العدد 649 - الثلثاء 15 يونيو 2004م الموافق 26 ربيع الثاني 1425هـ

القرن العشرون الأسوأ بيئيا وإنسانيا

بسبب الحروب المتعاقبة...

الوسط - محرر الشئون البيئية 

15 يونيو 2004

يعد القرن العشرون من أسوأ القرون بيئيا وإنسانيا بحسب تقديرات الأمم المتحدة، نتيجة ما شهده من نزاعات كثيرة كان لها تأثير بالغ الضرر على البيئة. ومع التقدم التكنولوجي الكبير الذي شهدته صناعة الأسلحة والمعدات الحربية، أصبحت الحروب أكثر خطورة وقسوة على البيئة. وعلى رغم تحريم المعاهدات الدولية استخدام جميع أشكال الأسلحة العسكرية التي تضر بالبيئة، واعتبار الإضرار المتعمد بالبيئة الطبيعية وعناصرها الأساسية من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، لاتزال رغبة الأطراف المتحاربة في تحقيق المكاسب العسكرية أقوى من قدرتها على الانصياع لبنود هذه الاتفاقات، ونالت منطقة الخليج العربي قسطا وافرا من الأذى البيئي نتيجة اندلاع ثلاث حروب متعاقبة في العقود الثلاثة الماضية.

فكان لسياسة الأرض المحروقة، التي استخدمت بكثرة في الحروب التي دارت في المنطقة، أثر قاس على بيئتها الطبيعية، بدءا من الحرب العراقية الإيرانية العام 1979، مرورا بالغزو العراقي للكويت العام 1990، وحرب الخليج الثانية العام 1991، وانتهاء بالحرب على العراق العام 2003.

ففي الحرب العراقية الإيرانية لم يوفر الطرفان جهدا في تدمير وحرق وتخريب ما أمكن من أراضي وشواطئ الطرف الآخر، فاستخدمت فيها الأسلحة الكيماوية، وأغرقت السفن ولوثت البحار، بل ان نظما بيئية فريدة كمنطقة الأهوار في جنوب العراق تعرضت للتجفيف والدمار لتسهيل وصول الجيش إليها باعتبارها منطقة استراتيجية حدودية مع إيران، وفي حرب الخليج الثانية وأثناء انسحاب القوات العراقية من الكويت قامت بسكب ما بين 4 - 8 ملايين برميل نفط في مياه الخليج مخلفة أكبر بقعة نفطية في العالم، وأحرقت 732 بئرا للنفط، كما تشير التقارير إلى استخدام قوات التحالف 350 طنا من اليورانيوم المنضب خلال حرب الخليج الثانية. وفي الحرب على العراق العام 2003 كان للأعمال العسكرية دور بالغ الأثر على التلوث البيئي الخطير في العراق، إذ قدرت البنتاغون والأمم المتحدة استخدام الولايات المتحدة وبريطانيا ما يتراوح بين 1100-2200 طن من اليورانيوم المنضب خلال شهري مارس/ آذار وأبريل/ نيسان، فضلا عن عمليات النهب التي تعرضت لها مواقع تحتوي على مواد كيماوية وسامة.

ويحذر خبراء وحقوقيون ومؤسسات دولية من الكارثة البيئية الخطيرة المستعصي إصلاحها في المنطقة، خصوصا العراق، والناتجة عن الأدوات الحربية التي يحرمها القانون البيئي الدولي والمستخدمة في حرب الخليج من جانبي كل من قوات التحالف والعراق. ومن الخروقات القانونية التي قامت بها الحكومة العراقية وقوات التحالف والتي أدت إلى دمار بيئي كبير، مثل حرق وتدمير آبار النفط واستخدام الذخائر التي تحتوي على اليورانيوم المنضب، والتي تؤدي إلى انتشار غبار إشعاعي يلوث التربة والهواء، ويشكل تهديدا إشعاعيا خطيرا على صحة الإنسان والبيئة. وكذلك القصف المتعمد من الجهتين للسدود، ومصانع الطاقة النووية، وغيرها من المرافق التي تحتوي على مواد خطرة، والتي يمكن أن تتسرب نتيجة القصف.

وتشير التقارير إلى أن شواطئ الخليج العربي تأثرت كثيرا جراء هذه الحروب وتلوثت بدرجة كبيرة نتيجة سكب النفط فيها، والذي وصل إلى حدود دول أخرى مثل إيران والسعودية، وتجعل قسوة الظروف المناخية والطبيعية في منطقة الخليج العربي آثار التلوث أكثر خطورة وفتكا مقارنة بغيرها من المناطق. كما تشير التقارير الكثيرة في هذا المجال إلى أن التأثير الإشعاعي لليورانيوم المنضب يستمر إلى نحو 4,5 مليارات سنة، وأنه من السهل انتقال جزيئاته المشعة إلى مناطق أوسع بفعل الرياح والغبار وترسبات الأتربة، والتقارير الطبية تؤكد علاقة اليورانيوم المنضب بارتفاع نسبة الإصابات بأمراض عدة في العراق كالسرطان وتليف الكبد والكليتين، والتشوهات الولادية والإجهاض، وغير ذلك من الإصابات التي تنتقل إلى أجيال متعاقبة، وهناك إحصاءات أخرى تشير إلى ارتفاع حالات الإصابة بأمراض السرطان في دول خليجية أخرى كالكويت والسعودية. وأشارت التقارير إلى ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة للتعامل مع التلوث البيئي الذي أحدثته الحروب في المنطقة، ويتضمن ذلك إجراء دراسات تحديد وتقييم المناطق الملوثة، وإجراء فحوصات للسكان الذين يتعرضون لمشكلات صحية خطيرة، ووضع برامج توعية بالمخاطر الصحية والبيئية للتلوث بأشكاله كافة، كما يتطلب الأمر وضع برامج مستقبلية لإنعاش البيئة وحمايتها والمطالبة بدمج الاعتبارات البيئية في أي نشاط عسكري أو مدني قد يؤثر في البيئة سلبا. إضافة إلى ضرورة إعادة تقييم الحرب باعتبارها مشكلة بيئية بصرف النظر عن مستوى الدمار وآثاره، فالحرب والمشكلات البيئية كلتاهما تعني اختلال التوازن الطبيعي للأشياء

العدد 649 - الثلثاء 15 يونيو 2004م الموافق 26 ربيع الثاني 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً