بالاتحاد العام لعمال البحرين وبمساندة قوية ومتضامنة من قبل المنظمات النسائية البحرينية من اجل المطالبة بإجراء التعديلات على قانون العمل البحريني وبما يتلاءم مع واقع المرأة المتقدم، وخصوصا أن الدستور منحها كامل حقوقها الإنسانية والسياسية وكمواطنة كاملة الأهلية.

أن المتتبع إلى كم ونصوص القوانين والتشريعات التي تنصف المرأة وتعزز من مكانتها، في ظل المتغيرات والمستجدات على صعيد تقسيم العمل الدولي والتوجه الاقتصادي، والتغيير في أنماط العمل والأنشطة الاقتصادية وانعكاساتها على واقع المرأة البحرينية، يستوجب عليه التوقف عند مسألة مهمة وهي مدى القدرة على تجسيد تلك القوانين والتشريعات على أرض الواقع، وذلك بتوفير فرص الحماية والصيانة الدائمة والمستمرة لحقوق المرأة البحرينية سواء أكان على صعيد إتاحة فرص العمل لها، وأخذ مواقعها للمشاركة في العملية الإنتاجية، أو في تمكينها من مواقع صنع القرار، ومراعاة ظروفها كإنسانة وأم وخصوصا ان المجتمع البحريني كحال المجتمعات العربية يلقي غالبية أعباء ومسئولية الأسرة على عاتق المرأة.

إن التشريعات والقوانين ليست العنصر الأساسي في خلق واقع تمييزي ضد المرأة العاملة، إنما يساهم في ذلك الثقافة المجتمعية، وتدخل الأعراف الدينية للمجتمع بشكل واضح.

ومما نؤكد عليه أخيرا، انه لن يتحقق أي مكسب أو تقدم في مجال تحرير المرأة وتقوية موقفها في الدفاع عن مصالحها وحقوقها المشروعة ما لم تتصدر بنفسها مسئولية النضال الدائم والمطالبة بالحقوق

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 567 - الخميس 25 مارس 2004م الموافق 03 صفر 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً