العدد 2764 - الأربعاء 31 مارس 2010م الموافق 15 ربيع الثاني 1431هـ

المشهد اللبناني في الصورة العراقية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

المشهد اللبناني بدأ يتمظهر بقوة في الصورة العراقية قبل الانتخابات وخلالها وبعدها. فالمشهد في بلاد الأرز عرف تقليديا بضعف الدولة وقوة الطوائف والمذاهب ونظام محاصصة ومشاركة وانشداد المجموعة السياسية الأهلية إلى المحيط الجغرافي وتأثرها بفضاءات القوى الجوارية والإقليمية وانسياقها إلى تحالفات إطارية تستخدمها لتحسين مواقعها المحلية في دائرة التنافس على تقاسم السلطة.

هذا المشهد في تكويناته وتلويناته وتذبذباته وتقلباته وارتباطاته أخذ ينتشر جغرافيا ويتمدد إقليميا. والصورة العراقية التي تحطمت بعد الاحتلال الأميركي في العام 2003 حين تشرذمت الدولة وتقوضت وتناثرت المجموعات الأهلية إلى أشلاء طائفية ومذهبية تتقاتل على وراثة التركة وتتزاحم على الارتباط بالخارج الدولي والإقليمي والجواري، مستفيدة من الفراغ الأمني، والفوضى أخذت تقارب بسرعة الفضائح اللبنانية في إشاراتها ورموزها.

الفارق بين المشهدين يتمثل في حجم العراق واتساع مساحته الجغرافية وضخامة ثرواته وتعداده السكاني. وهذا الفارق بين الكفتين يعطي فكرة عن عمق الكارثة التي وصلت إليها بلاد الرافدين بعد الاحتلال والتقويض، ويقدم عينة عن ارتدادات أهلية يرجح أن ينزلق إليها العراق في مرحلة بدأت القوات الأميركية تستعد للتجمع وإعادة الانتشار للرحيل.

الفترة الفاصلة بين الانتخابات والانسحابات يمكن أن تشهد حالات من القلق والتوتر والتبعثر في التحالفات السياسية المحلية والجوارية والإقليمية والدولية ما سيكون له تأثيره على خريطة العراق وتكوينه الأهلي وتوازناته. فالصورة يرجح أن تكون أسوأ من المشهد اللبناني نظرا لكبر حجم ومساحة وغنى العراق قياسا ببلاد الأرز التي تعود أهلها على تجربة يفتقدها أهل العراق.

الصورة العراقية التي دخلت المشهد اللبناني ستتعرض في الفترة المتبقية من الاحتلال الأميركي إلى تحولات لا يستبعد أن تغير التشكيلة التي استقرت عليها في السنوات السبع الماضية. فالقوى التي تعاملت مع إدارة واشنطن ودخلت مع جيوش جورج بوش إلى بغداد وساهمت معها في عملية السلب والنهب والسرقة وتهريب الأموال وثروات النفط أخذت تبحث عن بديل تعتمد عليه بعد رحيل الاحتلال. والقوى التي استفادت من سقوط النظام السابق وحققت المكاسب بسقوط الدولة وتقوضها بدأت تستعد لفتح قنوات وخطوط تضمن لها حصصها ومواقعها في لحظة غياب الجيوش الأميركية وانتقالها إلى منطقة أخرى. والقوى التي تضررت من انهيار الدولة ونظامها المركزي يرجح أن تستنهض عزمها وتنشط أعصابها بعد سبات قسري فرضته إدارة واشنطن في عهد بوش.

صورة العراق دخلت الآن مرحلة انتقالية تقارب المشهد اللبناني في تواصله الجواري والإقليمي والاستقواء به لتحسين مواقعها المحلية وتعبئة الفراغات الأمنية وترتيب مناصبها ومراكزها في التوازنات الداخلية. وتغير مشهد الصورة العراقية في طور الانتقال من مظلة التدويل إلى خيمة التكيف مع الأقاليم والجوار سيحمل معه إلى ساحة بلاد الرافدين الكثير من الاضطرابات والمشكلات المستوردة من المحيط الجغرافي.

مثلا القوى التي تعاملت مع الاحتلال ودخلت مع الدبابات الأميركية بغداد وتعاونت مع واشنطن في النهب والسرقة والنصب والاحتيال نجحت في كسب المناصب ومراكمة ثروات لا تستطيع التخلي عنها بسهولة في مرحلة غياب جيوش الولايات المتحدة، لذلك ليس مستغربا أن تبدأ هذه المجموعات في البحث عن بديل (أو بدائل) يساعدها على الاستمرار في مواقعها مقابل تعويضات وضمانات وإغراءات بالمال والنفوذ. والقوى التي استفادت من دمار الدولة وانشطارها لن تكون أفضل من تلك الشرائح المتعاملة لأن مصلحتها الذاتية تقتضي تأمين مظلة أمنية للحماية وقنوات جوارية وإقليمية ترتب لها مواقعها في نظام يفتقد إلى شرعية تاريخية وحصانة دولية.

المشهد الذي تمظهر في العراق بعد الانتخابات ليس غريبا بل هو خطوة متوقعة في سياق هيئات انكشفت في تعاملاتها الدولية. وتراكض تلك القوى وتزاحمها لكسب مودة الجوار والأقاليم وأخذ التعليمات والتوجيهات من مصادرها ومنابعها ليس عملا مستغربا حصوله. فهذه المجموعات تأسست أصلا وعاشت ونشبت وتربت في هذه الفضاءات وتعودت على أخذ الأوامر والإملاءات من الخارج.فمن يرتكب الكبيرة لا يتردد في افتعال الصغيرة. ومن تعود على حماية الأصيل وبنى مجده السياسي في ظلاله لا يخجل في اتباع المنهج نفسه مع الوكيل أو الرديف.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2764 - الأربعاء 31 مارس 2010م الموافق 15 ربيع الثاني 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 3:11 ص

      أصحاب ثورة الأرز

      أنت تؤيد ثورة الأرز التي ساندت أو على الأقل سهلت الضربة الإسرائيلة 2006 للبنان بحجة أن حزب الله اعطى الذريعة لإسرائيلي, والسنيورة أستقبل رايس بالقبلات خلال الحرب,,,,لكن هذه ليست خيانة ....

    • زائر 2 | 11:53 م

      عبد علي عباس البصري

      نعم تشابهت لبنان والعراق ، من حمى العراق من دخول الجيوش الايرانيه غير الذين صوتو للذين جائو على الدبابات الامريكيه كمازعمت؟؟ من الذين طردو الاحتلال البريطاني من العرق ؟؟ غير آباء الذين جائو على الدبابات الامريكيه كمازعمت؟؟ من الذين وقفو ضد ارهاب البعث وتعنته يطالبون بالديموقراطيه ؟؟؟ ففازو بالشهاده . كذلك لبنان من الذين ابرقو لليهود باحتلال لبنان ومن الذين جاهدو وطردوااليهود من لبنان اليس هم الذين يستحقون ان يحكمو لبنان كماهم اخوانهم في العراق.

    • زائر 1 | 11:28 م

      عبد علي عباس الصري

      كذلك قال اللذين من قبلك مثل قولك تشابهت قلوبكم ، سؤال اخي العزيز نويهض ، من الذين جائو على الدبابات الامريكيه ،واين كانو ، ومن شردهم ، ومن صادر اموالهم ، ومن هتك اعراضهم ، ومن ضربهم بالسلاح الكيميائي ، ومن غض الطرف علنهم ، وكيف فازو بالاكثريه في البرلمان ،اذا كانو قد جائو على الدبابات الامريكيه . كم عددهم ،وكم باقي منهم في المهجر. ومن اي بلد جائت القوات الامريكيه لتدخل الى بلاد ما بين النهرين من بحار فارس لو من بحار العربان.

اقرأ ايضاً