العدد 615 - الأربعاء 12 مايو 2004م الموافق 22 ربيع الاول 1425هـ

إدواردو غاليانو: أكتب احتفالا بالحياة

نيويورك -سكوت شيرمان 

تحديث: 12 مايو 2017

يُعتَبر إدواردو غاليانو أحد أبرز كتاب أميركا اللاتينية الذي تناول الكثير من القضايا التي تمس الضمير الاجتماعي. وهو يصر بأنّ اللغة تأتي دائما في المرتبة الأولى لما تحمله من الأسرار والألغاز. ولد غاليانو في أورغواي ونفي إلى الخارج تحت الحكم العسكري للبلاد في فترة السبعينات. تميزت كتاباته دائما بالصدقية ونصرة الضعفاء. من أشهر كتبه هو Open Veins of Latin America الذي نُشرَ في المكسيك العام 1971واستخدم فيه أسلوب النثر الرثائي لتصوير خمسة قرون مِن النهبِ والإمبرياليةِ في أميركا اللاتينية.

«إن التقسيم العمالي في جميع الأمم يعني أن يكون البعض فائزا، والبقية الأخرى خاسرة» كانت هذه مقدمة كتابه الذي يتشابه مضمونه إلى حد كبير مع مضمون نظرية التبعية الماركسية Dependency Theory في فترة الستينات والتي تشير إلى أنّ اقتصاد أميركا اللاتينية قَدْ سحق بشكل منظّم من قبل الاقتصاد العالمي منذ العصرِ الاستعماري. أصبح الكتاب، الذي أعد الكتاب خلال ثلاثة شهور من العمل الجاد، في فترة مليئة بالاضطرابات السياسية والدكتاتورية، مرجعا قانونيا رئيسيا في الأوساط الراديكالية، وبيعت منه مئات الآلاف من النسخِ في نصف الكرة الأرضيةِ الجنوبي. وعندما منعت الحكومة بيع الكتاب اضطر البعض إلى تهريبه حتى أن إحدى النساء أخفت الكتاب في حفاظ رضيعِها لتهريبه من تشيلي.

استمر غاليانو في إبداعاته الأدبية إذ أصدر ثلاثيته Memory of Fire التي نشرت بين العامين 1985 و1988 وترجمت إلى الإنجليزية من قبل سيدريك بيفراغ. يكتشف الكتاب الذي نشر على ثلاثة أجزاء بعنوان و Faces and Masks و Century of the Wind و Genisis التاريخ السري للأميركتين ويصف بإيجاز حياة الكثيرين من العبيد والدكتاتوريين والأوغاد والشعراء والمنظرين. استقى غاليانو مادة كتابه من مصادر متعددة كالمذكرات، الروايات، قطع الشعر، الفولكلور، كتب السفر القديمة المنسية ودراسات المنظرين وتقارير منظمة العفو الدولية. رتبت الحوادث بالتسلسل في كل جزء من أجزاء الثلاثية لكن المناطق الجغرافية لم تأت بالترتيب. وفي إحدى كتاباته المعنونة بهافانا - كوبا، 1588 «القديس مارشال يواجه النمل» كتب غاليانو:

إن النمل الضاري يُواصلُ تخويف الناسِ ويُقوّضُ الحيطانَ ويسقط الأشجارَ ويُدمّرُ الاراضي الزراعيةَ ويَلتهمُ الفاكهة والذرةَ ولحوم الغافلين. ولنصرة القديس سايمون الذي تعد المدينة احتفالا بيوم مولده كل عام، يَنتخبُ المجلس البلدي حام آخرَ للبلدة بالإجماع - القديس مارشال الذي يعتبر الدرع الجديد لهافانا ضدّ اعتداءات النملِ والذي كان قبل ثلاثة قرون أسقف ليميغوز وقيل إنه كان له تأثير رباني عظيم.

وفي نص آخر من كتاباته في العام 1984 في مكان ما في تشيلي بعنوان Neruda في صحيفة « LE Imparcial » اليومية تعقيبا على ملاحقة السلطات العسكرية الشاعر نيرودا كتب غاليانو:

ينتقل نيرودا من مخبأ إلى آخر إذ يلاحقه المحققون... يسافر في الليل. نيرودا هو أحد الشعراء الذين عانوا الكثير من الظلم والاضطهاد لمجرد أنه عاش محترما، وأبدى رأيا مختلفا عن الجميع أو لمجرد أنه عاش فقط ولكنه من النوع الذي لم يشتك أبدا من قدره أو يتذمر من مصيره الذي اختاره بنفسه ولم يأسف أبدا لوحدته التي يتمتع بها. وهو يستمتع بحبه للقتال تماما كما يستمتع بسماع قرع أجراس الكنيسة أو شرب النبيذ أو الطيران والتحليق عاليا مهما كان الثمن الذي يجنيه من وراء ذلك.

ينوع غاليانو أكثر من غيره بين الشعرِ وتأليف الكتب إذ قارنه مايكل ديردا من صحيفة «واشنطون بوست» بكافكا وبورغيه، بينما قال عنه مؤلف كتابCity of پuartzlhd; vdtds «لم يركز أحد بشكل كبير وواضح على الأوضاع اللاإنسانية والتفاوتِ الجذريِ الذي يعزز من الوهم الذي يقوم عليه الاقتصاد الجديد أكثر من غاليانو». ومن أحدث كتب غاليانو كتابه Upside Down: A Primer for the Looking- Glass World. ويهزأ الكتاب من سلسلة من الخطط التعليمية بعناوين مثل « Injustice 101 » و« The«acred Car» و SAA pedagogy of Solitude جميع هذه العناوين ترثي ضحالة فكر المجتمع الغربي الاستهلاكي واضمحلال المثالية والتقسيم المُتزايد بين الشمالِ والجنوبِ. وذكر غاليانو بنبرة كئيبة في أحد مقاطع كتابه:

«انه من المثير للشفقة حقا أن تدخل الدول في منافسة محمومة لإثبات سلوكهم الجيد لرؤية من يستطيع الفوز بأكبر عدد من عظام القتلى الذي تخلفه المعارك، ومن هو الأكثر حرية في تشويه وإفساد المجتمع».

كما يعرض الكتاب مجموعة رائعة من النقوش مِن قِبل الفنانِ المكسيكيِ خوزيه جوادالوب بوسادا ( 1852-1913) الذي تأثر بدعاباته الساخرة الكثيرة من الفنانين مثل فريدا كاهلو وجوزيف ميتشل.

ولد غاليانو في مونتيفيدو بالأورغواي العام 1940وكافح في عمله في فترة شبابه كعامل في أحد المصانع، ثم تنقل بين الكثير من الأعمال إذ عمل كمحصل فواتير وصباغ لوحات ومراسل وأمين صندوق. بدأ في سن الرابعة عشرة في إرسال مساهماته من الكاريكاتير والمقالات إلى الصحف والمجلات اليسارية. ثم سجن لفترة قصيرة مع عشرات الالاف من المواطنين خلال الشهور التي سبقت الانقلاب الأورغواييِ العام 1973. بعدها لجأ إلى الأرجنتين والتي استسلمت إلى حكم الدكتاتوريةِ العسكريةِ في العام 1976 فلم يجد غاليانو مفرا من اللجوء إلى برشلونة إلا أنه عاد أخيرا إلى أورغواي في العام 1985 عندما أعيد النظام إليها. وأصبح منذ ذلك الحين واحدا من أبرز مُؤلفي أميركا اللاتينية إذ أنتج سلسلة أعمال أدبية جريئة تحتوي على الكثير من الحكايات الرمزية مثل الفولكلور وقصص الأطفال وكتب التاريخ والهجاء والشعر. من هذه الأعمال: Soccer in Sun and Shadow و Walking WordsوBook of Embraces Days and Nights of Love and War الذي تم إعادة طبعه حديثا.

تحدث إدواردو غاليانو عن تجربته ككاتب في لقاء أجراه سكوت شيرمان في 28 أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي بفندق ميلبورن بمانهاتن. دار الحوار باللغة الاسبانية وترجم إلى الإنجليزية من قبل شيمان وآمي برينس.

في مقاله hy writeh اعترف الكاتب جورج أورويل أن نقطة بدايته كانت دائما الشعور بالتحيّزِ والإحساس بالظلمِ. ما نقطة بدايتكَ؟

- إني أكْتبُ فقط عندما أشعر بالحاجة إلى الكتابة. تَعلّمتُ ذلك مِن موسيقار كوبي رائع كان يقرع الطبول ببراعة إذ أخبرني ذات مرة «إني أَعزف فقط عندما أشعر بالحاجة لذلك» كَانَ ذلك سره الذي باح به إلي. لذلك فأنا أَكْتبُ فقط عندما أَشْعرُ بالحاجة للكِتابَة ولَيسَ لأن ضميري يَملي علي الكتابة. كما أن كتاباتي لا تنبثق من سخطي على الظلم والجور فقط، بل هي احتفال بالحياةِ التي تحمل الكثير من المعاني الجميلة والمخيفة في آن واحد.

في كتابِه Utopia Unarmed: The Latin Americans Left After the Cold War يجادل جورج جي كاستانيدا بأنّ المثقّفين الأميركيين اللاتينيين حققوا «وظيفة رئيسية» فهم، في اعتباره، «مراقبو الوعي الوطني، و نقّاد دائمو المحاسبة، وهم حصون المبدأِ والأمانةِ». ففي المناطق الناطقة باللغة الاسبانية والبرتغالية يبدو الكثير مِن الفنانين والكُتّاب والموسيقيين مُحاصرين بالفاقةِ والظلمِ من حولهم. وعلى سبيل المثال فإن البرتغالي خوزيه ساراماغو الفائز بجائزة نوبل كثيرا ما يسافر إلى المكسيك وتشاياباس، لإبْداء تضامنِه مَع ثوّارِ زاباتيستا گapatista. السؤال هنا: لماذا يمتلك كُتّاب أميركا اللاتينية مستوى أعلى مِنْ الوعي السياسيِ مقارنة مع الكُتّابِ هنا في الولايات المتّحدةِ؟

- أنا أعتقد بأنه من غير العدل أن نعمم فأنا لا أثق أبدا في التعميمِ؛ إني لا أُريدُ حقا أَنْ أُخمّنَ حول «دورِ المثقّفِ» أَو «وظيفةِ الكاتبِ الفعلية». لأني أَعتقدُ بأنّ هذا يَعتمدُ على المكان الذي يوجد في الكاتب. إن ساراماغو بنظري هو كاتب مدهش قادر على الغوص في أعماق شخصياته، يدفعه في ذلك حافز التضامنِ و إني أَشتركُ معه وأشجعه في ذلك. لكن هناك كُتّاب آخرون ممن هم غير سياسيينَ بشكل واضح إذ ساعدوا كثيرا في كَشْف الهويةِ الأصلية لشعبهم وحققوا عملا سياسيا ذا قيمةِ عظيمةِ من دون أن يشعروا بذلك كما هو الحال مَع الكاتبِ المكسيكيِ العظيمِ جوان رولفو الذي يعتبر أفضل كاتبِ أميركي لاتينيِ في القرنِ العشرينِ كَان قادرا على سبر أغوار الحقيقةِ. لكن يَجِبُ أَنْ نَكُونَ حذرينَ من ناحية التعريف. هذه الأيامِ هناك ميل لتصنيف الأفرادِ فعبارة «كاتب سياسي» هي فقط لقب. نحن جميعا سياسيون حتى إذا كنا لا نَعْلم بأنّنا كذلك. إن الهوية السياسية الواضحة لَيستْ الإمكانية الوحيدة فقط. إن مهنة التصنيف هذه تعتبر خطيرة.

إذن لو أنَّنا اعتبرنا ساراماغو كمثال ورولفو كمثال آخر.

- « كلا لا يمكننا التفريق بينهما فكلا الرجلين مشتركَان في المشروع نفسه. إن رولفو يعتبر حيا طالما أعماله حيّة؛ وهو ما زالَ يَتواصل مَعنا عن طريق أعماله. كلاهما عَملَ لكَشْف الحقيقةِ فهذه هي الرسالة الحقيقية للفن.

إذا كان لدى أي كاتب التزامات سياسية محددة، كَيفَ يُعبّرُ عمّا يدور في ذهنه فنيا من دون وقوعه في الفخ الدعائي؟

- أنا لا أَرى نفسي ككاتب له التزامات سياسيةِ محددة إنما كاتب يُحاولُ الغوص في ألغازِ الحياةِ وأسرارِ المجتمعِ، والمناطق المخفية أو المَبهمة - لأن الحقيقةَ تكون محجوبة دائما. إن ارتباطاتي السياسية وعملي هما شيء واحد لذلك فاني لا أواجه أية مشكلة في الدعايةِ لأفكاري. وعموما إن الدعاية للاتجاهات الفكرية لَيستْ كافية إذ انها لا تطيل من عمر العمل الفني. ولكن في بَعْض الحالاتِ هناك أعمال فنية تؤدي وظيفة الدعاية فقط لكنها تَستمرُّ، ففيلم كازابلانكا مثلا كان له وظيفة دعائية الا أنه مازال حيا كما أن أفلام إيزنستين التي ظهرت خلال الفترة الستالينية كانت دعائية أيضا، لكنها تعتبر قطعة فنيةَ عظيمةَ ورائعة. لذلك يمكننا القول إن الدعاية لَيستْ شيئا عابرا دائما. أنا لا أؤمنُ بالصياغاتِ التخطيطيةِ كما ترى فالحقيقة معقّدةُ جدا.

إذا هل تعتقد بأن جين بول سارتر كان مخطئا لاعتقاده بأن الكُتّابِ لديهم التزام بالتَصَرُّف عَلى نَحوٍ معين، اتجاه معين بذاته؟

- لا أعتقد بأن الكُتّاب يَجِبُ أَنْ يَكُونوا سياسيينَ بل باعتقادي أنه يتوَجبُ عليهم أَنْ يَكُونوا صادقينَ، أي صادقينَ في ما يَعْملونَه ولا يَبِيعوا أنفسهم أو يسمحوا للآخرين أن يشتروا أقلامهم. إن الكاتب لابد أن يَحترم نفسه ويحتفظ بكرامته كبشر وككُّاتب محترف يريد ما يريد قوله بصدق وبكلمات نابعة من القلب، أما فيما عدا ذلك فان كتاباته توصف بأنها مصطنعة. إن الكارثة الحقيقية هي عندما تَؤمر أن تَكُونَ سياسيَا والنتيجة هي ما يسمّى بالواقعيةِ الاشتراكية التي تعتبر أسوأ من الواقعية الرأسمالية.

في كتابك Memory of Fire كتبت بشكل مسهب وبالتفصيل عن شخصية غابريل غارسيا ماركيز وسيزر فليغو وبابلو نيرودا لكن هناك إشارة قصيرة وصغيرة واحدة مدونة عن جورج لويس بورغي في العام1935، في بوينس آيرس: «إن كل ما يجمع الناس معا مثل كرة القدم أَو السياسةِ، وكُلّ شيء يُزيد من عددهم ويضاعفهم مثل المرآة أَو ممارسة الحبِّ يَصيبه بالرعب. انه لَنْ يَعترفَ بحقيقةِ أخرى غير التي وجدت في الماضي: ماضي أسلافِه، وفي الكُتُبِ التي كَتبتْ مِن قِبل أولئك الذين عَرفوا كَيفَ يؤيدون تلك الحقيقةِ، أما البقية فهم دخان وسراب فقط. بالطيبةِ العظيمةِ والذكاءِ الحادِّ، يُسرد جورج لويس بورغي التاريخ العالمي المخزي. أما عن العارِ الوطنيِ الذي يلاحقه فهو لا يَستفسر عن ذلك أبدا».

- عندما كَان نيرودا يقوم بواجبات كعضو في الحزب الشيوعي كمقاتل كَتبَ أسوأ القصائدِ عن الولاءِ إلى ستالين وقصائد أخرى من هذا النوع إذ ظهرت أسوأ كتاباته في تلك الفترةِ عندما كتب قصيدة Canto GeneralBlh أفضل أجزاء قصيدته كَانتْ الأبيات التي تغنى فيها ببساطة عن السعادةِ والرعبِ و البهجةِ التي عايشها في أميركا اللاتينية.

لم يكن لنيرودا مكان خاصّ في قلبِي أبدا فأنا لا أَشعر بطعم الحياةِ في أعماله ولكنني طبعا أَحترمُ أسلوبَه و مهارته في الكتابة. لقد كَانَ كاتبا مثقّفا، رجل برأس بلا قلب ولا جنس ولا معدة - فقط رأس ذكي جدا بشكل رائع. لَكنَّه كَانَ نخبويا وعنصريا ورجعيا وكان مواليا للدكتاتوريين العسكريين أمثال الجنرال فيلدا في الأرجنتين وبينوشيت في تشيلي لذلك فاني لا أشعر بالقرب منه. لقد كان نيرودا كاتبا مثقفا في المكتبةِ فقط شُغِلَ العالم عَلى نَحوٍ مختلف بقصائدِه التي تحتفل بالحياة والحر والحب.

هَلْ تَقترحُ بأنّ نيرودا كان كاتبا أفضل - أَو رجلا أفضل بسبب سياستِه اليساريةِ؟ ان تصويرك لبورغوا في كتابك لا يَبْدو جيدا كوصفك لنيرودا الآن.

- ربما يعتبر ذلك حقيقيا، ففي الكتابِ كنت أكثرُ كرما تجاه نيرودا أكثر من بورغوا لكن ذلك لَيسَ بسبب التزاماتِهم السياسيةِ الخاصة، فعندما أقرأ لنيرودا أَشْعرُ بأنّ هذا الشخص كَانَ يَعِيشُ رعب وأعاجيب الحياة، وكان يَسْقطُ ويرتفعُ ثانية إذ تضرر من ضرباتِ الحبِّ والوقتِ والموتِ. أَشعر بان هناك نبض حياة داخل بعض أعمالِ نيرودا وهذا الشعور لايتكرر في غالبية أعمالِ بورغوا ولكن في بعض أعماله أحس بهذا الشعور ولكنه دائما يأتي عَلى نَحوٍ مؤلم كشيء محزن وثمين جدا في الوقت نفسه.

إن جميع الكتاب من الجيل الجديد في أميركا اللاتينية والكتاب الآيبيريين أصبحوا كبارا في السن. مثل غارسيا ماركيز، ساراماغو، كارلوس فيونتيه، ماريو فيرغاس ليوزا، كارلوس مونسيفياس ومانيول مونتابلان وآخرون غيرهم. فهل سيشترك الجيل القادم من كتاب أميركا اللاتينية في التزاماتهم السياسيةِ مع كتاب الجيل القديم؟ وهَلْ سيَهتمّونَ بالثورةِ الكوبيةِ تماما كما فعل غارسيا ماركيز؟

- لا أملك القدرة على التبوء بالأشياء وحتى إذا تنبأت بحدوث شيء فان العك يحدث تماما كما أنني لا أَعْرفُ ماذا سَيحل بالجيل القادمِ إلا أنه في الوقت الحاضر، هناك عملية طمس للصفة السياسية وهذه هي الحقيقة فعلا. إن الوعي السياسي للناسِ - ولا أقصد هنا الكتاب - أقل بكثير مما كان عليه من قبل. لكن التأريخَ يَتحرّكُ غير ثابت والأشياء تَتغيّرُ. إن الحقيقة مختلفة اختلافا كليا عن القدر، إنها تحد. لا يمكنني التحديد حقا ماذا سَيحصل مَع جيل الشبابِ.

أما بالنسبة إلى الكُتّابِ، يَجِبُ عليهم أَنْ يَكُونوا أشخاصا صادقينَ لا يَستعملونَ الأدبَ كأداة تجارية لكن بالأحرى كطريقة لإظْهار الكلماتِ والحق الذي يجب أنْ يُقالَ. ذلك يعتبر شيئا أساسيا بالنسبة اليّ. إن الكلمات التي تَستحقُّ أن تُقالَ تنبثق من الحاجة لقولها وهذا هو كل ما أتمناه من الكتاب، أما بقية الأشياء التي على الكاتب الالتزام بها فهذا شيء أقل أهمية. إن الكثير من الكُتّابِ اليساريين ممن يمتلكون النوايا الحسنة لا يكتبون بعمق عن البشرية كما أن الكثير مِن الكتابات السياسيةِ تعتبر مفرطة ورديئة، فالكثير مِن الكُتّابِ السياسيين يبدون غير ملمين بفكرة أن كل شيء يمكن أن يكون موضوعا مهما كانت تفاهة هذا الشيء مثل صوت وقع الخطوات أو صوت رنين الذبابةِ في الجو. إنّ الأمر الأكثر أهمية هو وجهة نظرك أو رأيك ونظرتك الخاصة للموضوع التي قد تختلف مع غيرك ومن أية زاوية وبأي شكل من الأشكال ستنظر إليه؟ إن كتاب Upside Down هو كتاب سياسي لكن قد يبدو للبعض أنه ليس كذلك. لكننا يَجِبُ أَنْ نكُونَ حذرين جدا عندما تُناقشُ مثل هذه الأمورِ فمن السّهلِ الإساءة لكاتب أَو فنان، بقولنا انه سياسيا كأننا نقول انه لا شيء.

عندما كتبت كتابك Open Viens of Latin America قبل ثلاثين سنة، لم يكن هدفكَ هو وَصْف جمالِ الفراشة ولكن لدعم وتوثيق الإمبرياليةِ الأميركية في أميركا اللاتينية.

- نعم كان ذاك هدفي في ذلك الوَقت، فقبل ثلاثين سنة كُنْتُ أُكافحُ مع الأسئلةِ وأَبْحثُ عن الأجوبةِ بنفسي. عندما نطلق على البلدان في طور النمو بلدانَ «نامية»، وهي طريقة للقول إنهم مثل الأطفالِ تماما الذين يكونون في طور النمو وهذه كذبة. إنها بلدان متخلّفة لأن البلدانَ الأكثرَ قوَّة تَنْمو على حسابها. إن تخلف بلدان العالم الثالث هي التي مهدت لتطور دول العالم الأول أو العالم الأقوى ولا يمكننا اعتبار تخلفها مرحلة نحو التطور. تلك كَانتْ خلاصة الكتاب. إنّ تأريخَ الثروةِ وتأريخ الفقر مرتبطان ارتباطا مباشرا في القرون الخمسة الأخيرة والسبب في ذلك يعود جزئيا إلى الإمبريالية الأميركية وهذا هو ما يحاول أن يوضحه الكتاب. الكتاب كان مجرد كتيب سياسي والذي اعتقدت بأنه قَدْ يَدُومُ سنتين أو ثلاث سَنَوات الا أنه وعلى خلاف توقعاتي استمر أكثر من ذلك بكثير. لقد كان الكتاب دعائيا على نحو مؤكد ولكن في كتاباتي اللاحقة حاولت قدر الامكان كِتابَة أشياءِ مختلفةِ، لِكي لا أُكرّرَ نفسي. ان كتاب pside Down كتب بأسلوب مختلف كليا عن كتاب Open Viensg;kd ما زِلتُ معتزا بهذا الكتاب ومتمسكا بالأفكارِ التي عرضتها فيه. إنه من أفضل كتبي Open Viens يعتَبرُ الآن كتابا كلاسيكيا في أميركا اللاتينية.

كم عدد النسخ التي بِيعتْ منه؟

- أنا لا أَهتمُّ بذلك.

ولكن جميع الكتاب يميلون إلى الاهتمام بمبيعات كُتُبِهم.

- إني أكسب معيشتي ككاتب وهذا يكفيني، فالكتابة هي عمل صادق وأنا لا أمتهنها لأصبح ثريا. هناك بَعْض الأشياءِ التي أَحتاجُ إلى قَولها لَكنِّي لا أَهتمُّ أبدا بعدد الكُتُبِ التي أَبِيعُها أَو ما هو ترتيبها في قوائم الكتب الأكثر رواجا.

لا نسمع كثيرا هنا في الولايات المتّحدةِ هذه الأيام عن سبكوماندينت ماركوس الزعيم المؤثّر لثوار hgbhfhjdsjh گapatista في المكسيك. لكن ماركوس مَشهور في أوروبا وأميركا اللاتينية حتى أن بَعْض النقّادِ الذين تتبعوا بياناتُه في صحيفةِ المكسيك La Jornada منذ العام 1994 يعتبرونه الكاتب الأفضل في المنطقةِ، وفي المكسيك فأنّ تأثيراتَه الأدبية الرئيسية معروفة على نطاق واسع إذ تأثر بوليام شيكسبير، فيدريكو غارسيا لوركا وجوليو كورتزار وإدواردو غاليانو.

- لا أَعْرفُ إذا كَانَ عِنْدي أيّ تأثير عليه. أعتقد بأنه يُجسّدُ الآمالَ الجَماعيةَ للحركةِ التي يمثلها وهي حركة انبثقت مِن احتجاج السكان الأصليين في jadfhsChiapas وهو يشكر على جهوده الكبيرة التي بذلها للبدأ بالحركة المحليّة أولا والتي تطورت لاحقا إلى حركة قومية ومن ثم دولية. لقد غيّرَ ثوار bhfhjdsjhsگapatistas قواعد اللعبةِ في المكسيك، فالمكسيك لَيستْ بلدا ديمقراطيا لأن الاقتصاد المكسيكيَ لَيسَ اقتصادا قائما على الديمقراطيَة؛ إن هذا واضحُ جدا ولكن من الناحية السياسية نستطيع القول ان المكسيك أحرزت تقدما كبيرا نحو تحقيق الديمقراطية وذلك جاء إلى حَدّ كبير نتيجةَ الضغوط مِنْ قبل ثوار bhfhjdsdjhs گapatistas الذين سخروا جميع طاقات المجتمع المدني وأصبح لهم تأثير كبير عالميا والشكر في ذلك يعود الى لغة وأسلوب ماركوس في الكتابة التي تعتبر برأيي رائعة إذ تجمع بين الأسلوب الامتعاضي، الشعر، وقبل كل شيء طابع المرح فنحن نَحتاجُ إلى الفكاهة في حياتنا بقدر حاجتنا إلى الغذاء أو الماء. أعتقد أن هذه هي السمة الرئيسية التي تجعله كاتبا عظيما.

مَنْ من الكُتّاب والمثقّفين الأميركيين تَحترمُ، ولماذا؟

- لا أُريدُ أَنْ أُجيبَ على هذا السؤالِ لأن هناك الكثير منهم. ربما يعتبر مارك تواين الكاتب الذي تأثرت به في بداياتي. كذلك تأثرت بأمبروز بيرس وكارسون ماكولرز ويليام فولكنر وجْي. دي. سالينغر. لقد تأثرت كثيرا بالأسلوب المرح في كتابات كل من تواين وبيرس.

في مقدّمةِ كتابه الأول Notes of A native Son صرح جيمس بالدوين «أُريدُ أن أكُونَ رجلا صادقا وكاتبا جيدا». أَيّ نوع من الرجالِ وأي نوع من الكتاب تريد أن تكون؟

- أُريدُ أن أكُونَ رجلا صادقا وكاتبا جيدا في الوقت نفسه، كما كان جيمس بالدوين الذي أكن له احتراما كبيرا. لقد استعنت بإحدى قصصه في الجزء الثالث من كتابي Memory of Fire. فبينما كان بولدوين شابا يَتمشّى في الشارعِ مَع صديقه الرسام توقف الرسام لبرهة قائلا «انظر» إلا أنه لم ير شيئا ماعدا بركةَ ماءِ قذرة عندها أصر عليه صديقه أ، ينظر مرة أخرى لذلك ألقى بالدوين نظرة فاحصة على البركة ولدهشته فقد رأى بقعة زيت تَنْشرُ في البركةِ ورأى في بقعةِ الزيت هذه صورة قوس قزح، وانعكاس الشارعِ والأشخاص الذين يَتحرّكونَ في الشارعِ والسحرة والمعتوهين والعالم بأكمله يَتحرّك في تلك البقعة الصَغيرةِ. ومنذ ذلك اليوم قال بالدوين إنه تَعلّمَ كيف يرى لا أن ينظر فقط. بالنسبة إليّ، يعتبر ذلك درسا مهما فأنا أُحاولُ دائما أَنْ أَنْظرَ إلى الكونِ خلال البُرَكِ الصَغيرةِ في الشوارعِ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً