العدد 604 - السبت 01 مايو 2004م الموافق 11 ربيع الاول 1425هـ

تائه في الترجمة... فيلم يستحق المشاهدة

إذا كنت من محبي أفلام الإثارة المليئة بالحوادث الدراماتيكية قد يخيب أملك عند مشاهدة الفيلم الرومانسي الكوميدي Lost in Translation لمخرجته صوفيا كوبولا. الفيلم حقق نجاحا ساحقا في شباك التذاكر الأميركي على رغم أنه لا يحوي الكثير من الحوادث والإثارة قياسا بأفلام هوليوود الرومانسية الكوميدية الأخرى. يعتبر هذا الفيلم كوميديا رائعا غنيا بالأفكار يعتمد على المشاهدة والتأمل بدلا من التركيز على الحوادث المثيرة والحوار وهو يظهر براعة صوفيا ككاتبة ومخرجة لها مستقبل مهني واعد في هذا المجال.

الفيلم يتناول قصة صداقة بريئة تتطور إلى قصة حب رومانسية في ظروف غريبة بين بوب وتشارلوت (تلعب دورها سكارليت جونسون) اللذين يلتقيان لعدة أيام في أحد أفخم فنادق طوكيو باليابان. بوب النجم السينمائي اللامع (يلعب دوره الممثل بيل موراي) الذي يزور اليابان بغرض تصوير إعلان تلفزيوني لأحد المنتجات التجارية، وتشارلوت التي ترافق زوجها المصور في رحلة عمل ليصور إحدى فرق الروك. يصور الفيلم البطلين كشخصين تائهين في الحياة ينقصهما الشعور بالاستقرار في حياتهما العائلية والاجتماعية إذ يكتشف كل منهما بأنه يعيش حالة من العزلة والوحدة وهذا الشعور ربما يتعلق بكونهما بعيدين عن وطنهما فأجواء طوكيو المعتمة والغريبة نوعا ما كافية لجَعْلهما يَتعلّقانِ ببعضهما كتعلق الغريق بحطام السفينة.

تشعر تشارلوت الفتاة الصغيرة المثقفة والتي تخرجت لتوها من الجامعة بالضجر من حياتها الزوجية الجديدة وتبدو غير قادرة على السيطرة على الأمور حتى في هذه المرحلة المتقدمة من علاقتها مع زوجها كما أنها تبدو مترددة بشأن تحديد مستقبلها المهني فهي حائرة بين امتهان الكتابة أو التصوير، أما بوب والذي يكبرها بسنوات بحيث يصلح أن يكون أبا لها فهو يمر بأزمة منتصف العمر إذ يعترف لتشارلوت بأنه يفتقد أبناءه كثيرا ولكنه لا يحس بهذا الشعور حيال زوجته التي تتواصل معه بالفاكسات المقتضبة. يدرك بوب جيدا بأن هناك شيئا ما مفقود في حياته لكنه لايعلم بالضبط ما هو فهو يعيش في قوقعته الخاصة بعيدا عن الجميع.

تتطور العلاقة بين الاثنين الى نوع من الارتباط البريء تماما كعلاقة أب بابنته بعيدا عن أجواء الاثارة التي ترافق الأفلام الرومانسية عادة ففي أحد المشاهد المشحونة عاطفيا نجد تشارلوت تضع رأسها على كتف بوب إذ يبدو دفء العلاقة بينهما واضحا إلا أن ما يجعل الفيلم مختلفا ومشوقا أنه لا يدفع بهذه العلاقة للأمام بل يجعلنا كمشاهدين ندرك مدى التقارب الروحي بين هاتين الشخصيتين اللتين جمعتهما الأقدار في مكان واحد وظروف متشابهة من خلال نظرات عيونهما التي تبدو كافية للتعبير عن مدى الحب والاحترام بينهما. لقد ركزت مخرجة الفيلم كوبولا على الانطباع الذي يتركه الفيلم في نفوس مشاهديه بدلا من الاستغراق في السرد القصصي وهي نقطة تحتسب لصالحها على عكس غالبية مخرجي الأفلام الذين لايملكون الصبر الكافي للاهتمام بالتفاصيل الصغيرة في الفيلم كتصوير الضوء المنعكس على الماء أو وهج أضواء المدينة من خلال نافذة الفندق.

لقد أدى الممثلان أدوارهما ببراعة تامة واقتدار أعطت الفيلم عمقا وواقعية فعندما يخبر بوب تشارلوت عن المعنى الحقيقي للابوة والمشكلات أو الأوقات المبهجة التي تصاحبها نجد في نبرة صوته مشاعر مختلطة من الحزن والفرح والحرمان العاطفي والإخلاص لعائلته. لقد نجح موراي في التعبير عن كل هذه المشاعر بحس صادق وأداء مؤثر أعطى الفيلم طعمه الخاص به إذ استطاع أن يوصل شعوره للمشاهد بحركات عينيه وتعابير وجه باستعمال أقل الكلمات الممكنة، أما سكارليت فقد تألقت في الفيلم بأدائها الرائع الا أن موهبتها الحقيقية تكمن في صوتها الرقيق الجذاب الذي يصلح للغناء

العدد 604 - السبت 01 مايو 2004م الموافق 11 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً