العدد 710 - الأحد 15 أغسطس 2004م الموافق 28 جمادى الآخرة 1425هـ

استباحة المدن المقدسة... أمس واليوم

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

بينما تنفس أهالي النجف والمسلمون والمراقبون الصعداء أمس الأول لتوقف الدمار في المدينة المشرفة، عادت الأمور إلى سابقها مع انهيار المفاوضات بين الحكومة العراقية المؤقتة (وخلفها القوات الأميركية) وأنصار الزعيم الديني الشاب السيدمقتدى الصدر (الذين يطلق عليهم جيش المهدي).

النجف الأشرف مدينة مقدسة واستباحتها من الخطوط الحمراء التي كان الاكثرية يأملون عدم تجاوزها، ولكن هذه المشكلة متكررة - ولأسباب مشابهة - عبر التاريخ، إذ حدثت في كربلاء المقدسة في القرن التاسع عشر، كما أنها تحدث الآن في النجف الاشرف.

ففي يناير/ كانون الثاني 1843 يحدثنا التاريخ عن غزو الوالي العثماني محمد نجيب باشا لكربلاء بعد أن حاصرها شهوراً عدة، ودخلها بعد ذلك وقتل الآلاف (قيل خمسة آلاف شخص)، واستباح حرمة المدينة، وحوَّل مشهد العباس (ع) إلى اسطبل لخيول الجيش العثماني بعد اقتحام المدينة. الأسباب كانت مشابهة نوعاً ما للأسباب التي تتحدث عنها الحكومة العراقية المؤقتة.

كربلاء قبل العام 1843 كانت تحت سيطرة عدد من الفقهاء والتجار الذين كانوا يعتمدون على مجموعات شبابية «كبيرة العدد» لحماية المدينة وفرض الأمن وتسيير الأمور. وكانت المدينة غنية جداً آنذاك ولكنها كانت خارج سيطرة الحاكم (الوالي العثماني) في بغداد. وكانت الحكومة العثمانية تغض الطرف عن الشأن الكربلائي لاعتبارات كثيرة، واستمر هذا الأمر حتى تولي «محمد نجيب باشا» الأمر في بغداد في سبتمبر/ ايلول 1842.

وبما أن كربلاء كانت تحت ولاية الباشا فقد قرر زيارة المدينة، إلا أن ذلك لاقى معارضة الكربلائيين الذين اعتبروا أن ذلك غير مقبول وانه قد يمهد لتدخل العثمانيين في المدينة المقدسة على اساس طائفي، بينما اعتبر الوالي رفض دخوله المدينة تحدياً لسلطته السياسية. داخل كربلاء، كانت الأوضاع منقسمة بين فقيهين، أحدهما السيدكاظم الرشتي، والثاني السيدإبراهيم القزويني. وما بين الفقيهين كانت المجموعات الشبابية تدير الشئون بطرق مختلفة مع تدخل لأصحاب النفوذ وانعدام لأية سلطة مركزية. بل ان الأمر وصل إلى حد خوف أي شخص يعارض هذه المجموعة الشبابية أو تلك من المجاهرة برأيه، لأنه قد يتعرض للضرب أو ما هو أكثر من ذلك.

الانقسام داخل المؤسسة الدينية في كربلاء آنذاك، وإصرار صاحب السلطة السياسية على ممارسة سلطته في المدينة اجتمعا في آن واحد... وهو ما يشبه ما يحدث الآن في النجف الأشرف. فهناك الآن انصار «جيش المهدي» المعتمد على الطاقات الشبابية وهناك من يود أن تكون السلطة بيد مسئولين سياسيين تستقر على ايديهم الأمور، وهناك قوات الاحتلال والحكومة المؤقتة التي تود فرض سلطتها حالها حال أية حكومة في أي بلد كان.

عودا الى التاريخ: عندما رفض الشباب الكربلائي دخول نجيب الدين باشا إلى المدينة في نهاية 1842 لم يكن أحد يتوقع أن تُنتهك حرمة كربلاء المقدسة في مطلع 1843، كما انه لم يكن أحد يتوقع انتهاك حرمة النجف حالياً.

نجيب الدين باشا قرر محاصرة كربلاء أولاً لتركيعها، وكتب بعد ذلك إلى قنصليات فرنسا وبريطانيا وإيران يشرح لهم أسباب الحصار الذي فرضه، وقال انه ممنوع من إنفاذ سلطته السياسية. الفقهاء داخل كربلاء اختلفوا على الرد كما كانوا مختلفين أساساً فيما بينهم.

وفي النهاية لم تشفع قدسية المدينة لمن أراد دخولها وقتل الجيش العثماني 5 آلاف كربلائي، بينما خسر 400 جندي لدى اقتحام المدينة والمشاهد المقدسة، بل ان الجيش قتل قرابة 250 داخل حرم العباس، و200 داخل حرم الحسين ... ودخل نجيب الدين باشا وأعلن إدارة جديدة من خارج المدينة ومن غير المذهب الشيعي... كربلاء الأمس ربما انها ليست نجف اليوم، ولكن هناك الكثير من الظروف المشابهة

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 710 - الأحد 15 أغسطس 2004م الموافق 28 جمادى الآخرة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً