العدد 2778 - الخميس 15 أبريل 2010م الموافق 29 ربيع الثاني 1431هـ

«الهندي المزيف»: رواية الهاربين من القهر والقمع

بروايته الصادرة بالألمانية «الهندي المزيف» حصل الكاتب العراقي الأصل عباس خضر على جائزة «شاميسو» هذا العام. الرواية تعرض بأسلوب يخلط التراجيدي بالكوميدي قصة هروب خضر من العراق في عهد صدام حسين حتى وصوله إلى ألمانيا.

تبدأ رواية «الهندي المزيف» بعثور الراوي على مخطوطة مكتوبة باللغة العربية في القطار المتجه من برلين إلى ميونيخ. وتروي المخطوطة التي تحمل عنوان «ذكريات» قصة حياة شاب عراقي يُدعى رسول حميد يعتبره الناس هنديا بسبب شكله وبشرته الداكنه. هذا الشاب يتعرض إلى الملاحقة والسجن في العراق في عهد صدام حسين، إلى أن يتمكن من الهروب عبر عدة بلدان إلى أن يصل إلى ألمانيا ويحصل فيها على لجوء سياسي.

ولا تسير المخطوطة وفق خط سردي تصاعدي، بل يحكي حميد في كل فصل الحكاية نفسها، ولكن بمنظور مختلف أو انطلاقا من «موتيف» آخر، مثل الحب والجنس والسجن والكتابة. هذا التكرار قد يصيب القارئ ببعض الملل، عندما يعود في كل فصل إلى بغداد من جديد، ليتابع رحلة الرواي ومغامراته في عمان وبني غازي وطرابلس وتونس، وصولا إلى تركيا ومنها إلى اليونان وإيطاليا، وانتهاء بألمانيا. غير أن القارئ يتعرف في كل فصل على نواحٍ أخرى من حياة الرواي، مثل حكاياته مع البنات والنساء، والفراغ القاتل الذي عايشه خلال هروبه من بلد إلى آخر، و»المعجزات» التي أنقذته من مصير مظلم ومميت.

ويقول خضر في الحديث الذي أدلى به إلى «دويتشه فيله»، إن هدفه كان أن يضع عدة رؤى للأحداث. ويضيف قائلا: «حاولت أن أنظر للقصة من عدة اتجاهات، ورويت الحكاية ثماني مرات، ولكن في كل مرة بطريقة مختلفة. القارئ يستطيع بذلك أن يعيد صوغ العمل بنفسه». ويشير خضر إلى أنه كان متخوفا من مسألة التكرار، لذلك حاول أن يسرد الأحداث برؤية أخرى بحيث لا تفقد عنصر التشويق. وقد شعر بالبهجة عندما قالت له مديرة دار النشر إن طريقة السرد الجديدة هذه هي ما أثارت انتباهها، وليس الحكاية بحد ذاتها.

لا يصدق الراوي نفسه عندما يقرأ هذه المخطوطة، إذ إنه يجد فيها قصة حياته، بكل حذافيرها، أو فلنقل هي قصة حياة كثيرين من الهاربين من القهر والقمع، الباحثين بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة عن حياة أخرى، حياة يتنفسون فيها هواء الحرية. في هذه الرواية يمزج عباس خضر حكايته وسيرته مع أقدار عديدين، كاتبا رواية تخلط بين الغرائبي واليومي وبين التراجيدي والكوميدي. وربما كانت النبرة الساخرة التي تكاد تكون مرحة التي سرد بها عباس خضر روايته سببا أساسيا في النجاح الذي حققته روايته لأنها خففت كثيرا من مأساوية ما يحكيه.

وعن أسباب اختياره لهذا الأسلوب الذي يغلب عليه الخفة والمرح لسرد أحداث مظلمة عن الحرب والقمع والملاحقة والهروب يقول خضر: «حاولت أن أكتب - بداية - كتابا أدبيا، وأن يكون كتابي مشوقا. سألت نفسي: ماذا ينتظر مني القارئ؟ إنه ينتظر كتابا عن التهريب واللجوء والسجون، أي كتابا حزينا. لذلك حاولت أن آتي بشيء جديد، أن أسرد ذلك التاريخ بجدية مطلقة، ولكن في الوقت نفسه أن أبحث عن التناقضات الموجودة في الحياة، وهي تناقضات تدفعنا أحيانا إلى الضحك، كما يقول المثل «شر البلية ما يضحك». لقد حاولت أن أسخر من الماضي بطريقة ما.» هذا الحب الجارف إلى الحياة هو ما يدفع الراوي إلى اللجوء إلى المرح لكي يظل على قيد الحياة، وهو الذي أنقذه المرة بعد الأخرى من مواقف مميتة، ولذلك يهدي خضر روايته إلى «كل من يحلم بجناجين قبل أن يداهمه الموت بثوان».

وكان خضر أصدر بالعربية العام 2002 ديوانا شعريا بعنوان «تدوين الزمن الضائع»، ثم تحول في العام 2005 إلى الكتابة بالألمانية، وروايته «الهندي المزيف» هي أول إصداراته بلغة غوته. اختار خضر الكتابة بالألمانية ليتواصل مع المجتمع الجديد الذي منحه الحرية، كما أنه وجد في الكتابة بلغة أجنبية وسيلة للتغلب على مشكلة الرقابة في العالم العربي، وهو يقول في هذا الصدد إن «الكتابة بالألمانية كانت بالنسبة لي نوعا من المغامرة، مغامرة في اللغة». لم تمنح اللغة الجديدة خضر فضاء جديدا للبوح فحسب، بل وهبته وطنا جديدا وحررته من الألم مثلما يؤكد في حديثه.

عن «الهندي المزيف» نال خضر جائزة «شاميسو» التي تُمنح للكتاب ذوي الأصول الأجنبية في ألمانيا الذين اختاروا الألمانية لغة إبداع. وقد تقاسم جائزة هذا العام التشجيعية مع الكاتبة الجورجية الأصل نينو هاراتيشيفيلي (7000 يورو لكل فائز)، في حين حصدت الجائزة الرئيسية (15 ألف يورو) الكاتبة المجرية الأصل تريزيا مورا.

العدد 2778 - الخميس 15 أبريل 2010م الموافق 29 ربيع الثاني 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً