سأتناول في حديثي اليوم ظاهرة تحصل في مجتمعاتنا ومحيطنا بين فئات من الناس ألا وهي «المكابرة والإصرار على الخطأ والدفاع عن المواقف أو الآراء على رغم تكشف حقيقة هزالها وعدم صحتها» ... هناك من الناس من هو عنيد في طبعه لا يقبل الرأي المخالف حتى ولو تبين أمام عينيه عدم صحة إدعاءاته ويكون في قرار نفسه عالما بخطئه متيقنا من عدم صحة إدعاءاته فيبقى مصمما على رأيه أو يبدأ بالتهرب من الرد، ومن المفترض أن يكون موضوعيا واعيا لا هم له صحة أو خطأ رأيه، بل المهم هو الوصول إلى النتيجة للفائدة ولعدم تغييب الحقائق. فيعطي انطباعا سيئا عن نفسه لدى الجهة المقابلة لأنه لا يقبل الحقيقة ولا يفهمها. فكل ما يفهمه هو أن يكون دائما على حق بغض النظر عن آراء الآخرين مدى صحتها ومدى قوة الدليل لديهم.
من خلال التجربة الشخصية هناك أصناف من هؤلاء الناس الذين لا يقبلون بان يقال عنهم بأنهم قد ارتبكوا خطأ بشريا (البشر لديهم قابلية ارتكاب الخطأ وبالتالي فهو ليس عيب)
ومنهم من يتبين له خطؤه وعدم صحة رأيه وتصرفه ولكن لا يقبل بان يقال له بأنك مخطئ و بالتالي يلجأ لأسلوب المراوغة بكلام معسول وديباجات طويلة لا نهاية لها، وربما يناقض نفسه ويدخل في مفارقات عجيبة غريبة الأطوار والبعض منهم يلجأ للصحافة وللانترنت وغيرها من أساليب تصب بوضع بعض الصفات في بعض الأفراد من يختلف معهم ويحمله المسئولية وينعته بالصفحات القبيحة منها انه مريض نفسي وانه أناني وووو الخ.
شخصية المتعصب لرأيه والمصر على خطئه شخصية سلبيه تحب أن تسلط عليها الأضواء دون الآخرين وتحب أن تظهر بمظهر الناصح والفاهم العالم وصاحب الرأي السليم ونفسيته لا تقبل النقاش الايجابي ولا تقبل المرونة وعليه فالتصرف السليم معها هو تفنيد رأيه بالحجة القوية والدلائل الدامغة والخطوات الموضوعية التي تسكته ضمن نطاق المنطقية وحتى لو رد تكون ردوده بائسة ومفلسة من تعد على الآخرين بتجريحهم أو سبهم وعندما يصل إلى هذه الحال أنه في حال إفلاس شديدة وفاقد الشيء لا يعطيه. وبهذا يخسر ما كان يريد أن يبنيه لنفسه من سمعة أو أضواء مسلطة من لا شيء.
ومن هنا دعوة لمن يريد الحوار والنقاش الناجح أن يكون متعاطيا مع جميع النقاط المطروحة والرد عليها والإقرار إذا كان الرأي الآخر محقا في ما يقول، وليس عيبا أن يقول شخص: فعلا أنت محق في ما تقول ولم أكن منتبها لهذه النقطة، فمجرد الاعتراف بالذنب أو التعاطي مع الرأي الآخر يضفي إيجابية للحوار تمنح المصحح ثقة فيما يقول وترفع المعترف بخطاه إلى مكانة أسمى وتزده اقترابا من قلوب الناس.
أما العقول الهمجية التي لا تقبل أن تعترف بأخطائها ولا تقبل احترام الرأي المخالف عندما يكون مصححا لأفكار مغلوطة لديهم فلن تلاقي من الأطراف الأخرى سوى امتهانها وعدم الدخول معها في حوارات أو حتى عدم دعوتها للمجالسة مرة أخرى فالجلوس معهم لا فائدة منه لأن الحوار الايجابي يخلص إلى نتيجة، أما الحوار السلبي فلا يخلص لنتيجة والسبب في العقلية الجامدة.
أقول أن الشخص الذي لا يعترف بذنبه ولا يقبل الآراء المدعمة بشواهد وأدلة تدل على صحة ما جاء فيها، قد حرم نفسه فضيلة بل ووضع نفسه موضع الانعزالية والانطواء عن الآخرين، كلمة نهائية فإنني قبل أن انصح الآخرين عليه بان أقول لنفسي أنا بأنه لدي أخطاء كثيرة في حياتي فالاعتراف بالذنب فضيلة.
مجدي النشيط
العدد 2374 - الجمعة 06 مارس 2009م الموافق 09 ربيع الاول 1430هـ