العدد 656 - الثلثاء 22 يونيو 2004م الموافق 04 جمادى الأولى 1425هـ

ما هو مصير الإسلام في كوريا؟

من الحرب الكورية إلى مأساة كيم سونغ إيل

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل خمسة عشر عاما قرأت تحقيقا عن كوريا الجنوبية، تطرّق فيه الصحافي إلى عدد المسلمين من أصل كوري، وقدّرهم بعشرين ألفا. وأرجع سبب إسلام أكثرهم إلى اختلاطهم بالجنود الاتراك الذين كانوا يشاركون الاميركان في الحرب الكورية التي اندلعت في مطلع الخمسينات. هؤلاء الجنود البسطاء كانوا دعاة تلقائيين إلى الاسلام من حيث لا يدركون، أرسلتهم حكومتهم الموالية للغرب إلى أرضٍ بعيدة، ابان الحرب الباردة، ليقاتلوا دفاعا عن مصالح الشركات النفطية ونفوذ المعسكر الغربي في تلك البقعة الملتهبة من العالم. هؤلاء لم يكونوا أصحاب نظريات فلسفية أو ايديولوجيات وشعارات جهادية، انما التعامل التلقائي الحسن الذي توجّهه الأخلاق كان هو مفتاحهم إلى قلوب الكوريين في تلك الأرض النائية التي مازالت تعيش على عقائد تقديس أرواح الأجداد.

تذكّرت ذلك وأنا أشاهد «الأسير» الكوري «كيم سونغ إيل» ينتفض خوفا ويبكي جزعا من التهديد بالقتل، وهو في قبضة إحدى الجماعات المسلحة في العراق، التي يحمل شعارها اسم «التوحيد والجهاد»، وأخذت أتخيّل كيف ستصل الرسالة إلى شبه الجزيرة الكورية، شمالها والجنوب، بل إلى عموم منطقة جنوب شرق آسيا، بعد أن تشبعت أطراف الأرض بالرسالة الدموية للمسلمين المتشددين، من نيروبي إلى مدريد، ومن الدار البيضاء إلى بالي؟ هل هذه رسالة الإسلام المطلوب توصيلها إلى الناس؟ هل هذه هي رسالة العدل التي نريد توصيلها إلى 80 مليون كوري، بمؤاخذة المواطن بجرم حكومته، حين يسمعون صرخاته الجزعة: «لا أريد أن أموت، أريد أن أعيش»؟ أم اننا اعتدنا ارتكاب كل الأخطاء والخطايا ولصقها بالاسلام الذي أنزل «رحمة للعالمين»؟

تبجّح بالشذوذ!

قبل سنوات استمعت إلى إحدى المحطات الإذاعية في الخليج، كان المتحدث آسيويا (من الفلبين) دخل الاسلام حديثا، وكانت الإذاعة تتبجح باهتدائه إلى الاسلام، فتعرض تجربته في تلذّذٍ وانتشاء! كان الرجل يحكي قصّته الشاذة فيقول: «كنت ذات يومٍ متوقفا أمام إشارة المرور، فإذا بأحدِ الدعاة يرميني بكتيب «إسلامي» من نافذة سيارتي فيصيبني بوجهي، فغضبت جدا على هذا السلوك المتعجرف. لما عدت إلى مسكني ألقيت بالكتيب جانبا، ولكن بعد أيامٍ حانت مني التفاتة إليه، فقلت: لماذا لا أتصفّحه؟ وهكذا أخذت اقرأ ما فيه من موضوعات... فدخلت الإسلام».

عندما يكون النجاح في الدعوة إلى الإسلام عن طريق الصفعات، ويكون التبجح بنجاح هذه الطرق في الإذاعات، فاعلم ان هناك خللا في العقول. وليس بعيدا عن هذه الدائرة تلك النظريات العجيبة، وبالتلذّذ والانتشاء ذاته، التي تتفاخر بإقبال الاميركيين على التعرف على الإسلام، وسؤالهم عن ترجمات القرآن الكريم بعد حوادث سبتمبر/ أيلول، وتتجاهل أن هذا الاقبال ليس نجاحا للدعاة أو دليلا على ما قدّموه من نتاجٍ للحضارة العالمية المعاصرة، من فكرٍ حيٍّ وعطاء نابض بالحياة، وإنما هو أقرب إلى تعرف الخائفين على الحيوانات الضارية لتوقّي شرّها.يتغافل هؤلاء فيخدعون أنفسهم ويريدون أن يخدعونا بأن الأميركيين «يقبلون على دين الله أفواجا»، ولا يريدون أن يعرفوا حقائق العصر. فالاميركي انما يريد ان يتعرف على عدوه الشرس الذي يهمّ بمهاجمته في بيته وقتل أطفاله وتفجير مراكز تجارته وتدمير حضارته.

الاميركيون يتصورون المسلمين برابرة متوحشين، فيقارنونهم بقبائل الشمال التي زحفت على قلب الحضارة في أوروبا وعاثت فيه قتلا وتدميرا. هذا العالم الذي يسمونه إسلاميا أصبح في نظرهم «غولا» متوحشا ينقض على الشعوب الآمنة ليسفك الدماء، ومن هنا يتداعون إلى علاج هذا الغول المريض ويتبارون في كتابة «الوصفات الإصلاحية»، حتى برلسكوني الراشي والمرتشي و«المافياوي» تبرّع لتعليمنا أسس القضاء العادل والنزيه!

هذه هي الحقيقة التي لا يريدوننا أن نستوعبها، لنظلّ عميانا نتردد في نفق الخيالات والأكاذيب وأوهام التفوق على الشعوب كلها، ووسائلنا إلى قلوب العالمين اليوم صفع الوجوه بالكتيبات الاسلامية أمام إشارات المرور، انتهاء بقطع رؤوس الأجانب والتمثيل بالجثث وبثّ صور الأسرى المرعوبين على الانترنت، ليشهد العالم كله على ما يمكن أن نقدّمه إليه من بديل باسم التوحيد، وتحت راية الجهاد!

اليوم وبعد بثّ صورة الكوري المرعوب، لا أدري هل هناك من سيرغب من الكوريين بالدخول في حظيرة الإسلام، أم سيفكّر العشرون ألفا بالإرتداد إلى عبادة أرواح الأجداد من جديد؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 656 - الثلثاء 22 يونيو 2004م الموافق 04 جمادى الأولى 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً