العدد 604 - السبت 01 مايو 2004م الموافق 11 ربيع الاول 1425هـ

حلم «كان» العربي الطويل يعود مع شاهين وفلسطين

اذا كانت دورة العام الماضي لمهرجان «كان» السينمائي، الذي يقام في ربع كل عام في تلك المدينة في الجنوب الفرنسي، قد اعتبرت واحدة من اسوأ دوراته خلال الاعوام الأخيرة، فإنها كانت اكثر سوءا بالنسبة إلى الحضور العربي في «كان» اذ يومها، وعلى رغم وجود فيلمين مغربيين كان كل منهما الفيلم الأول لمحققه (فوزي بن سعيدي ونرجس تجار)، اعتبر العرب غائبين كليا اذ حتى الفيلمان المشاركان من انتاج فرنسي وكانت لهما نكهة تتماشى، اصلا، مع الذوق الفرنسي يومها إذ سألنا مسئولي «كان» عن سبب ذلك الغياب، فكان الجواب ان لجان الاختيار لم تشاهد اي فيلم عربي بدا جديرا بتمثيل السينما العربية واستعادة امجادها «الكافية» التي كانت تحققت قبل ذلك بعام على أفلام فلسطينية وجزائرية وغيرها، عرضت في ذلك العام وفاز واحد منها «يدالهية» لايليا سليمان، بجائزة رفيعة وابدا مسئولو «كان» حينها أملهم بأن يكون الحضور العربي في «كان» المقبل افضل.

اليوم، ها هو «كان» المقبل، يقبل فعلا وها هي الامنية تتحقق إذ حتى الآن، اعلن وجود فيلمين عربيين في الدورتين الرئيسيتين للمهرجان، وربما الفيلمان المنتظران اكثر من اية افلام أخرى، اذ ان اولهما هو «اسكندرية، نيويورك» او «الغضب» يوسف شاهين، والثاني هو «باب الشمس» ليسري نصر الله. فيلم شاهين ستختتم به تظاهرة - نطرة ما - اما فيلم نصر الله فيعرض في الاختيارات الرسمية «خارج المسابقة».

طبعا سنعود إلى الحديث عن هذين الفيلمين في رسائل تالية اثر عرضهما، وكذلك سنعود إلى الحديث عن باقي ما سيعرض عن افلام عربية وايرانية (تهمنا بشكل خاص) خلال المهرجان، اذ ثمة افلام عربية اخرى ستعرض في تظاهرات غير التي أعلن عنها حتى اليوم. أما هنا فيهمنا ان نقول ان هذه العروض، انما تستعيد تقليدية العلاقة، البسيطة والمميزة دائما بين بعض السينما العربية ومهرجان «كان».

عطيل ويلز المغربي

ولعل اطرف ما يمكن ان نبدأ به كلامنا هنا، هو ان دولة عربية (هي المغرب) كانت منذ العام 1952، أي خلال الدورة الخامسة لمهرجان «كان» قد «فازت» بالسعفة الذهبية للمهرجان... ولكن ليس بفضل فيلم عربي، بل بفضل فيلم لعملاق السينما اورسوف ويلز، هو «عطيل» الذي على رغم ان انتاجه كان اميركيا - فرنسيا مشتركا، عرض باسم المغرب، اذ كان ويلز قد صوره هناك لاسباب قانونية وتقنية وكان «ذلك الفوز المغربي» الذي يظل شبه مجهول حتى الآن، فاتحة لمسلسلة من انتصارات عربية تالية في «كان» تمثلت مرتين في الفوز بالسعفة الذهبية، ومرتين اخريين بالفوز بجائزتين اساسيتين، وذلك على مدى نصف القرن التالي، والحال ان تلك الانتصارات انما اتت لتحقق حلما عربيا قديما، كان يوسف وهبي، قد عبر عنه منذ وقت مبكر جدا وتحديدا منذ واحدة من اولى دورات المهرجان، إذ قصد «كان» ليعرض فيلمه «سيف الجلاد» ففوجئ بأنه اختير عضوا في لجنة تحكيم المهرجان. لكنه وقبل ان تغرقه «المفاجأة» في احلام عظمة من النوع الذي كان يحب، فهم ان «لجنة» التحكيم يومها كانت تتألف من كل ضيوف المهرجان.

بعد يوسف وهبي كان ثمة عرب آخرون في لجان التحكيم، وابرزهم يوسف شاهين وفريد بوغدير، لكن هؤلاء اختيروا عن جدارة وفي لجان طبيعية.

غير ان تحقق الحلم العربي بالفوز كان عليه ان ينتظر العام 1975 حين فاز الجزائري محمد الاخضر حامينا بـ «السعفة الذهبية» عن فيلمه «وقائع سنوات الجمر» محققا بهذا تلك الامنية العربية الجارفة التي كانت داعبت عدة مخرجين حملوا افلامهم وشاركوا في دورات «كان» وعلى رأسهم يوسف شاهين «شارك بـ «ابن النيل» و«صراع في الوادي» مطلع الخمسينات، ثم بـ «الارض» و«داعا بونابرت» و«اليوم السادس» و«الاسكندرية كمان وكمان» الذي وجد نفسه في العام 1997، يعطي عن مجمل اعماله السعفة الذهبية «الخاصة بخمسينية المهرجان، وهي ارفع تكريم اعطي لسينمائي في «كان» حتى اليوم. وشاهين اذ اعلن سروره يومها بهذا التكريم لم يخف انه كان يفضل ان تعطى «السعفة» لفيلمه «المصير» الذي عرض يومها في المسابقة الرسمية.

والى حامينا وشاهين، كان الفوز ايضا من نصيب مارون بغدادي عن فيلمه «خارق الحياة» الذي منح جائزة النقاد الخاصة، شراكة مع الدنماركي لارس فون تراير وفيلمه «اوروبا»، واخيرا كان الفوز ايضا وبشكل اكثر ودلالة من نصيب الفلسطيني ايليا سليمان عن «بدالهية» كما ذكرنا ولعل ما يمكن ملاحظته في كل هذا، وبشكل ملفت «هو أن كل الافلام العربية التي فازت بجوائز كبرى في «كان» كانت أفلاما سياسية، وفيها انواع عدة من «اعادات النظر» فـ «وقائع سنوات الجمر» كان عن الثورة الجزائرية مسجلا تاريخها في نفس ملحمي لا يفوته ان يتحدث صراحة عن الصراعات الداخلية بين الثوار، وليس فقط عما اقترفه الفرنسيون و«فارق الحياة» لمارون بغدادي القى نظرة موضوعية باردة على الحرب الاهلية اللبنانية تندد باختطاف صحافي فرنسي خلالها من قبل مقاتلين شيعة. و«يد الهية» لايليا سليمان صور التناقضات الفلسطينية الداخلية، على عادته، بقدر ما صور التناقض لدى الاسرائيليين، وفضح اخلاقيات المقموعين بقدر ما فضح ممارسات القامعين. فهل لنا ان نستنتج من هذا شيئا؟

سياسات عربية

إنها حكاية اخرى على اية حال، ليست هي ما يهمنا هنا. ما يهمنا هو ذلك البعد السياسي الفاقع الذي هيمن على الدوام على السينما العربية التي حالف التوفيق مشاركتها في «كان»، وما يهمنا في المقابل هو ان نلاحظ ايضا كيف ان المشاركات الاخرى في «كان» على تنوعها وتعددها والحاحها، ووجودها في الكثير من الدورات، كانت نادرا ما تلفت الانظار. وفي هذا الاطار نكاد نستثني فيلم «صمت القصور» للتونسية مفيدة تلاتلي، و«حكاية الجواهر الثلاث» للفلسطيني ميشال خليفي، اذ نال كل من الفيلمين تنها حين عرض... بينما مرت افلام مثل «بزنس» للتونسي نوري بوزيد، و«سلاما يا ابن العم» و«باب الواد» للجزائري مرزاق علواش، و«عودة مواطن» للمصري محمد خان و«الحب على هضبة الهرم» للراحل عاطف الطيب (وكلها عرض في تظاهرات ثانوية الى حدما ضمن اطار المهرجان) مرت مرور الكرام... وندر ان لفتت انظارا. وكذلك كان حال المشاركات القديمة جدا، من مشاركة صلاح أبوسيف (منذ العام 1949 بـ «عنتر وعبلة»، حتى العام 1956 بـ «شباب امرأة» مرورا بعرض فيلمه «الوحش» في العام 1954 إذ فاز بجائزة تقديرا لمشاركات يوسف شاهين المتعددة مثل فوزه الكبير في العام 1997.

واذا كانت هذه الافلام كلها لم تلفت النظر من المؤكد ان حضور النقاد والصحافيين والمنتجين وبقية السينمائيين العرب في المدينة البحرية الجنوبية الفرنسية، يلفت النظر اكثر اذ انهم عادة ما يبدو الاكثر صخبا وانفاقا للمال ومشاركة للآخرين، وسجالات حادة فيما بينهم ومن المؤكد ان صخبهم سيزداد حدة هذه الدورة، من جراء المشاركة العربية الملفتة في اكثر من تظاهرة... ولكن ايضا لأن السمة الغالبة على المشاركات العربية (من شاهين الى نصر الله... إلى من سيأتي اضافة اليهما) يكمن في كونها مشاركات سياسية. تلامس النقاط الساخنة. اذ ان فيلم يسري نصر الله هو عن القضية الفلسطينية ويتحدث في اربع ساعات (اذ انه صنع اصلا كحلقتين تلفزيونيتين) اختصرت للعرض السينمائي، عن بدايات اللجوء الفلسطيني بعد اطاحة الكيان الصهيوني، ويحاول ان يضع بعض الاصابع على بعض الجروح، اما فيلم يوسف شاهين فهو يتحدث من خلال مسيرة الفنان نفسه، عن علاقته بالسينما وبهوليوود وبالسياسة الاميركية، عبر لغة سينمائية جديدة وموضوع محبوك بقوة... وادانة صارخة للسياسة الاميركية التي لا تكف عن بعث الخيبة في نفوس من كانوا يؤمنون بالقيم الاميركية وبالفنون الاميركية، وسيقول لنا شاهين في فليمه هذا، لماذا الخيبة وكيف سقطت اميركا تدريجيا في اعين من احبوها وكان هو من بينهم

العدد 604 - السبت 01 مايو 2004م الموافق 11 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً