العدد 608 - الأربعاء 05 مايو 2004م الموافق 15 ربيع الاول 1425هـ

حماس والمعركة الصعبة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

جاء اغتيال الشهيد عبدالعزيز الرنتيسي ليفتح الباب من جديد لطرح الكثير من الأسئلة عن الأوضاع التنظيمية والأمنية لحركة المقاومة الإسلامية حماس، وخصوصا مع تزايد عمليات الاغتيال النوعي لكوادرها الطليعيين والمؤسسين خلال السنتين الماضيتين في ظل عجز بيّن من قِبَلِها للرد أو أخذ المبادرة، على رغم ما يُردده قادتها في الكثير من مُقابلاتهم الصحافية (وعندما يُواجهون بمثل هذه الأسئلة) بأن الرد العسكري لا يخضع من جانبهم لردات فعل سريعة وانفعالية وإنما لمعطيات الواقع المتحرك في إطار الحيثيات الأمنية واللوجستية والاستخبارية. ويُدللون على كلامهم بأن الرد على اغتيال المهندس يحيى عيّاش في النصف الأول من العام 1996 جاء بعد خمسين يوما من حادث الاغتيال، وعلى رغم كل تلك التبريرات فإننا كمراقبين نعي مدى حجم التباين في القوة بين الحركة والكيان الصهيوني.

حركة حماس التي تأسست في 18 أغسطس/آب من العام 1988 مازالت تعتبر أن خيارها الوحيد والمُلزم لإنهاء ملف القضية الفلسطينية هو العمل المُسلح والمقاومة، وهو خيار في حد ذاته مُؤيَّد من كل الظروف الموضوعية للقضية، إلاّ أن الأمر الذي يحتاج إلى مراجعة جديّة هو وقوف قيادة الحركة ولو مرة واحدة لتدارس موازين القوى الحقيقية والابتعاد عن التمسك بشعار «موازين الإرادة» التي ينادي بها البعض بفقه شعاراتي بحت. وهنا يجب ألا يُفهم من كلامي هذا رغبة في التخالف مع خيار المقاومين بقدر ما هو حرص على تقييم لواقع بات مُرا وباهظ الثمن بدرجة مريعة. صحيح أن الخيارات الصعبة والقرارات الحاسمة تحتاج إلى أن يُقدم في سبيلها بعض التنازلات والقرابين إلاّ أنه يجب أيضا معرفة حجم تلك القرابين والتنازلات التي صارت تُقدم من اللحم الحي للحركة وليس من فائضها المؤجل. إنني أقول هذا الكلام مقتنعا بأن حركة حماس وعلى رغم ما أصابها من جلل المصاب في مقاتِل كثيرة، استطاعت أن تُغيّر الكثير من معادلات تل أبيب الأمنية والدفاعية وخططها التوسعية بل حوّلت مسألة الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي إلى كابوس مظلم بات الجدل بشأنه واسعا ومُرهقا واستطاعت ببيان انتقامي واحد بعد كل عملية اغتيال أن تُخلي شوارع «إسرائيل» من المارة. ثم هي أيضا بات في استطاعتها أن تضع العصا في عربة الحصان لتقلب الطاولة على الجميع منذ اتفاقات أوسلو وإلى الآن. إلاّ أن الحديث المهم هو إلى أي مدى ستبقى عملية المقاربة في المعركة خاضعة لقاموس الجولات العسكرية؟ وإلى أي مدى وصلت فيه قدرة الحركة على جلب الوجع إلى الخصم.

وهنا أودّ أن أشير أيضا إلى أن الكثير من الحركات الفلسطينية التحررية انتعشت بعد الانتصار الكبير الذي حققه حزب الله لبنان في مايو/ أيار 2000 بعد أن كاد خيارهم العسكري أن ينزوي إلى الظل، إلاّ أن المهم في تلك الحيثية هو أن تجربة الانتصار لحزب الله قد تكون مفصلا تاريخيا نادرا جدا ومعركة عسكرية وسياسية فريدة ومتداخلة ولا يمكن مقارنتها بأي حال من الأحوال مع تجربة المقاومين في فلسطين. فحزب الله كان يملك نظاما سياسيّا متماهيا معه في الخيار، وكان بحوزته أوراق إقليمية مُهمّة زوّدته بما يملك من المال والسلاح (سورية وإيران)، في ظل وجود حدود برية وبحرية وملاحة جوية مفتوحة. كما أن الوجود الإسرائيلي في جنوب لبنان لم يكن يحظى بإجماع عالمي حتى في دواخل العالم الغربي لأن ظروف بقائه انتفت (عمليا وبحسب الشروط الدولية) منذ اتفاقات الطائف. ثم ان عنصر أخذ المبادرة العسكرية لحزب الله ضد الخصم الإسرائيلي بدأت في التصاعد منذ مطلع عقد التسعينات، وهو ما أربك موازين القوى في المنطقة، لذلك أعود فأقول إن استجلاب الأمثلة الحرفية في السياسة أمر غير مقبول، وعلى قيادة حماس أن تُعيد النظر في الكثير من أجندتها، وقبل أن أضع نقطة النهاية لحديثي أطلب أيضا من القارئ الكريم ألا يجتهد في تصنيفي ضمن ما لا يُحب

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 608 - الأربعاء 05 مايو 2004م الموافق 15 ربيع الاول 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً