العدد 2365 - الأربعاء 25 فبراير 2009م الموافق 29 صفر 1430هـ

منحوتات عائشة حافظ «كأنها الحب»

بجمعية البحرين للفنون التشكيلية

حينما يقدم الفنانون التشكيليون أعمالا تصنف بأنها من المدارس الفنية التقليدية، فإنهم يعودون إلى أصول الفن في فترة من الفترات محاولين تجديده، والاستفادة من روح المدرسة الفنية في حينها للتعبير عن العاطفة الفنية التي تلم بهم.

العودة كانت دائما إلى المدارس في صورها الموثقة والمنظمة ضمن المراجع والكتب، والمحفوظ في المتاحف نماذج عنها، إلا أن أي شخص لم يكن ليضع نفسه أمام تحدٍ في تقديم مدرسة مدارس الفن، وهو العمل الرمزي المشتق من حياة إنسان الكهف البدائي، ونمطيته في تطعيم جدران كهفه بصور كل ما له ارتباط به وبحياته، من الشجر والورق، من البحر والسمك، من الحب والطمأنينة في حضن ذلك الكهف.

الفنانة التشكيلية عائشة حافظ قد عادت مجددا بمعرض آخر، بعد معرضها الأول الذي حمل اسم «أرى الموسيقى»، والذي أعادت تقديمه كتجربة مرتبطة بالتجربة الأولى من حيث الأسلوب وهوية العمل المقدم بالمادة العضوية في نحت وتشكيل القطع الخشبية المهملة وقطع الصخور البحرية، وهي تنحت من ذلك المعرض الذي احتوى على الأعمال المطبوعة والجداريات وأعمال النحت المنتصبة بكل ما حملته جميعها من رموز، لتجعل المكان كهفها الصغير الذي سجلت في ثناياه الذكريات والأحلام.

«كأنه الحب»، هذا كان اسم المعرض، وأكثر الأمور التي قد يتبادر إلى الأذهان السؤال حول سبب اختياره كمسمى.

الفنانة عائشة حافظ أجابت عن ذلك قائلة «في بداية تجربتي السابقة بالاشتغال على مهملات وبقايا البحر والأغصان والأحجار منذ ثلاث سنوات، كانت تتجمع لدي بقايا الأعمال المختلفة التي أقدمها وأعمال أخرى لم تكن قابلة للعرض في حينها، وهي كثيرة ومتعددة في أشكالها وموادها، وهو ما جعلني خلال لحظة من اللحظات وأنا أتأملها جميعا متجاورين مع بعض أنهم متحابين، ومن هنا طرحت في ذهني تساؤلا متعجبا مفاده كأنه الحب! أي علاقة القطع ببعضها، والذي أصبح بعد ذلك عنوان هذا المعرض».

تضيف حافظ قائلة «كلها أشياء صغيرة مجتمعة، تتنفس وفيها حياة، جمعتها من بين اليابسة والبحر، وطعمتها برموز ورقة شجرة الزيتون، بالحمام، بالأسماك، بأشعار الحب والوطن، ومن هنا يتشكل الحب في ما نراه حولنا».

التجربة التي قدمتها الفنانة عائشة في السابق، كانت قد شدت الشاعر البحريني أحمد العجمي، وألهمته الكتابة بأحاسيسه عن الأعمال المرصوصة في معرض «أرى الموسيقى» وقد تكررت هذه التجربة أيضا مع المعرض الأخير، حيث أصدر الشاعر أحمد العجمي كتابا على هيئة مجموعة بطاقات بريدية، تحمل كل ورقة منه صورة لعمل، ونفحة من إحساسه تجاهه.

الفنانة علقت على ذلك بسعادة على هذا الانسجام ما بين العمل التشكيلي والشعر أن «الشاعر أحمد العجمي نطق بجمال، وزاد العمل بخصوصيته، وجعل العمل يتكلم» مضيفة «تجربتي الأولى في معرض أرى الموسيقى كانت قد استفزت العجمي، وهو شاعر مميز يكتب بتأثره بالبيئة التي تحيط به، وقد تفاجأت بأسلوبه، فله عذوبة في تشخيص العمل الفني، وكانت أشعاره شيئا جميلا، وكلامه لوحات منفصلة كأنها توأم روحي لأعمالي».

انطلق معرض الفنانة عائشة حافظ برعاية عالمة الاجتماع منيرة فخرو في جمعية البحرين للفنون التشكيلية، وذلك بإطلاق ثلاث حمامات بيضاء اللون في سماء القاعة عند الافتتاح، والذي وجدته الفنانة تغييرا مغايرا للرسميات، معلقة «أطلقت المعرض بإطلاق حمامات بيضاء اللون في سماء القاعة، كي أكسر الرسميات، وأعلن بالحمام شعار المعرض المستمد من الوطن/ الحب/ السلام، أو بعبارة أخرى حب الوطن والسلام، وكان ذلك مميزا بكون المعرض قد افتتح في شهر فبراير، وهو الشهر الذي يرمز للحب لتزامن عيد الحب فيه».

إلى جانب جميع ذلك، فقد كان المعرض متميزا بالجداريات الخشبية التي احترفت حافظ صياغتها في أشكال مختلفة، وهي التي تطلبت وقفة في الحديث حولها، ذكرت خلاله أن «لدي رؤية في التعامل مع الخشب، أرى الأمور الملقاة على الأرض بنظرة مختفة، فأقوم بتجميعها ومعالجتها وأركبها ثم ألفها لتتحول إلى عمل بالشكل الذي أريده، فإذا استوعب الإنسان الفكرة وما يريد أن يقوم به فإن الأمر يصبح سهلا بالنسبة له».

أما عن كثرة الرموز التي تناثرت على كل الأعمال المقدمة من الجداريات والمنحوتات والأعمال الطباعية، فقد ذكرت عائشة أن «الرموز تأتي من أشياء تتلاعب في بيئتنا، وحينما أكون في سكون مع نفسي، فإن إحساس الإنسان البدائي في كهفه يتملكني، واسترجع حياته حينما كان يبحث ويستخرج الألوان من مواد عضوية محيطة به، وأشياء صغيرة مختلفة ليرسم بها رموز السمك والورق والطيور، فهي بذلك لا تأتي كرموز أطفال، وإنما هي رموز تعطي عظمة للأشياء، وفيها مضامين أيضا للحوار، إذ تلك الأشياء الصغيرة فيها مواضيع تطرق قلوب الناس المختلفة، وأشياء تشعر المرء بالأمان والنشوة، وتحرك الفن المكبوت في داخله».

عائشة حافظ قالت في ختام الحديث «الفنان ليس من تلصق أعماله على الجدران، ولكن الفنان تجارب وانفعالات مختلفة، وهو ما دفعني لأن أقدم شيئا برؤية مختلفة، دمجت فيها كلمات دغدغت مشاعري، مثل عبارة تعجل ببطء، والوطن نعم... شرط أن ينتمي لي للشاعر أدونيس، وعملين يمثلان حرف الألف، الذي هو أيضا رمز للرجل البدائي، وأول ما يتمكن الإنسان من نطقه بكل بساطة»

العدد 2365 - الأربعاء 25 فبراير 2009م الموافق 29 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً