العدد 604 - السبت 01 مايو 2004م الموافق 11 ربيع الاول 1425هـ

فيرونيكا غورين... الصحافة على الطريقة الايرلندية

حين عرض فيلم فيرونيكا غورين Veronica Guerin في جميع أنحاء ايرلندا أثار موجة من ردود الفعل في الأوساط العامة. يذكر أن الفيلم مبني على القصة الواقعية لجريمة قتل الصحافية الجريئة في صحيفة «الصنداي اندبندنت» الايرلندية فيرونيكا غورين والتي قتلت في سيارتها في دبلن في 26 يونيو/ حزيران 1996 بسبب ذكائها ومثابرتها وشجاعتها الاستثنائية في تعقب وفضح جرائم لوردات المخدرات في ايرلندا والذين حولوا دبلن إلى منطقة حرب في منتصف التسعينات، وأدى اغتيالها إلى التفات الحكومة لقمع الجريمة المنظمة وتجار المخدرات حيث قبض على أكثر من 150 شخصا من مروجي المخدرات في تلك الفترة. فيلم «فيرونيكا غورين» والذي تلعب بطولته الممثلة كايت بلانشيت هو من نوع الأفلام التي تستهوي هوليوود لأنه يسرد حكاية نموذجية لشخصية شجاعة وجريئة كرست جهودها للتغلب على الفوضى والغوغاء والجرائم.

وقد عرضت الصُحُف الايرلندية آنذاك الجدل الحاصل حول مقتل فيرونيكا إذ اعتبرها البعض الصحافية الأكثر شجاعة في جيلها إلا أن البعض الآخر انتقدها لطموحِها الزائد وتهوّرها الذي أوقعها في متاعب وعرض حياتها للخطر ما أدى في النهاية لاغتيالها، كما اتهمت فيرونيكا باختلاقها الأكاذيب في سعيها للحصول على الدعاية والشهرة الواسعة إبان الحادثة التي وقعت لها عندما أطلق عليها مجهول النار ليصيب ساقها في بيتِها في بداية العام 1995. ان حملتَها لفضح باروناتِ المخدّرات في دبلن عرّضَت عائلتها بالتأكيد لخطر محتم، لكن السؤال الذي يطرح هو هل كان من حق فيرونيكا أن تفعل مافعلته؟ وهل يمكن أن تختار المرأة مهنة تعرض حياتها للخطر حتى وان كانت متزوجة وأما لأولاد؟ وهل يستطيع أي رجل أن يكون بمستوى شجاعتها وتمسكها بمبادئها الثابتة التي لا تتزعزع؟

يظهر الفيلم بكل وضوح حب فيرونيكا لزوجها وابنها وبأنه كان لديها الكثير من الفرص لتفادي ما حصل والانسحاب من المعركة إلا أنها رفضت الاستسلام والرضوخ لتوسلات أقربائها لها بالتراجع عن مهمتها الخطرة هذه، ولكن ماهو الدافع الذي جعلها تستمر في عملها على رغم تحذيرات المحيطين بها؟ سؤال جيد يمكننا أن نعتبره المحور الرئيسي للفيلم وربما يعتبر السبب الذي دعا كيت بلانشيت إلى قبول لعب دور فيرونيكا. إن قصة فيرونيكا هي قصة بطولية نموذجية لكنها قد تبدو مملة على الشاشة لذلك فقد أضيفت إليها الإثارة من خلال تصوير البطلة كشخصية طموحة ساحرة وجذابة وسريعة الانفعال لذلك فهي لا تتوانى عن ملاحقة المجرمين.

عندما تتطور الحوادث في الفيلم وتصاب فيرونيكا في ساقها تصبح صحتها في حالة حرجة الا أنها تفاجئنا بقرارها عدم الاستسلام وتحذر زوجها من اخبار الجميع بحالتها الصحية المتدهورة حتى لا يعتقد الجميع بأنها جبانة.

بدأت فيرونيكا بالكِتابَة عن بيئةِ دبلن الإجرامية في العام 1994 بطريقة مشاكسة ومثيرة لسخط مجرمي المخدرات إذ اعتبره بعض الصحافيين تصرفا غير حكيما منها، والأدهى من ذلك أنها بعد الحادثة المشئومة التي حصلت لها خاطرت بزيارة منازل ثلاثة من المجرمين الذين تشك في تورطهم بالحادثة لتُسلّم كل واحد منهم رسالة تسأله فيها عما إذا كان هو المسئول عن الهجومِ الذي حصل لها. ونراها في أحد مشاهد الفيلم تهدد المجرم الشهير مارتن كاهيل الذي يلعب دوره جيري أوبراين من خلال نافذة منزله الخلفية إذ تطالبه بتزويدها أسماء مزوديه بالمخدرات والا فإنها ستخبر زوجته عن علاقته مع أختها.

قد يبدو للبعض بأن ما فعلته فيرونيكا ماهو إلا الاعيب صحافية طائشة تريد الحصول على الشهرة بأي ثمن بدلا من كونها مراسلة صحافية استقصائية متعقلة لكن ربما تكون جرأتها الزائدة عن الحد هي التي شجعت المجرمين على الوثوق بها والحديث إليها.

يعتبر المجرم جون غيليغن والذي يلعب دوره الممثل جيرالد ماكسورلي الشخصية الشريرة الرئيسية في الفيلم حيث يظهر كزعيم عصابة ترويج الهيروين الذي قام مع عصابته بقتل الكثير من جنود كاهيل الأبرياء وربما كاهيل نفسه وهذا يناقض القصة التي ذكرتها الشرطة الايرلندية عن مقتل كاهيل والتي أكدت انه قتل على أيدي أعضاء انفصاليين من الجيش الجمهوري الايرلندي.

الفيلم لم يترك أي مجال للشك في أن غيلغان وعصابته دبروا مؤامرة قتل فيرونيكا، قد تكون هذه هي الحقيقة لكن المحاكم الايرلندية واجهت الكثير من المشكلات والصعوبات في كشف الحقائق، إذ برأ غيليغن من تهمة التآمر لقتل فيرونيكا لكنه أدين بجريمة استيراد الحشيش على نطاق واسع وعوقب بسجنه لمدة 28 سنة، كما حوكم اثنان من عصابته وهما: بول وورد وبرايان ميهان، وادينا بالقتل على ضوء أدلة شريكين آخرين في العصابة الا أن المحاكم الايرلندية أقرت بعدم ميثاقية شهادتهما لاحقا، وبعد ثلاث جلسات محاكمة برأ غيليغن من تهمة القتل المنسوبة اليه.

الشخص الوحيد الذي ادين بقتل فيرونيكا وهو يَقضي عقوبة السجن حاليا هو برايان ميهان الذي كان يقود دراجته النارية في الشارع نفسه في وقت حصول الجريمة، إذ زَعمتْ الشرطة الايرلندية بأنّ باتريك يوجين هولاند هو الذي أطلق النار عليها لكنه لم يتهم بالقتل أبدا إذ عوقب بعشرين سنة سجن خفضت بعد الاستئناف إلى اثنتي عشرة سنة بسبب تهمة ترويج المخدرات، بعد ذلك أعلن غيليغان احتجاجه على اتهامه بتجارة الهيروين ودعمه في ذلك السياسي الشهير جون غريغوري. لم يكن لدى منتجي الفيلم أي شكوك لكنهم لم يستندوا إلى المعايير الخاطئة المتبعة في المحاكم أو الصحف الشهيرة للحصول على البراهين وربما يمكننا القول بأن فيرونيكا ماتت لأجل هذه المعايير.

يقدم الفيلم عرضا دقيقا جدا لتفاصيل حياة فيرونيكا إلا أنه لا يشرف ذكراها، بل انه يركز على تأكيد بعض الحقائق والتي ربما تكون غير صحيحة مثل تورط غيليغان في تجارة الهيروين

العدد 604 - السبت 01 مايو 2004م الموافق 11 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً