العدد 635 - الثلثاء 01 يونيو 2004م الموافق 12 ربيع الثاني 1425هـ

من يزرع الريح؟

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أخيرا اتفق أعضاء «مجلس الحكم الانتقالي» على اختيار رئيس الدولة العراقية بعد مخاض عسير. وكذلك اتفقوا على اختيار رئيس الحكومة والوزراء ضمن نظام آلي اتبع أسلوب المحاصصة الطائفية - المناطقية.

المهم ان الاتفاق حصل ويبقى السؤال «ماذا بعد؟». ماذا بعد الاتفاق؟ ومن سيدير البلاد؟

المجتمعون اتفقوا على اختيار إدارة أجهزة الدولة، ولكنهم حتى الآن فشلوا في التفاهم على صيغة إدارة البلاد. فالعراق دولة معقدة في طبيعتها وظروفها الاجتماعية وتنوعها. وأجهزة الدولة الإدارية ليست كافية أو على الأقل غير قادرة على تنظيم إدارة بلد خاض سلسلة حروب وتعرض لازمات متتالية وخضع بالقوة والإرهاب لنظام تسلط فيه الفرد وأسرته على الدولة والحزب والجيش.

إدارة البلاد هي المسئولية الأخطر في الفترة المقبلة. فمجلس الحكم ورث دولة محطمة تشرف على بلد مدمر في مختلف المستويات والقطاعات. فالمسئولية كبيرة و«العين بصيرة واليد قصيرة» كما يقول المثل. وسؤال «ماذا بعد اختيار رجال الدولة المقبلة؟» ليس خارج الموضوع. فالموضوع الاساسي يكمن في برنامج إدارة البلاد. كيف ستدير الدولة البلاد بعد إعادة انتشار قوات الاحتلال في نهاية يونيو/ حزيران. هناك الكثير من المهمات الكبيرة من نوع مشكلات الديون، والتعويضات، وإعادة الإعمار، وتوزيع الثروة، والاشراف على الأمن، وتأمين المياه والكهرباء والمواصلات والاتصالات. من يحمي الدولة، ومن يراقب الحدود، ومن يضبط العلاقات الداخلية، ومن يحافظ على الأمن، ومن يشرف على تأمين تداول السوق ويراقب الأسعار، ويحدد المعايير، ويلاحق المخالفات والتجاوزات ويقمع الفساد ويحارب الرشوة... وغيرها من مهمات تعتبر من صلاحيات الدولة.

هل تستطيع الحكومة الانتقالية القيام بكل هذه المهمات وغيرها من مسئوليات كثيرة؟ وإذا فشلت في حمل كل هذه الاعباء فمن الجهة المسئولة عن الوضع إذا أصيب بالمزيد من الانهيار وضربته الفوضى من كل الجهات؟ وعلى من يراهن أعضاء الحكومة، ومن القوة القادرة على حمايتهم وضبط الأمن في حال تعرضت «الدولة» لحالات من الفوضى أو قامت ضدها حركات تمرد تشكك بشرعيتها وتطالب بتغيير أجهزتها؟

سؤال شرعية الحكومة مسألة مهمة. فالشرعية لا تؤخذ من الاحتلال ولا تفرض فرضا، وكذلك لا تنتزع عن طريق القوة وإلا سقط النظام البديل (الدولة النموذجية) في الأسلوب الذي اتبعه صدام حسين طوال ثلاثة عقود.

حتى الآن وكما تبدو الأمور من ظواهرها تفتقد الحكومة الانتقالية إلى الشرعيتين الدستورية والانتخابية. فالشرعية الاختيارية ليست كافية بنظر أهل العراق. فهي حتى الآن شرعية انتقائية (تعيينية) فُرضت بالقوة أو بالتفاهم مع الاحتلال ولم تكترث كثيرا لإرادة الناس. فالناس في هذا المعنى خارج سياق التحول السياسي وإرادتهم مهمشة ولا قيمة لها في إطار الصفقات الخاصة أو التفاهمات السرية التي اتبعت لاختيار الهيئة التنفيذية التي يفترض بها أن تتولى المسئوليات بعد أن يعيد الاحتلال تنظيم صفوفه.

دخل العراق الآن الشهر الأخير من موعد التسلم والتسليم وتبدو الشكوك في محلها. فالمجلس غير قادر من دون معونة الاحتلال على إدارة الدولة، وكذلك لا يملك أعضاء الحكومة خطة واضحة المعالم لإدارة البلاد وتنظيم أمنها ومصالحها. فهناك ضعف في تكوين الحكومة وتركيبتها السياسية. وهناك خلل في بنيتها الاجتماعية. فالتوازن ليس في توزيع الحصص واعتماد المحاصصة في تدوير مسئوليات الدولة، فهذا النوع من السياسة لا يعكس توازن الاجتماع وانما توازن السلطة. والسلطة في هذا السياق حديثة العهد وقليلة الخبرة وولدت بعد اجتياح العراق واحتلاله. وكل هذه العوامل تعتبر عناصر ضعف للدولة «النموذجية» وذلك لسبب بسيط وهو أن عناصر القوة والإدارة والاشراف لاتزال موجودة في الهيئة المشرفة على الاحتلال.

إذا هناك مشكلات، وهناك حفنة من الحلول تملكها سلطات الاحتلال لم تتنازل عنها حتى الآن، ويرجح انها لن تعطيها بعد إعادة انتشار القوات الأميركية في نهاية يونيو. فالاحتلال خطط منذ بداية الاجتياح لهذا النوع من الفوضى وكذلك برمج خططه لتوليد حكومة ضعيفة لا تقوى على إدارة البلاد من دون حاجة إلى الاحتلال وقواته. فالاحتلال بعد تسليم السلطة لن يسلم السيادة للعراقيين بل سيكتفي بإعادة نشر قواته في مجمعات عسكرية تعطيه صلاحيات التدخل عند الحاجة ومراقبة تداعيات الوضع عن بعد.

اتفق أعضاء «مجلس الحكم» على اختيار رئيس الدولة. «أما بعد؟» فهذا سؤال آخر، وجوابه أن الإدارة البديلة لن تستغني عن الاحتلال. فالحاجة ستبقى وربما تفاقمت إذا وجدت الحكومة نفسها تتخبط في دائرة من الفوضى. فالفوضى خطة منظمة وهي «فلسفة» الاحتلال منذ أن قرر اجتياح العراق. اما مجلس الحكم فهو الشاهد على عاصفة أخرى أسهم في اطلاقها من دون علم منه ولا دراية. وفي النهاية «من يزرع الريح يحصد العاصفة»؟

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 635 - الثلثاء 01 يونيو 2004م الموافق 12 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً