العدد 2372 - الأربعاء 04 مارس 2009م الموافق 07 ربيع الاول 1430هـ

الدرس الأهم من انتفاضة 5 مارس

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

5 مارس/ آذار 1965 تجتاح البحرين موجة إضرابات تنطلق من شركة النفط (بابكو)، تتطور الأمور وتتصاعد لتتحول إلى مواجهات دامية بين المضربين ورجال الأمن، يسقط الشهداء، وتمتلئ الزنازن بالمعتقلين، وتدخل البلاد في سرادق معتم تطوقه مرحلة مظلمة في تاريخ البحرين المعاصر، لا يسدل ستارها حتى منتصف السبعينيات عندما تبدأ مرحلة المجلس التأسيسي، وبعدها المجلس الوطني، اللتان كانتا، على أهميتهما، قصيرتين، لم تكادا تريان النور، حتى ينقض عليهما قانون أمن الدولة، ويؤودهما، كي تدخل البلاد مرة أخرى، ولكن هذه المرة بشكل أسوأ، في غياهب مرحلة قمعية أخرى، لا يخرجها منها سوى المشروع الإصلاحي الذي دشنه جلالة الملك في مطلع هذا القرن.

في حسابات الزمن، يمكننا القول إن شعب البحرين قدم تضحيات جسام، تكبد خلالها دفع ضرائب باهضة كي يقطع هذا المشوار الذي كان في الوسع تفادي الكثير من مطباته وأكلافه، لو أن تطور الأمور أخذ منحى آخر غير الذي أشرنا إليه.

من يريد أن يزن قيمة هذه التضحيات عليه فقط أن يقارن، بما تحقق في دولة مثل الكويت في الفترة بين 1970-1990، والمكاسب التي تحققت هناك بفضل الطريق الذي سارت فيه الكويت، وبين الآلام والعذابات والتضحيات التي عاشتها البحرين خلال تلك الفترة.

ندرك أن التاريخ يحفر مساراته بعيدا عن تمنيات الناس، لكننا بالقدر ذاته لا يسعنا التغافل عن دور الإنسان في صناعة تاريخه وإسهاماته في رسم معالمه.

كان لابد من سرد هذه المقدمة المقتضية ونحن نتناول بالحديث الذكرى 49 لانتفاضة مارس الباسلة، لا لشيء أكثر من محاولة قراءة الدرس الأهم منها وبشكل صحيح، والاستفادة منه على الوجه الأفضل.

وإن كان لنا أن نتحاشى التفاصيل، وندخل في صلب الموضوع وبشكل مباشر، فبوسعنا أن نقول بأن أهم دروس مارس 1965 هو أن القمع والإرهاب لا يمكن أن يولدا مجتمعا مستقرا يتطور بشكل طبيعي، بل الأمر على العكس من ذلك تماما، إذ يؤدي القمع إلى التأسيس لمجتمع مسخ غير قابل لأي شيء أكثر من شد حبال التوتر إلى أقصى درجاتها، وتأجيج أوار الصراع السياسي إلى قمته. والنتيجة المنطقية لتلك الحالة هي ضياع الفرص التاريخية من أمام القوى المنتجة الصاعدة في المجتمع كي تمارس دورها التنموي، لأن الظروف السائدة حينها ترغمها على التحول إلى قوى هامشية، وأحيانا متفرجة، كي تحل مكانها قوى طحلبية انتهازية تعيش وتتغذى على تلك الصراعات وتنمو على عناصر تصعيدها.

ما يدفعنا إلى القول بأن أهم ما يستخلص من دروس مارس 1965 هو أن القمع يهدم ولا يبني، هو ما يشهده مجتمع البحرين اليوم من توترات وصدامات، قريبة إلى حد بعيد من تلك التي سبقت انتفاضة مارس، الأمر الذي يوحي باحتمال تطور الأمور إلى حالة من الفلتان الأمني الذي يفتح الطريق أمام «جرذان» القمع كي تخرج من جحورها مروجة، من جديد، للاستعانة بالسياسات القمعية، لأنها الوحيدة -من وجهة نظرها- القادرة على إعادة الأمور إلى نصابها. ومحصلة ذلك عودة البلاد من جديد، وعلى نحو أسوأ، إلى مرحلة ما قبل مشروع الإصلاح السياسي.

الدرس الأهم من مارس يحذر طرفي الصراع من مغبة تصعيد الأمور إلى مرحلة يصعب فيها التراجع عن الصدام المباشر الذي من الطبيعي أن تغذيه القوى التي لها مصلحة مباشرة في الانتكاس 180 درجة مئوية والعودة بالبلاد إلى مرحلة «قانون أمن الدولة»، وهو ليس بالأمر المستحيل.

على الحكماء في طرفي الصراع المحتدم اليوم، من دون الحاجة إلى نبش الملفات ولا فتح النوافذ، أن يحتكموا إلى العقل والمنطق، يرشدهم في ذلك تمسكهم، من دون أية نية للتراجع، بما وصلت إليه البحرين من تطور سياسي لا يمكنها، بل ولا ينبغي لها، التراجع عنه.

على من يريد أن يقوم بذلك أن ينظر نحو الأمام ولا يلتفت إلى الخلف، ويطل من فتحة واسعة عوضا عن حصر نفسه في زاوية ضيقة، ويهيئ نفسه لتحقيق انتصارات وطنية استراتيجية، بدلا من نيل مكاسب فئوية آنية ومرحلية.

ربما يتطلب ذلك العض على الجراح، وقد يقتضي الأمر الارتفاع فوق بعض الخلافات الثانوية الهامشية التي قد تبدو استراتيجية، من أجل قطع هذه المرحلة الصعبة والحرجة التي تقف فيها البحرين أمام مفترق طرق شبيه إلى حد بعيد، من حيث الخيارات المتاحة، بذلك الذي واجهته البلاد قبيل مارس 1965.

عنصر مهم لابد من أخذه في الحسبان اليوم، ونحن نجرد موازين القوى، ونصنف اصطفافها، وهو أن شعب البحرين بمعارضته وإدارات دولته، يلج الصراع اليوم وبين يديه المشروع الإصلاحي، بكل ما يحمله من ميثاق وطني ودستور شرعي، وهو ما لم يكن بحوزته في العام 1965.

وعلى ضفة المعارضة، فمن الطبيعي أنها لن تستطيع أن تحقق تلك الانتصارات، وليس المكاسب، إن هي ولجت ساحة المفاوضات وأوضاعها الداخلية مضعضعة جراء انقساماتها حول أمور، تدرك هي أكثر من غيرها، أنها ليست جوهرية ولا تستحق التوقف عندها.

الدرس الأهم من مارس أن نسعى جميعا لمجتمع ينزع وإلى الأبد أنياب شياطين القمع والإرهاب، ويغرس بدلا منها أنامل ملائكة الحرية والديمقراطية.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2372 - الأربعاء 04 مارس 2009م الموافق 07 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً