العدد 687 - الجمعة 23 يوليو 2004م الموافق 05 جمادى الآخرة 1425هـ

تأملات الأوضاع في العراق

قراءة في مستقبل بلد ما بعد صدام والاحتلال

عيسى ابراهيم comments [at] alwasatnews.com

من بين انتقادات الكثير من «الثوريين العرب» لمجلس الحكم الانتقالي في العراق وكذلك الحكومة العراقية الحالية المؤقتة، أنهما شكلا على أساس طائفي أو قائمين على محاصصة طائفية أو أثنية بالإضافة إلى كونهما صنيعة الاحتلال، فهل هذا الانتقاد المتعلق بالطائفية في مكانه؟ وهل تشكيل الحكومة أو ملامسة المشكلة الطائفية والتعددية على أسس أخرى ممكن ومفيد للشعب العراقي في ظروفه الخاصة أم لا؟

قبل الإجابة عن تلك الأسئلة لابد من الإشارة إلى أن العراق بلد متعدد الطوائف والأعراق والأديان، وانه على مدى التاريخ الحديث كان يحكم من قبل الأقلية وغالبا من خلال أنظمة بعيدة عن الديمقراطية والعدالة. فالمسلمون منقسمون فيه إلى مذاهب وكذلك المسيحيون ويوجد به أتباع الديانة الصابئية واليزيدية وغيرهم، كما يوجد به العرب والأكراد والتركمان والآشوريون وهؤلاء جميعهم عانوا من غياب الديمقراطية والعدالة وبعضهم عانى من إنكار حتى مجرد حق استخدام لغته أو التعلم بها أو حتى مجرد الاستقرار في الإقليم والمنطقة التي يقيم بها. وقد عانى جميع العراقيين عموما من الأنظمة الدكتاتورية وعدم العدل والمساواة فضلا عن الحروب وآثارها المدمرة والحصار الجائر لمدة فاقت عشر سنوات، كل ذلك في ظل أنظمة سياسية ترفع شعارات القومية العربية والاشتراكية وما إلى ذلك من دون أن يرى المواطن العراقي تطبيقا لمحاسنها على الواقع بل على العكس لم يتحسس سوى مساوئ تلك الشعارات الجسيمة التي خلفت جروحا عميقة في ذاكرة وإحساس غالبية العراقيين على اختلاف انتماءاتهم.

إذا كان هذا هو الحال التعددي في العراق وإحساس غالبية أهله بالظلم المفرط من حكامه، فإن العراق يتميز عن بقية إخوانه العرب ويتفوق عليهم وينفرد عنهم باكتشاف مقابر جماعية والقتل السياسي الواسع الذي مارسه النظام السابق ثم ابتلائه بالاحتلال الأميركي المباشر، فهل تنسجم مواقف الحركة السياسية العربية مع معاناة العراقيين وأثرها في نظرتهم إلى مجلس الحكم والحكومة المؤقتة والمقاومة المسلحة ضد الاحتلال وضد قطاعات واسعة من الشعب العراقي تحت راية العداء للمتعاونين مع الاحتلال مرة، ومعاداة حقوق الشعب الكردي أو محاولة تقسيم العراق أو العداء المذهبي ضد السنة من البعض وآخرين ضد الشيعة مرارا أخرى بل وشبح عودة فكر وممارسات النظام البائد؟

من خلال تتبع الخطاب السياسي العربي بشأن الأوضاع في العراق منذ حرب النظام السابق ضد إيران إلى ما بعد الاحتلال الأميركي والوضع الراهن يستطيع المراقب القول إن الحركة السياسية العربية وخصوصا القومية واليسارية تعاني أو تتسم بداء مزمن يتمثل في تكرار المقولات الجاهزة والاستمرار في إعادة الخطاب السياسي الموروث وعدم الخروج عن المقولات المسبقة ووصف المستجدات بالفداحة والاستمرار في ترديدها مجاراة لعواطف الشارع أحيانا، وفي أحيان كثيرة يكون مصدر ذلك الإرث السياسي أو عاطفة مخاصمة الأجنبي وفكرة قبول الظلم من الحاكم فقط لكونه عربيا أطلق تصريحات عنترية ضد «إسرائيل» والإمبريالية الأميركية أو لكونه من بني قومنا اجترارا للذاكرة الموروثة (أنا وأخي ضد ابن عمي ولكن أنا وابن عمي على الغريب!) فهل الخطاب العربي السائد يتناسب وأوضاع أهلنا في العراق وظروفهم الخاصة بما في ذلك مسألة محاكمة صدام حسين؟

لا جدال في أن مشكلة الطائفية أو المذهبية قائمة في الوطن العربي عموما والعراق خصوصا وكذلك هي التعددية الأثنية والدينية، ولا خلاف في أن المطلوب حلها، ولكن هل سيجدي نفعا تكرار بغضنا للطائفية أو التعصب الديني والتمييز على حساب العرق أو اللون أم مطلوب معالجة تلك المشكلات عمليا؟ لا أعتقد أن اليساريين أو القوميين العرب يختلفون في الإجابة بأن المطلوب معالجتها، ولكن كمقدمة للعلاج نتساءل هل لابد من الإقرار بوجود المشكلة والعمل على معالجتها على المدى الطويل؟ وهل يتطلب ذلك الإقرار بالتعددية السياسية والطائفية والقومية والأثنية والدينية وليس مسحها بجرة قلم أو بجعجة لفظية أو باعتماد أساليب قمعية؟ أم ان المطلوب معالجتها بوسائل ديمقراطية عصرية؟

عالجت أوروبا مجتمعة وفي كل دوله غالبا مشكلة تعدد الطوائف والقوميات والأثنيات والديانات والمذاهب بنظرة عقلانية أولها قبول الواقع المتعدد والإقرار به وتنظيمه برؤية علاجه من خلال اعتماد مبدأ المواطنة المتساوية وإشاعة العدالة بين المواطنين عموما. وحققت تلك المجتمعات تقدما كبيرا في علاج الاحتقانات المتعلقة بمشكلات التعدد القومي والمذهبي والديني والاختلاف السياسي سواء فيما بينها كدول أو فيما بين الفئات المختلفة داخل كل دولة على حده. أما في الوطن العربي فيمكن القول إن النظام السياسي في لبنان الذي عانى ظروف قريبة من العراق مع الفارق، يقوم أيضا على أساس محاصصة طائفية بين المسيحيين والسنة والشيعة والدروز منذ أيام المستعمر الفرنسي، وعلى رغم ذلك يعتبر لبنان من أفضل البلاد العربية ديمقراطية إذ يتمتع الناس فيه بقدر كبير من الحريات الخاصة والعامة التي يفتقدها الكثير من الدول العربية وأهمها انتخاب رئيس الجمهورية وتبدله، فضلا عن تغير رئيس الوزراء والحكومة بقدر يمنع الاستبداد والتسلط الفردي للرئيس أو الحزب الحاكم أو تحولهما إلى داء مزمن كما هو الحال في الجمهوريات العربية الأخرى.

إن الكثير جدا من العراقيين فرحوا بسقوط النظام الدكتاتوري على أمل الوصول إلى مجتمع ديمقراطي، وإن كان الكثير جدا أيضا هم ضد الاحتلال الأميركي لبلدهم، ومن حق الحركة السياسية العربية إعلان دعمها لمقاومة الشعب العراقي ضد هذا الاحتلال، إلا أن حصر المقاومة في العمل المسلح أو البكاء على زعيم الأمة وحامي البوابة الشرقية للوطن العربي والوقوف ضد محاكمته وأعوانه لا يشكل في حقيقته ومألآته العملية فائدة للشعب العراقي والحركة السياسية في العراق التي يتوجب على الحركة السياسية العربية دعمها وتبني مواقفها في إعادة بناء الدولة العراقية على أسس ديمقراطية وتحقيق الأمن للعراقيين الذين يعانون الأمرين من قوات الاحتلال ومن «المقاومة المسلحة» التي تبعث الرعب في نفوس الأبرياء العراقيين أكثر مما تبثه في نفوس جنود الاحتلال.

إن اعتماد العمل السياسي وليس المسلح لإعادة بناء العراق ومؤسسات المجتمع المدني فيه ومن أجل إجبار المحتل على سحب قواته بالتنسيق مع المجتمع الدولي هو الأسلوب الأمثل في ضوء المعطيات الداخلية العراقية الخاصة ومناهضة عودة شبح النظام السابق للتسلط متحالفا مع أعوانه والمستفيدين منه من كل الطوائف، أما قول البعض أو اعتقاده بأن العراق سيكون فيتنام أخرى فإنه ليس في محله وإن كان يبدو فكرة نبيلة وبطولية وذلك لعدم توافر معطيات الأوضاع ذاتها التي كانت متوافرة لفيتنام في العراق، من حيث الدول المجاورة ووجود قوتين عظيميين كالاتحاد السوفياتي والصين، فضلا عن أن الفيتناميين لم يعانوا ما عاناه العراقيون من الأنظمة الحاكـمة منذ استقلال بلادهم حتى إسقاط نظام صدام وعلى يد قوات الاحتلال الأجنبي

إقرأ أيضا لـ "عيسى ابراهيم"

العدد 687 - الجمعة 23 يوليو 2004م الموافق 05 جمادى الآخرة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً