العدد 635 - الثلثاء 01 يونيو 2004م الموافق 12 ربيع الثاني 1425هـ

حديث عن القبائل في البحرين

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في مطلع العام 1997، كان لي شرف زيارة مكة المكرمة للمرة الأولى. بعد أداء مناسك العمرة والتحلل من الإحرام، نام صحبة السفر المتعبون، وخرجت في تلك الظهيرة أتجول في طرقات وحواري هذه المدينة المقدسة التي عاش فوق ترابها الرسول الكريم (ص). وأخذتني رجلاي إلى جسرٍ معلّق، تحته مقبرة عتيقة، عرفت لاحقا ان اسمها «مقبرة الحجون»، كان يقف أحد الرجال فوقها متأملا. توقفت عنده وسلّمت فردّ عليّ. وسرعان ما بادرني بالقول: «أنت من البحرين، أليس كذلك؟» فأجبت بالإيجاب، وسألته: «كيف عرفت؟» فردّ: «من لهجتك وشكلك، فأنا من اريتريا، مقيم في هذا البلد منذ تسعة أعوام، وبحكم ذلك بتّ أعرف الزوار والحجاج من لهجاتهم». ثم سألني سؤالا مباغتا: «كم عدد القبائل في البحرين؟». لم أكن أملك إجابة حينها ولا الآن، فالسؤال ربما فرضه على الرجل واقع بلاده المتعدد الأعراق والاجناس والطوائف والقبائل، أما هنا في البحرين، فلم يكن لي علمٌ بوجود قبائل، فهذا البلد أرخبيل مكون من 33 جزيرة، غالبيتها غير مسكون، يتركز غالبيتهم في جزر البحرين (الأم) والمحرق وسترة و... النبيه صالح. عاش البلد عبر القرون معتمدا على الزراعة والغوص على اللؤلؤ. مناطق سكنية موزعة بين المدن والقرى، لم تعرف البداوة حتى قبل الإسلام. فلما جاءت الدعوة الجديدة دخلتها عن إيمان وتسليم.

ومن وحي المباغتة، أجبت صاحبنا الأريتري بالقول: «ليس لدينا قبائل في البحرين بالمعنى المفهوم، بل هناك أسر وعوائل مشهورة، والعلاقات تحكمها الحياة الحضرية، فنحن مجتمع لم نعرف البداوة لعدم وجود صحراء، بل كانت الحياة حياة زراعية وتجارية».

بعد اكتشاف النفط، تغيرت ملامح البلد. بيوت السعف تبدّلت، العيون الطبيعية تحوّلت إلى أنابيب تمد البيوت بالمياه، صناعات تقليدية اختفت لتحل محلها مواد وأدوات مستوردة من وراء البحار. وهكذا تعقدت الحياة وبرزت مشكلات لم تكن في الحسبان. بعضها فرضته التطورات الطبيعية للحياة، وبعضها فرضها الحراك السياسي لشعبٍ يعيش وسط منطقة جاذبة للمطامع الاجنبية. فضلا عن ذلك تطلّعُ هذا الشعب وانفتاحُهُ على الخارج، وتفاعلُهُ مع القضايا الكبرى: عربيا وإسلاميا. لم يثنه ضيق ذات اليد عن مد يد العون لإخوانه في البوسنة وافغانستان والعراق وفلسطين، طبيعة طيبة تربى عليها نتمنى ألا تتبدّل مع الزمان.

واليوم، يعيش هذا الشعب في مرحلةٍ يكثر العثار فيها، لكثرة ما يرافقها من مشكلات وأزمات تنطق بها الأرقام. ومناقشة المشكلات والازمات الوطنية لا يمكن ان توصلنا إلى حلول إذا كان هناك تشكيك في الدوافع واتهام مسبق، فنحن لم نتعوّد بعدُ على آلية القبول بمن يختلف معنا في الرأي، فالآخر نتوجس منه ابتداء، يكفي ان نقرأ اسمه او لقبه لنصنفه في الخانة الخاطئة: من المغضوب عليهم أو الضالين. سماع الرأي الذي «لا نحبه» ولم نعتد على سماعه يعطينا الحق في الاستغراب «في حقيقة الدوافع التي تكمن وراء فتح هذا الملف أو ذاك». الوطن كما قال الأخ يوسف البنخليل اختزلناه في «الطائفة»، فلا نصدّق أن هناك من يريد أن يتحدث عن الوطن وحده، ويخاف على الوطن الذي يراه يسير برجليه نحو مآسٍ بانت نذرها من الآن. نتحدث بالأرقام المخيفة، ونحذّر منها من الآن لننبه النائمين. نتحدّث عن المستقبل وما سيحفل به من مطبات، لنوقظ الغيارى قبل فوات الأوان، فيظن الواهمون ان من يحذّرك من مخاطر الطريق يريد هلاكك! بينما الحكيم العاقل يقول «من حذّرك كمن بشّرك». كيف والوطن هو الذي سيدفع ثمن القرارات الانفرادية الخاطئة والسياسات غير المحسوبة.

عندما تكلّمنا عن قضية التجنيس فليس لاستعراض «اكتشافات خطيرة» مجهولة لأبناء المحرق أو الدراز، وانما لطرح مسلماتٍ أصبح الحديث عنها بصوت مسموع مدعاة للسب والقذع والتشكيك في الولاء للوطن، في وقتٍ يحجم حملة القلم عن التفكير بالاقتراب منها، خوفا ورَهَبا موروثا من أيام «أمن الدولة». أصبح الحديث الصريح الهادف لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، مدعاة للتشكيك في الدوافع وما تحوي القلوب، ويقفزون على كل ما قيل «من اكتشافات غير خطرة» ننتظر حدوثها مكتوفي الأيدي، بعد تسعة أعوامٍ من الآن، حين ينتبه البلد على وجود 100 ألف فمٍ جائعٍ يبحث عن اللقمة في الطرقات المزدحمة.

المطلوب ألاّ تتكلّم بصدقٍ، حتى إذا رأيت البلد ينزلق نحو هاوية ليس لها قرار، حين تفرض «القبائل الجديدة» أجندتها على الوطن، ويبدأ مسلسل التدخل الأجنبي في البلد، الذي لن يكون من دول الجوار، وانما ستأتي التهديدات من العواصم «الآسيوية» التي تدافع عن مواطنيها المغتربين وعن مدنها ومستعمراتها الجديدة على ضفاف الخليج الذي لن يعود عربيا إسلاميا، وما الإمارات العربية المتحدة منكم ببعيد

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 635 - الثلثاء 01 يونيو 2004م الموافق 12 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً