العدد 2778 - الخميس 15 أبريل 2010م الموافق 29 ربيع الثاني 1431هـ

الأنصاري يراجع الإشكالات المزمنة في الفكر العربي

قال المستشار الثقافي لجلالة الملك محمد جابر الأنصاري «إن نهوض الأمة مشروط بتحرك مختلف القوى الحية فيه، وليس رهنا بالمفكرين وحدهم، وإن الحل لأي مأزق حضاري يتم من خلال إرادة الأمة».

وطرح الأنصاري في محاضرة أقامتها اللجنة الثقافية في كلية الآداب بجامعة البحرين أمس (الأربعاء) بعنوان «إشكالات الفكر العربي المعاصر»، أربعة إشكالات يعاني منها الفكر العربي، هي: العقل والإيمان، الدين والدولة، النظرة إلى الغرب، والقومية أو اللاقومية.

واستهل أستاذ دراسات الحضارة الإسلامية والفكر المعاصر محاضرته - التي حضرها رئيس جامعة البحرين إبراهيم محمد جناحي، ورئيس اتحاد الجامعات العربية صالح هاشم - بالاستشهاد بمقولة لزكي نجيب محمود وصف فيها العقل العربي بأنه مقسم لغرفتين يفصل بينهما جدار سميك، في إشارة منه لحال التناقض بين منطقة منفتحة على الحداثة وأخرى منغلقة. حاثا من خلال هذه المقولة طلبة الجامعة على ضرورة الاطلاع على الثقافات العامة الأخرى وعدم الاكتفاء بما يقدمه الإنترنت.

ومن النصيحة ذات الشأن الطلابي، بدأ العميد السابق لكلية الدراسات العليا في جامعة الخليج العربي وعضو المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، بطرح مجموعة من الإشكالات التي لازمت الفكر العربي منذ أقدم العصور، والتي تحذو حذو مقولة العقل المقسم إلى غرفتين منفصلتين. أولها إشكالية العقل والإيمان.

وذكر في معرض حديثه عن إشكالية العقل والإيمان أن «لكل واحد منهما حدوده، ويقف من ثم عاجزا عند نقطة معينة تحول دون الوصل». وهي كما أشار إشكالية «فلا العقل يستطيع مجاراة الإيمان في كل شيء، والعكس بالعكس». وقد نبه في هذا السياق إلى جهود الفلاسفة والمتصوفة، مستخلصا أن المسألة الإيمانية مسألة ذاتية. ولافتا في المقلب الحضاري الآخر إلى عمل إيمانويل كانط في كتابيه: نقد العقل العملي، ونقد العقل الأخلاقي. وأن العقل عند كانط بطبيعته يقف محايدا، وبالتالي كان لابد من وجود سلم قيمي ووجداني، يكون مكملا لعمل العقل، وهو ليس عقلا.

وطرح المحاضر - وسط حضور عدد من نواب رئيس الجامعة ومستشاريه وعميدي الكليات وأعضاء من الهيئتين الأكاديمية والإدارية ولفيف من الطلبة - مسألة العقل والإيمان، انطلاقا من مفهومي الشريعة والفقه، أو ما أسماهما بالإسلام الإلهي والإسلام التاريخي، كأحد المداخل للوقوف على المسألة المطروحة.

وقال في هذا الصدد «الإسلام التاريخي هو نتاج فقهاء كانت لهم اجتهاداتهم، وهي مجرد اجتهادات لا أكثر ولا أقل. وإن الشريعة من عند الله، والفقه - كل الفقه - بشريٌّ فيه مادة صحيحة وأخرى جانبها الصواب. وإن ما يحدث من تطرف في هذا الشأن هو نتيجة الهزيمة». وضرب مثلا ابن تيمية الذي ظهر في فترة كان العالم الإسلامي يعاني فيها من الغزو الصليبي والمغولي فأطلق عبارته الشهيرة «من تمنطق فقد تزندق»، بينما في فترات سابقة كان هناك أهل الرأي وأهل النقل. وجاء المحاضر بمثلي الإمام مالك وأبي حنيفة كنموذجين أخذ الأول بالنقل بينما تمسك الثاني بالاجتهاد والقياس.

ومن الإشكالية الأولى في الفكر العربي - وهي إشكالية أزلية كما وصفها - طرح المحاضر - في المحاضرة التي نظمتها اللجنة الثقافية بكلية الآداب بجامعة البحرين في مركز تسهيلات البحرين للإعلام - الإشكالية الثانية وهي الإيمان بأن الإسلام دين ودولة. لافتا إلى «أننا لو درسنا الأمر بدقة، سنرى أن الرسول (ص) يتصرف في موضوع العقيدة تصرفا مبدئيا، وأنه عندما أقام الدولة كتب صحيفة المدينة، وهو نص واضح جدا، ولم يؤسس الفكر السياسي عليه، على رغم كونه أول تعاقد سياسي، بل إن ما حصل هو التوجه للماوردي في الأحكام السطانية».

وبيّن المحاضر أن الحضارة الإسلامية «أصيبت فيها السياسة بفقر دم». مذكرا قبل ذلك أن «صحيفة المدينة» جاءت لتجمع بين المجتمع الديني والمجتمع السياسي، فالمجتمع الديني يضم المؤمنين من المهاجرين والأنصار، بينما المجتمع السياسي يضم المؤمنين والوثنيين وقبائل اليهود في المدينة المنورة».

وتوقف المحاضر عند مسألة النظرة إلى الغرب كإشكالية ثالثة يعاني منها الفكر العربي. ورأى الأنصاري إغفال هذا الفكر للغرب كظاهرة حضارية والاكتفاء بالنظر له كظاهرة استعمارية. واستشهد في هذا السياق بالمفكر الجزائري الراحل مالك بن نبي الذي وصف اليابانيين في تعاطيهم مع الغرب بالتلاميذ، بينما العرب كانوا مجرد زبائن. وزاد عليه باستفادة اليابان المثلى من الغرب وقال هنا «كان اليابانيون يحاربون الغرب بيد ويستفيدون من قوته الحضارية باليد الأخرى».

وكان مدار الإشكال الرابع في المحاضرة يتمحور حول المسألة القومية. عبر عنوان رسمه في المحاضرة بالقومية أو اللاقومية. متسائلا «إذا كانت القومية هزمت وخصوصا في معركة 1967 فهل نتخلى عن المبدأ الأساسي الذي جاءت به؟» ومن التساؤل عَبَر المحاضر إلى ضرورة التكتل في عالم لا يعترف إلا بالكيانات الكبيرة، ضاربا في هذا الشأن نماذج الصين والهند وأميركا.

وشدد الأنصاري في معرض المداخلات التي أعقبت المحاضرة ردا على تساؤلات عدد من أعضاء الهيئة الأكاديمية على مسألة أن الفكر لا يقدم حلولا وأن الحل رهن بيد الأمة.

وعقب اللقاء أهدى رئيس جامعة البحرين إبراهيم محمد جناحي، هدية تذكارية، معبّرا عن اعتزاز الجامعة باستضافة المفكر العربي محمد جابر الأنصاري، الشخصية الفكرية العربية ذات الإسهامات البارزة، قائلا إن هذه المحاضرة تمثل إثراء لرصيد جامعة البحرين التي تحرص على اجتذاب الشخصيات المتميزة والمبدعة في مجالها، رغبة منها في إطلاع منتسبيها طلبة وأكاديميين على مستجدات الحقول الثقافية والعلمية المتنوعة.

وقال رئيس الجامعة «إن الأنصاري قد شرّف مملكة البحرين بإنجازاته وإصداراته التي باتت مصدر احتفاء من جهات عدة، ونال عدد منها جوائز رفيعة يستحق بموجبها كل تقدير».

وأشاد جناحي بسلسلة فعاليات كلية الآداب المزمع طرحها خلال الأسابيع القليلة المقبلة، مؤكدا أن هذه الفعاليات تعزيزٌ لمستوى الجامعة الثقافي، ورفدٌ لمكانة الجامعة التي تسعى لأن تكون منبر علم ومعرفة يتجاوز الطرح الأكاديمي البحت إلى أبعاد ثقافية وفكرية أوسع.

وكانت عميدة كلية الآداب رئيسة اللجنة الثقافية بالكلية هيا علي النعيمي قد ألقت في البداية كلمة قدّمت فيها بالأنصاري، وأشارت إلى إسهاماته الثرية في دراسة الإشكالات التي أحاطت بالعقل العربي، ومدى إسهاماته على الجانبين الأدبي والفكري. إذ أشارت إلى تنبهه المبكر بأن اللغة الأدبية لا يمكنها الغور في إشكالات الفكر العربي، وهذا ما دفعه لأن يتجه إلى الدراسات المعمقة ضمن مشروعه الفكري، باحثا عن الجذور العميقة لما آل إليه العرب اليوم.

العدد 2778 - الخميس 15 أبريل 2010م الموافق 29 ربيع الثاني 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً