العدد 2365 - الأربعاء 25 فبراير 2009م الموافق 29 صفر 1430هـ

من وحي الثمانين كتاب يرسم الخريطة الذهنية للوردي

قراءة في كتاب «قارئ ثقافة الشعب العراقي»

يلذ للصحافي سلام الشماع مؤسس جمعية محبي الوردي، ومؤلف كتاب الجندي المجهول، أن يسرد مقولة المفكر الاجتماعي علي الوردي فيه التي يرددها في مجالسه بسخرية أثيرة لديه إذ يقول الأخير «لكل نبي فرعون وفرعوني هو سلام الشماع» ففي كتاب من وحي الثمانين عكف الشماع على مجموعة مقالات متفرقة، ومقابلات متعددة أجراها الوردي في بعض الصحف، فصاغها الشماع

بتصرف في شكل مقالات متتابعة محافظا على روحها العامة وأصدرها كتابا بعنوان «من وحي الثمانين» طباعة دار البلاغ، في 223 صفحة من الحجم العادي.

ويجد القارئ في هذا الكتاب مجمل الأفكار التي أوحى بها الوردي وكانت ديدنه في كتبه بما يشكل الخريطة الذهنية لأهم ما ذهب إليه الرجل في معالجته للمجتمع العراقي وتحولاته، وكذلك أهم انشغالات الوردي الفكرية وما دار حولها من سجال ثقافي، من مثال مفردتي البداوة والحضارة وتجذرهما في المجتمع العراقي، وتعميقه لرؤية ابن خلدون فيهما وفي ولع المغلوب وتقليده للغالب، وكذلك الأمر في نعيه على المجتمع العربي هيمنة الشعر وسيطرة الأدب الرفيع وتجذره في الثقافة العربية، أو ما سماه مؤلف كتاب النقد الثقافي عبدالله الغذامي حديثا «شعرنة الذات العربية» وقد سبقه الوردي إلى الكلام حول دور الشعر في تشكيل الثقافة العربية كحاجز عن سلوك المنحى العلمي في التفكير العربي، أو سيطرة الخطاب البلاغي كما هي أطروحته في وعاظ السلاطين التي يبتلى بها المفكر حين يُنعى عليه بسلاح الخطب العصماء المتسلحة بترسانة من نقل مشكوك وعقل ملفق، وتلك والألفاظ الرنانة التي تتوقد نارها من ثقافة تقليدية يستهويها عامة الناس لإلفتهم لها وجاهزيتها وعدم الحاجة لإعمال الفكر، والناس تستهويها الراحة بدل إعمال الفكر ووجع الرأس ويستغل وعاظ السلاطين، حيث تدبج الألفاظ الرنانة ومسبوكاتها اللغوية «في نقد المفاهيم العلمية الحديثة، والويل لمن يجادلهم فيها» مشيرا إلى أنه وأمثاله قد عانوا من هذه الثقافة واكتووا بنارها، أو حين يناقش ازدواج الشخصية مرجعا إياها إلى لا شعور الإنسان حين يكون نتاج ثقافتين مختلفتين إذ تطرأ عليه إحداهما فيتصرف وفقها «فليس غريبا عليه هذا الازدواج أو التعدد في الشخصية، نافيا أن يكون ذلك مرضا» بل ظاهرة اجتماعية يتصف بها الكثيرون من الناس في مجتمع معين، إذ يتعرضون في نشأتهم الاجتماعية لنظامين مختلفين من القيم، فترى الواحد منهم يسلك أو يفكر حسب أحد النظامين تارة، وحسب النظام الثاني مرة أخرى ولا يكتفي بذلك بل يترصد الفكرة عمليا في الفعل اليومي للناس فيرى أنه ليس غريبا أن يكون الرجل حتى هذه اللحظة مرة دونجوان في تعامله مع المرأة ومرة حجي علوي كما يلذ للعراقيين أن يكنوا عنه في شدته صرامته معها.

يقف الوردي فيما طرحه، كمن يسوّر الظاهرة الاجتماعية ويقرؤها وقد تحولت إلى ثقافة معاشة بقدرة على التعميم وجرأة على الحكم، وتعداد أمثلة وتحللها في استطراد شيق ويلذ له أن يرد على السجالات التي تثيرها أفكاره في صيغة حجاجية تميل للتطبيق على ما اختزله من مقولات على حالات اجتماعية أخرى قد لا يكون انتبه إليها حين أطلق مقولاته ولفت نظره إليها ما آلت إليه المدولات الفكرية التي تجري بعد كل كتاب أو مقالة أو فكرة يطلقها الرجل.

يبدو الوردي في مجمل ما طرحه من أفكار كناقد ثقافي سبق غيره في تقديم رؤيته للمجتمع العربي من خلال قراءاته المتعددة للمجتمع العراقي بلمحة «أركلوجية» حيث يلذ له أن يحفر في الثقافة العربية كيفية تشكيلها للإنسان العربي، مثله مثل جمال حمدان في شخصية مصر، وغيره ممن قرأ الثقافة وهي تنتج الإنسان فتتحكم في أفعاله أو العكس حيث ينتج الإنسان ثقافته ويشكلها كلما زاد وعيه بها.

ويبدو الشماع في هذا الكتاب كراوية للوردي أو كقارئ عليم بالسياق الذي أطلقت فيه تلك الأفكار والمقولات وما صاحبها من سجالات منتصرا دائما للرجل منشغلا بالوردي معللا ما غمض وأحيانا معرفا بما وراء المقولات من مدولات وحكايات طريفة يلذ له روايتها أو حزينة على مقام الرجل كعالم ضاع وسط الزحام واللهاث اليومي للمجتمع العراقي وتحولاته المستمرة بسبب السياسة القاسية كعادتها ومآلاتها التي تئد الفكر وتلوكه في ترسانتها التي لا ترحم ولا تعقل مصالحها الآنية

العدد 2365 - الأربعاء 25 فبراير 2009م الموافق 29 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً