العدد 594 - الأربعاء 21 أبريل 2004م الموافق 01 ربيع الاول 1425هـ

التشكيلية المغربية الأولى... في ذمة اللّه

الرباط - المصطفى العسري 

تحديث: 12 مايو 2017

فقد المغرب مساء يوم الجمعة إحدى معالمه الفنية التشكيلية لوفاة الفنانة التشكيلية العصامية «الشعيبية طلال» عن عمر ناهز 75 سنة إثر إصابتها بنوبة قلبية بدأت أولى بوادرها تظهر منذ صباح الجمعة.

وأوضح ابنها الحسين طلال في تصريحات للتلفزيون المغربي «أن الفنانة الشعيبية توفيت يوم الجمعة عند الساعة الخامسة و45 دقيقة بعد الظهر، بعد أن فشلت كل المجهودات التي بذلت من أجل إسعافها»، وأضاف أن الراحلة كانت توجد قيد العلاج في إحدى مصحات الدار البيضاء وأن حالتها اشتدت على اثر نوبة قلبية ألمت بها فجر أمس الخميس.

ونظمت الراحلة التي ولدت سنة 1929 بقرية اشتوكة بمحافظة مدينة الجديدة، الكثير من المعارض الفنية أولاها كان العام 1966 بالدار البيضاء ثم انتقلت به إلى باريس قبل أن تعرف إبداعاتها الفنية شهرة كبيرة. وتزوجت الراحلة في سن13 سنة ولها ابن واحد هو الفنان التشكيلي الحسين طلال واضطرت بعد وفاة زوجها وهي مازالت شابة صغيرة إلى العمل في البيوت قبل أن تكتشف عوالم الفن التشكيلي.

وتعتبر الفنانة الراحلة من الفنانين العصاميين وتوجد أعمالها ضمن مجموعات عمومية ببعض المؤسسات والمتاحف الدولية ذات الشهرة العالمية من ضمنها المؤسسة الوطنية للفنون المعاصرة بباريس.

حصلت الشعيبية على الميدالية الذهبية لجمعية الأكاديمية الفرنسية للتربية. كما تم تكريمها السنة الماضية بمدينة آسفي في إطار الملتقى الدولي الثالث «المرأة والكتابة... الذات والهوية» إذ أجمع المشاركون في هذه التظاهرة على أن الشعيبية «تشكل علما من أعلام الفن التشكيلي في المغرب والعالم والتي امتد إبداعها الخلاق الذي يختزن جمالية ثقافية فطرية إلى قاعات ومتاحف عالمية».

وأثارت الرسوم المتميزة للراحلة اهتمام نقاد تشكيليين من كل حدب وصوب، فدخلت الشهرة من بابها الواسع وأضحت اسما يتردد في كل قاعات العروض الفنية وطنيا ودوليا حتى أصبحت أعمالها ضمن مجموعات عمومية ببعض المؤسسات والمتاحف الدولية ذات الشهرة العالمية ومن ضمنها المؤسسة الوطنية للفنون المعاصرة في باريس ومتحف أوقيانوسيا في باريس ومتحف الفن الحي في تونس ومتحف الفن الخام في سويسرا.

كما توجد بعض أعمال الفنانة الراحلة ضمن عدد مهم من المجموعات الخاصة بالمغرب وفي عدد من البلدان كالولايات المتحدة وبريطانيا ولبنان ومصر والهند وكندا وإسبانيا وهولندا وبلجيكا وهايتي واليابان وأستراليا ونيوزيلندا والسويد والدنمارك وألمانيا وإيطاليا وفرنسا وسويسرا.

وعن تعريفها لنفسها ومسارها الفني قالت الشعبية بعفويتها المعهودة في إحدى المناسبات مخنزلة مسار حياتها بكلمات بسيطة ولكن صادقة إذ قالت «أنا من البادية، وأنتمي إلى منطقة تسمى شتوكة، احتفظت بحب الأرض والبحر والسواقي وأزهار الربيع، تركت بيت أسرتي في سن مبكرة، وأتذكر ذلك الحلم الذي غير مسار حياتي وأنا في سن الخامسة والعشرين حينما رأيت سماء زرقاء ووجوه أناس يقدمون لي الورق والأقلام، لأجد نفسي في اليوم الموالي أشتري الأوراق والصباغة وهكذا أخذت أرسم...».

وقد أجمع عدد من الفنانين والنقاد المغاربة في تصريحات استقتها «الوسط» مباشرة بعد ذيوع خبر الوفاة على أن رحيل الفنانة الشعبيبة طلال تشكل خسارة كبرى للفن التشكيلي المغربي.

وهكذا اعتبر الفنان التشكيلي أحمد جريد أن رحيل الفنانة الشعيبية طلال يشكل «خسارة للفن التشكيلي المغربي بصفة خاصة وللفنانين التشكيليين العرب على وجه العموم لأنها تعتبر مدخلا أساسيا للفن التشكيلي المعاصر منذ منتصف القرن الماضي، اذ كانت من الرواد الأوائل الذين اقتحموا المتاحف الدولية وفضاءات العرض المرموقة في العالم بأسره»، معتبرا «أن أعمال الفقيدة الشعيبية توجد حاليا ضمن المجموعات الفنية لدى عدد كثير من المنظمات الدولية والمتاحف الشهيرة في العالم بأسره»، مذكرا أن «الشعيبية تميزت كذلك بكونها كانت الوحيدة التي أسالت الكثير من الحبر حول تجربتها وحول ما يسمى بالفن الفطري، وظلت تطرح باستمرار إشكالا فنيا عميقا على مستوى التكوين وعلى مستوى اللون والمرجعية، وعلى رغم قيمتها كفنانة كبيرة بقيت الفقيدة الشعيبية إنسانة بسيطة وذات لغة شعبية بسيطة، اذ كانت امرأة سهلة المعشر وتدمجك في حميمية ومن دون استئذان... لم يكن لها أي خصم في الساحة التشكيلية أو النقاد... كانت موضوعا يثير استقطاب الجميع وهي الآن تودعنا كما ودعنا قبل ذلك بقليل كل من الفقيدين محمد القاسمي ومحمد الدريسي».

أما الباحث والناقد الفني مليم العروسي فقد ذكر أن المغرب برحيل الشعيبية «يكون قد فقد علما من أعلامه الفنية الشامخة، هذه الفنانة العصامية التي شقت طريقها نحو الشهرة منذ1965 بعدما اكتشف موهبتها الفنان العالمي الفرنسي محافظ متحف الفنون المعاصرة في باريس بمعية بيير كودير الفنان المرحوم أحمد الشرقاوي»، وأضاف «لقد كانت الفنانة الشعيبية معروفة في كل العواصم الثقافية العالمية في باريس ولندن وواشنطن وطوكيو والقاهرة كما أنها كانت تحظى باحترام وتقدير كبيرين من الوسط الفني المغربي، اذ كسرت عقدة الفنان غير المتعلم إضافة إلى أنها أزالت الهوة ما بين الثقافة البدوية والحضرية وبرهنت على أن لكلتا الثقافتين حضورها وقيمتها عندما يكون التعبير قويا. وعلى رغم تقدمها في السن كان للفقيدة حضور إعلامي محفز... لقد كانت فعلا أحد أهم أعلام الفن التشكيلي المغربي والعالمي بإجماع فنانين عالميين كبار».

بدوره صنف الفنان التشكيلي سعد الحسني في شهادته أن وفاة الفنانة الشعيبية طلال يشكل «خسارة للمجال الثقافي والفني المغربي والعالمي، اذ كانت الراحلة تتميز بتجربتها الفنية الغنية في الميدان التشكيلي والتي تعد رصيدا غنيا وعميقا في مسارها الفني الطويل»، معتبرا أن «أعمال الفنانة الشعيبية التي تعلمت أصول التشكيل من مدرسة الحياة كان يغلب عليها طابع الحرية الذي يميزها عن باقي الفنانين التشكيليين من خلال لوحاتها الفنية التي كانت تلقى استحسانا من لدن النقاد الفنيين العالميين وكذلك من خلال حياتها الشخصية».

من جانبه اعتبر الفنان التشكيلي عبدالله الحريري فقيدة الفن التشكيلي المغربي بأنها اسم بارز وكبير في الوسط التشكيلي المغربي، كما كانت أعمالها متميزة اذ تخطت شهرتها حدود المغرب إلى أنحاء العالم كافة»، مبرزا بأن الراحلة كانت مدرسة في مجال الفن التشكيلي تعتمد على براعة الابتكار وعلى فلسفة خاصة في العمل إضافة إلى كونها كانت تحظى بحب واحترام مكونات الوسط الفني المغربي كافة باعتبارها عضوا مؤسسا وبارزا للفن التشكيلي في المغرب وبصمت هذا الفن بلوحات نالت إعجاب وتقدير فنانين عالميين كبار». أما شهادة رئيس اتحاد كتاب المغرب الشاعر حسن نجمي فقد جاءت شاملة ومؤثرة معتبرا إياها بأنها تأتي بعد رحيل عدد من المثقفين والفنانين المغاربة ، ومما جاء في تصريحه «منذ فترة ونحن نتابع بقلق تدهور الوضع الصحي للفنانة التشكيلية المغربية الكبيرة الشعيبية طلال وكنا نتمنى أن تتماثل للشفاء وتعود إلى الساحة الفنية بموفور صحتها وعلى وجهها بسمتها المشرقة التلقائية»، قبل أن يضيف «لكن خبر وفاتها مساء يوم الجمعة جاء ليعمق احساسنا بالفجيعة نحن الذين فقدنا في فترة قصيرة عددا من كبار المبدعين والمثقفين المغاربة. وهاهي الشعيبية تغادرنا بعد أن غادرنا في الفترة نفسها الفنان التشكيلي الكبير محمد القاسمي والكاتب المبدع محمد شكري»، ليتساءل «هل بلغت الثقافة المغربية الحديثة من النضج ما يؤهلها لهذا التعدد في الوفيات المبكرة المحزنة؟»، ويضيف لحسن الحظ فقد نظمنا السنة الماضية لقاء تكريميا للفنانة الشعيبية في إطار اهتمام اتحاد كتاب المغرب بالمبدعين المغاربة. كما بادرت وزارة الثقافة بتنظيم معرض ضم جميع أعمالها الفنية عبر مختلف مراحل حياتها الإبداعية بما في ذلك ثلاثة أعمال أنجزتها الشعيبية رحمها الله سنة 2003 وهي على فراش المرض، وكانت أعمالا معتمة الألوان على عكس جميع أعمالها الفنية الأخرى التي تميزت على الدوام بإشراق الضوء وحرارة الألوان»، داعيا المسئولين عن الثقافة في المغرب إلى «إقامة متحف خاص بالتراث الفني والإنساني لفنانة استثنائية وبتجربة تستحق على الدوام الانتباه والتأمل والاستعادة»





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً