بدأ تدهور النظام البيئي المرتبط بالقرم منذ منتصف السبعينيات من القرن المنصرم حيث بدأت سلسلة من الأعمال المدمرة للبيئة التي قضت على النظام البيئي وحولت خليج توبلي من جسد مائي مليء بالثروات المائية إلى قطعة مائية يضم قاعها شتى أنواع الملوثات, وتحول شاطئه الغني بالتنوع البيئي إلى مثوى للفضلات والمخلفات.
ما سنتحدث عنه هنا هو تدمير ما تبقى من أثر لبيئة القرم وهي أشجار القرم التي تغطي مساحة أقل من 60 هكتارا، منها43 هكتارا فقط مسجلة ضمن ملكية الدولة (خلف والمدني 1999 ص 36) وهي تلك الأشجار الموجودة في رأس سند التي اعتبرت محمية طبيعية, وعلى الرغم من ذلك مازالت ترمى بها العديد من الملوثات ناهيك عن ردم أجزاء منها حتى تحولت هذه المحمية إلى منطقة إلقاء الأنقاض أي شبيه لما تسميه العامة «السمادة». السمادة عند العامة هي حفرة توضع بها فضلات الحيوانات حتى يتحول إلى سماد, إلا أن العامة في البحرين عممت اللفظ على أي مكان يصبح منطقة للتخلص من الزبالة فيه, وهذا ينطبق فعلا على منطقة رأس سند, فلم تعد الأسماك تتربى فيها, مجرد أشجار ترمى بينها الأنقاض. لا أتمنى أن يزول أثر بيئة القرم ولكن هذه المنطقة في تدهور مستمر لعدة أسباب وكلها بشرية.
هناك أربعة أسباب رئيسية أدت لتدمير بيئة القرم وتلويث مياه خليج توبلي ولازالت تهدد ما تبقى من أشجار القرم في منطقة راس سند في خليج توبلي, تلك الأسباب هي: الردم أو الدفان والسلت الناتج من مصانع غسيل الرمال, ومياه الصرف الصحي المعالجة وشبه معالجة وغير المعالجة, والمخلفات الصلبة (الزياني 1999 وخلف والمدني 1999 وعبدالغفار 2003).
1 - الردم أو الدفان
منذ بداية السبعينيات من القرن المنصرم تسارعت عمليات ردم السواحل في مناطق مختلفة من مملكة البحرين وقد مر خليج توبلي بسلسلة متواصلة من عمليات الردم أدت لعديد من النتائج الضارة, البعض يرى أن السبب هو عدم الإدراك بأهمية خليج توبلي, ولكن بالرجوع لثقافة العقلية الربحية نرى أن تلك العقلية لا تفكر بالربحية الجماعية التي ستنتج من بقاء بيئة القرم ولكنها تفكر بالربحية الفردية السريعة. باستخدام أرقام الثمانينيات من القرن المنصرم نلاحظ أن تكلفة ردم قدم مربع هي 0.8 دولار أمريكي بينما يتراوح سعر القدم المربع من الأرض المردومة بين 8 و8.50 دولارات أميركية (Al-Madany et. al. 1991), بمعنى أن صافي الربح يصل لأكثر من عشرة أضعاف التكلفة. العقلية الربحية استطاعت بدهاء أن تحسب الربح الفردي وتناست بذلك الأضرار البيئية التي ستترتب على عمليات الردم.
أ - تقليص المساحة وإزالة الأشجار
قدرت مساحة خليج توبلي في الخمسينيات بأنها تبلغ قرابة 24 كم مربع (خلف والمدني 1999 ص 22). أما في الوقت الراهن فلا نمتلك قراءة رسمية دقيقة عن مساحة خليج توبلي إلا أن الأرقام الرسمية تشير إلى أن مساحته كانت 12 كم مربعا العام 1998 (خلف والمدني 1999 ص 23). وهناك تصريحات غير رسمية نشرت في الصحافة المحلية أن مساحة خليج توبلي الحالية أقل من 10 كم مربعة والبعض يصرح أنها أقل من8 كم مربع وستقلص لأقل من 5 كم مربع وكل هذه الأرقام الأخيرة غير رسمية ولا يعول عليها دون تمحيص لمصدرها. وعليه سنسلم أن مساحة خليج توبلي لم تتغير منذ 1998م أي أنها قرابة 12 كم مربعا وبذلك يمكننا الاستنتاج أنه تم ردم ما لا يقل عن 12 كم مربع من خليج توبلي خلال 42 سنة. وتشمل المناطق المردومة خليج مقطع توبلي وأجزاء من ساحل خليج توبلي وكذلك تشمل أجزاء من سواحل كل من جزيرة سترة وجزيرة النبيه صالح وقد استخدمت هذه المساحات المردومة في بناء مبانٍ سكنية وجسور ومناطق صناعية. وبالطبع تم إزالة العديد من أشجار القرم أثناء عمليات الردم وبالتحديد تم إزالة ما مقداره 300 هكتار وذلك في العام 1975م فقط (الزياني 1999 ص 51).
ب - نفوق الأسماك وهروبها
لقد دهورت عمليات الدفان نوعية مياه خليج توبلي عن طريق زيادة عكارة المياه مما سبب انخفاض نسبة الضوء التي تصل إلى قاع البحر, كما أدت إلى ارتفاع الترسبات بشكل ملحوظ مما أدى لموت النباتات التي تعيش في قاع الخليج وموت الأسماك التي تعرضت لهذه الترسبات. بهذه الصورة تم تعطيل النظام البيئي القاعي الذي يعتمد في الأساس على مجموعة نباتات منتجة تكون بداية لسلسلة غذائية, ومع عدم وجود نبات منتج تتعطل كل السلسلة الغذائية مما يؤدي لهجرة الأسماك والكائنات لأماكن تكثر بها موارد غذائية لها. هناك عدد كبير من العائلات التي كانت تعتمد على تلك الأسماك والروبيان كمصدر رزق لها وباختفاء الأسماك والروبيان أصيبت تلك العائلات بمشكلات اقتصادية واجتماعية ونفسية أيضا. بينما العقلية الربحية المتسببة في عمليات الردم هي الرابح الوحيد في كل ذلك. ففي حال سلمنا أن المساحة المردومة من خليج توبلي هي 12 كم مربعا فيمكننا حساب القيمة المادية لاستثمار تلك الأراضي المردومة والتي تتراوح بين 450 - 754 مليون دينار بحريني (عبدالغفار 2003). بينما الأهمية الاقتصادية العائدة على الجماعة من جراء الاستثمار المستدام لبيئة القرم لا تقدر بثمن, لقد دفعت آلاف من العائلات ثمن ذلك الردم غاليا جدا.
2 – مصانع غسيل الرمال
توجد على سواحل خليج توبلي وبالخصوص قرب منطقة راس سند خمسة مصانع لغسل الرمل البحري وتتمثل خطورة هذه المصانع في نقطتين هما تراكم (السلت) في مياه خليج توبلي وكذلك التقليل من كفاءة حركة مياه البحر وذلك بسد منافذ حركة مياه البحر.
أ - سد منفذ القناة البحرية
في الصورة الجوية المرفقة لرأس سند لوحظ وجود قناة بحرية طبيعية دائرية الشكل وهي القناة التي توصل مياه البحر بأشجار القرم وهي الشريان الرئيسي لتغذية النبات بالماء إضافة إلى أنها تجدد المياه وتقلل من ملوحتها وقد كانت هذه القناة في السابق ذات منفذين ولكن تم دفن إحدى فتحات هذه القناة لإقامة مصنع لغسيل الرمل (الزياني 1999 ص 54) وبذلك اعتمدت المنطقة على فتحة واحدة للقناة مما أدى إلى تقليل كفاءتها وتقليل حركة مياه البحر فيها مما أدى لزيادة الملوحة في المياه التي تحيط بها.
ب - تأثير السلت
تمر عملية غسل الرمال عادة بمرحلتين الأولى يمر فيها الرمل المراد غسله على أحزمة متحركة ويتم رشه بالماء وذلك لفصل المواد غير المرغوبة من الرمل كالحصى والقواقع والأصداف أما في المرحلة الثانية فيتم فيها غسل الرمل وذلك بنقله إلى خزانات مليئة بالماء بعدها ينقل الرمل إلى حزام متحرك هزاز ليقلل من نسبة الماء الموجودة فيه ومن ثم يخزن. نتيجة لتلك العمليات تنتج مخلفات سائلة تحتوي على جسيمات وأتربة دقيقة جدا تسمى بالمسحوق الرملي أو (السلت) وتنتج الخمسة مصانع المحيطة برأس سند ما مقداره 95 طنا من السلت يوميا وهذه أرقام لأعوام نهاية التسعينيات من القرن المنصرم (خلف والمدني 1999 ص 78 وعبدالغفار 2003). ويصرف السلت في البيئات البحرية الضحلة القريبة من المصانع بثلاث طرق إما بعمل برك كبيرة أو ممرات مختلفة الأطوال أو ممرات وحفر (عبدالغفار 2003). ولمادة السلت مردودات خطيرة على البيئة منها:
1 – ترسب السلت في قاع البحر مسببا ازديادا في سمك أرضية القاع وانخفاضها في العمق كما تسبب تلك الترسبات خنق وقتل الكائنات الحية التي تعيش في القاع وتدمر بيئاتها.
2 – يحتوي السلت أيضا على نسب عالية من الأملاح مما يعني رفع مستوى الملوحة في خليج توبلي مما سيؤثر سلبا على حياة الكائنات البحرية في هذه المنطقة بما في ذلك أشجار القرم.
3 - محطات معالجة مياه المجاري
توجد محطتان لمعالجة مياه المجاري التي تصب مياهها المعالجة وشبه المعالجة في خليج توبلي هما محطة توبلي ومحطة النويدرات, وهذه المياه تصب مباشرة في بيئات أشجار القرم الموجودة في المنطقة التي تصب فيها تلك المحطات مما أدى لموت وتدهور هذه الأشجار بالإضافة إلى تسبب تلك المياه المعالجة في تدهور شديد في نوعية مياه خليج توبلي مما أدى لتدهور الحياة الفطرية في الخليج بما في ذلك الأسماك.
يحدث أن يتم تصريف مياه صرف صحي غير معالجة في خليج توبلي وهذه المياه لها تأثير ضار على بيئة نبات القرم فهي تؤدي لزيادة نشاط البكتيريا والطحالب وخاصة في منطقة أشجار القرم، حيث تقل حركة المياه مما يزيد المشكلة تعقيدا. وبالإضافة للطفيليات والجراثيم الضارة تحدث زيادة في نشاط البكتيريا التي تستهلك الأكسجين, كما تؤدي تلك المياه لانبعاث الروائح الكريهة التي تعكر صفو تلك البيئة.
وفي العام 1983م تم تصريف مياه الصرف الصحي «مرحلة معالجة واحدة فقط» في بيئة القرم في رأس سند وذلك في آخر القناة المائية مما جعل القناة ذات لون أحمر مائل إلى البني وذلك من النشاط المفرط لتكاثر البكتيريا في تلك المنطقة, ومما زاد الأمر تعقيدا هو دفن إحدى القنوات الرئيسية في رأس سند كما ذكرنا سابقا.
4 - المخلفات الصلبة
تلقى العديد من المخلفات بشكل روتيني على سواحل خليج توبلي, والبعض يستخدم تلك المخلفات لردم أجزاء من الخليج, وتحتوي تلك المخلفات على العديد من المكونات التي تضر بالبيئة والحياة الفطرية فيها. فعلى سبيل المثال هذه المخلفات تتكون من مختلف أنواع المعادن كالحديد والنحاس والخارصين والكاديميوم والكروم وغيرها من المعادن الخطرة والسامة وهذه العناصر تترشح مع الزمن إلى البيئة البحرية بتراكيز مرتفعة فتؤثر على نوعية المياه.
العدد 2764 - الأربعاء 31 مارس 2010م الموافق 15 ربيع الثاني 1431هـ